سلايدرقضايا المجتمع

العنصرية تجاه السوريين.. لماذا استمرت في لبنان وتوقفت في مصر؟

تتصاعد وتيرة الخطاب السياسي العنصري تجاه السوريين، وبخاصة في لبنان، عبر بعض التصريحات والممارسات لسياسيين لبنانيين، أولهم جبران باسيل وزير الخارجية، لكن ما يلفت النظر أن الدعوات المماثلة التي جرت ضد السوريين في مصر حديثًا، قوبلت بهبّة مصرية شعبية وسياسية إعلامية واضحة وقوية، وتمكنت من إسكات الدعوات المسيئة للسوريين، وإنهائها في مهدها.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: لماذا استطاع المصريون إنهاء هذه العنصرية، وإغلاق كل الدعوات لطرد السوريين، بينما قوبلت الدعوات العنصرية اللبنانية لطرد السوريين بالصمت، باستثناء بعض الاعتراضات الفردية الخجولة؟!

الكاتب والصحافي المصري حمادة إمام قال لـ (جيرون): “القيادة السياسية في مصر تعلم أن أمن مصر يبدأ من سورية، وبالتالي فإن أي تصرف مع السوريين المقيمين ستكون له عواقب لا تُدرك، كذلك فإن السوري في مصر لم يخصم من نصيب المواطن المصري، بل حرّض فيه روح المنافسة والمغامرة، نظرًا إلى النجاحات التي حققها، على الرغم من الصعاب، إضافة إلى أن الأشخاص الذين قادوا التحريض، عليهم علامات استفهام، وهم محل كراهية من معظم فئات المجتمع، علاوة على وجود جذر تاريخيّ من علاقات المصاهرة والنسب مع السوريين، وكثير من المصريين جذورهم سورية”.

وقال المعارض السوري عارف دليلة: إن “اللبنانيين، بمختلف طوائفهم التي كان مجرموها أثناء الحرب العنصرية الداخلية قد دفعوا بمئات الألوف منهم خارج لبنان، خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، داخل الأراضي السورية، لجأ مئات الآلاف منهم، هربًا من العدوان الإسرائيلي عام 2006، إلى سورية. وقد تميزت هذه الهجرات العربية المليونية إلى سورية بأنها لم تترافق بنصب خيمة واحدة على الأراضي السورية، أو إقامة تجمع واحد للاجئين على أي بقعة في سورية، وتطويقه بالأسلاك الشائكة والحرس المسلح مع حرمانهم من جميع الضروريات والحقوق الإنسانية الدنيا”.

وأضاف لـ (جيرون) أن جميع اللبنانيين عُوملوا “في جميع المراحل، كضيوف يسكنون بيوت السوريين، مع السوريين في كثير من الأحيان، أو مستقلين إذا شاؤوا، ولم يسمع أحد بحدوث أي حادث ذي طبيعة عنصرية بينهم وبين المواطنين السوريين، حتى تاريخ عودتهم الاختيارية إلى بلدهم أو خروجهم باختيارهم إلى أي مكان يشاؤون!”.

وتابع: “كيف نفسّر الحملات العنصرية التي تُشن ضدهم، في هذا البلد العربي أو ذاك، من دون الأخذ بعين الاعتبار الظروف غير الإنسانية، والقاهرة التي اضطرتهم إلى مغادرة بيوتهم ووطنهم إلى العراء، وإلى الخارج، كأنهم لم يكونوا يومًا أصحاب أرض وبلد وبيت ومجتمع وأهل وعائلة وثقافة وتاريخ وحضارة، فما الذي حصل حتى أصبحت سورية والسوريون العدو الأول للجميع، كما يبدو من ظاهر الأمر، وكما هي وهُم الآن على الأرض؟ الكثيرون يطرقون هذا الموضوع، ولكنه يبقى مفتوحًا على مختلف الأجوبة لدهر طويل، وسيكون موضوعَ أكثر من مقال قادم، مثله مثل كلمة (حتى) التي قضى كبير النحويين عمره في البحث فيها حتى قال: سأموت وفي نفسي شيء من (حتى)! فكم تحتاج (حتى) السورية من السوريين حتى يعودوا إلى أصلهم، ويغتسل الخطاة الذين انحرفوا والذين استرخصوا مصير شعبهم وأهاليهم، من أدرانهم، ويرون ويرى الآخرون ماذا وكيف ولماذا جرى كل ما جرى لسورية ولهم، وينال المسؤولون عما جرى جزاءهم العادل عما اقترفوا؟”.

بينما رأى الأكاديمي اللبناني جميل حمود، عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة رفيق الحريري، أن “استضافة مصر لأعداد من النازحين السوريين، حدثٌ مستجد وغير ذي خلفيات وشؤون وشجون تاريخية، كما الحال في لبنان، علمًا أن لا مجال للمقارنة بين استضافة 230 ألف نازح في بلد عدد سكانه مئة مليون نسمة، ومساحته مليون كيلومتر مربع، مقابل 1.5 مليون نازح سوري في لبنان الذي عدد سكانه خمسة ملايين نسمة، ومساحته 10،452 كيلومتر مربع”.

وأضاف لـ (جيرون): “لطالما تميّز تفاعل الشعبين اللبناني والسوري على مرّ التاريخ بعلاقات يغلب عليها طابع المحبة والبغض في آنٍ معًا، فمن جهةٍ هناك جوار جغرافي واسع، وتاريخ مشترك، وتبادل اقتصادي كبير، وتفاعل اجتماعي متشعب في علاقات قربى وزواج، وعادات وتقاليد مشتركة، ومن جهة أخرى هناك أطماع ومشاريع نفوذ ومحاولات سيطرة تجلّت في أقسى صورها في احتلال سوري، أو وصاية سورية، أو وجود سوري شرعي ومؤقت دام نحو 30 سنة، وإضافة إلى تعقيد العلاقات اللبنانية السورية، هناك أزمات النظام اللبناني الداخلية، التي تفتح الباب واسعًا أمام قوى المجتمع اللبناني على التحالف أو التنافر مع النظام السوري الذي لم يعترف يومًا باستقلال لبنان، ولم يرَ فيه إلا عمقًا استراتيجيًا لوجوده وديمومته”.

وتابع: “على الرغم من بشاعة العنصرية في مواقف بعض شرائح المجتمع اللبناني تجاه النازحين السوريين، لا يمكن، واقعيًا وبراغماتيًا، عزل هذه المواقف عن سياق العلاقات والمشكلات بين البلدين، وأيًا يكن تفاعل اللبنانيين مع السوريين، فإن المواقف العنصرية لبعض الساسة اللبنانيين، ليست إلا مساعي ضغط على المجتمع الدولي، بهدف تحصيل الأموال ووضع اليد عليها”، ولفت الانتباه إلى أن “مطلقي المواقف العنصرية من الساسة اللبنانيين هم على علاقة ممتازة مع نظام بشار الأسد، ويعون تمامًا مدى رفض هذا النظام للتعاون في عودة النازحين، وقد فشلت منظومة السلطة اللبنانية الضعيفة المنقسمة على نفسها منذ البداية، في وضع مخطط وطني لمواجهة النزوح السوري، فتُرك الأمر للمبادرات الفردية والعشوائية هنا وهناك، وأدى ذلك إلى تفاقم ضغط النزوح على مختلف قطاعات البلد، ولا بدّ من القول: إن شرائح واسعة وكبيرة جدًا من اللبنانيين ترفض مطلقًا التعاطي العنصري مع أهلنا السوريين، وتعبّر عن ذلك في ميادين مختلفة، وما ارتفاع حدة الصوت العنصري إلا انعكاس للمثل الشعبي القائل: (الفاجر يأكل مال التاجر)”.

أما الإعلامي المصري فتحي عبد الفتاح فقد قال لـ (جيرون): “لأن مصر شطر الجمهورية العربية المتحدة، احتضنت كل من وفد إليها، حتى من أسرة آل سعود الذين تآمروا على الوحدة بين مصر وسورية، وصنعوا كارثة 67و 69 مجزرة الفلسطينيين، وما زالت مؤامراتهم مستمرة حتى اللحظة ضد سورية، أقول: الوطن، وليس النظام، من وقف مع السوريين، أما اللبنانيون فلا يمتلكون من أمرهم شيئًا، إذ إن حسن نصر الله وفصيله يتحكمون في كل شيء”.

وقال الكاتب والطبيب اللبناني عبد الناصر سكرية لـ (جيرون): “يعاني مجتمع اللبنانيين من سطوة شديدة للمشاعر المذهبية والطائفية، والانقسام والتعلق بأطراف السلطة تبعٌ لتلك المشاعر، فضلاً عن ارتباط كل مصالح الناس بذلك الانقسام وذلك الارتباط، وهذا ما يجعل لبنان غير مؤهل لاتخاذ موقف وطني أو إنساني، موحد أو متقارب، في حين أن مصر مجتمع متجانس منصهر اجتماعيًا، الأمر الذي يسهل إمكانية اتخاذ مواقف شعبية موحدة، لو توفرت قضية أو قيادة إيجابية. إن سنوات القهر والاذلال التي مارسها النظام السوري طوال ثلاثين عامًا في لبنان، تركت آثارًا سلبية عميقة جدًا، وشكّلت أرضية صالحة للتصرف حيال أي سوري، بمنطق ردة الفعل، وإن غالبية النازحين السوريين في لبنان ينتمون إلى قطاعات فقيرة وعاملة، وقد دخل كثير منهم سوق العمل اللبناني، وسهّل هذا للمغرضين التحريض عليهم بذريعة أنهم ينافسون اللبنانيين في عملهم”، ثم أضاف: “أما في مصر فغالبية السوريين هم من الطبقة المتوسطة، ولم يسكن أحد منهم في مخيمات، وأعمالهم أضافت إلى سوق العمل المصري، ولم تنافسه، كما أن السجل الأسود لأجهزة الأمن السورية لم يصل إلى مصر”.

وأشار إلى أن هناك “عاملين مهمين جدًا، في ما يتعلق بالتعاطي اللبناني مع النازحين السوريين: الأول أن معظمهم ينتمون إلى المذهب (السني)، وهو ما يجعل أبناء المذاهب الأخرى في حالة تشنج، استنادًا إلى الخلفيات والحسابات المذهبية، فضلًا على أنه يجعلهم مستهدفين، كما هي حال المدن العربية التاريخية التي دُمّرت وهجّر أهلها، أما العامل الثاني فهو أن سورية تُعدّ المدخل الجغرافي الوحيد لترجمة هوية لبنان العربية، والاهتمام بالنازحين يشكّل تجسيدًا للعروبة كهوية مشتركة، لكن الواقع اللبناني يعاني من هجمات تاريخية مزمنة ومتصاعدة ضد العروبة، تولّته المارونية السياسية مطولًا، وتوسعت فيه شعوبية الأدوات الإيرانية وما لها من نفوذ”.

وتابع: “إن جميع أصحاب النفوذ والسلطة في لبنان مرتهنون للنفوذ الأجنبي المعادي للعروبة، ولثورة الشعب السوري وآماله في التحرر والكرامة، وفي مقدمتهم الإعلام الذي يلعب دورًا تحريضيًا كبيرًا ضد النازحين السوريين، ومثلهم رجال المال والإعلام، وجميعهم يتشاركون في ترويع اللبنانيين من إخوتهم السوريين، كما إن هؤلاء جميعًا يمالئون النظام السوري، سواء لمصلحة أو لارتباط أو تنفيذًا لأوامر خارجية، وجميع هذه العوامل غير متوفرة في مصر، وبعضها ضعيف التأثير شعبيًا، ولبنان حاليًا يقع ضمن دائرة النفوذ الإيراني بتفويض أميركي، وهذا لا يصب في مصلحة النازحين السوريين”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق