اقتصادسلايدر

المستفيد من حرق القمح السوري!

الحبوب كانت الضحية الجديدة للأزمة السورية، حيث التهمت الحرائق مساحات شاسعة من حقول الحبوب، ولا سيّما القمح، في منطقة شرق الفرات على وجه التحديد. وفيما تُوجّه أصابع الاتهام إلى (داعش) والنظام السوري، ترى أطراف مراقبة أن هناك مصالح دولية تسعى لاستتباع الاقتصاد السوري بالكامل، من خلال تحقيق سيطرة على أهم عنصر غذائي. ليطرح تساؤل مفاده: مَن المستفيد من حرق القمح السوري؟

يعدّ القمح من المواد الخام الاستراتيجية المساوية للنفط، بل ربما تفوقه في الأهمية الاستراتيجية، فهو أساس أي وجبة غذائية. لذا يمكن الإشارة إلى عدد من المستفيدين الدوليين من حرق هذه الكميات الهائلة.

في الحقيقة، تشكل منطقة شرق الفرات الخاضعة لسيطرة (الإدارة الذاتية) خزانًا أساسيًا للموارد الغذائية في البلاد؛ حيث تنتج هذه المنطقة من القمح ما بين 550 إلى 600 ألف طن سنويًا، في الوقت الذي يبلغ حجم الإنتاج المحلي الكلي لسورية من القمح مليون طن، أي أن ما يقارب 50 بالمئة، من حجم الإنتاج المحلي للقمح في سورية، يتم إنتاجه في هذه المنطقة التي يتسابق النظام و(الإدارة الذاتية) معًا على شراء المحاصيل الزراعية من فلاحيها، بهدف كسب فرصة تحصيل موارد مالية مجدية نتيجة توزيعها داخل البلاد.

في المقابل، تحتاج سورية سنويًا ما يقارب 3.5 مليون طن من القمح؛ أي أن 65 بالمئة من مجموع الاحتياج المحلي يتم تأمينه من الخارج. ونظرًا إلى ذلك؛ يثار الشك حول وجود يدٍ لسماسرة القمح سواء من داخل النظام السوري أو من “الإدارة الذاتية” في حرق القمح، لزيادة حاجة سورية إلى الاستيراد من الخارج، بأسعار باهظة تدر عليهم أرباحًا وفيرة.

من المستفيد؟

1- سماسرة النظام السوري و(الإدارة الذاتية)

قبل أيام من نشوب الحرائق، هددت صفحات “المقاومة الشعبية” الموالية للنظام السوري، بحرق حقول القمح، ردًا على حرق بعض الحقول المملوكة من العرب في المنطقة المذكورة. ومن الممكن أن يكون التحريك الإعلامي القومي، لبعض الأطراف العربية أو الكردية، قد لعب دورًا في حرق بعض الحقول، ويبدو أن الفاعلين منظمون وموجّهون بعناية، من قِبل سماسرة النظام السوري الذين يدركون أن روسيا قد تمنح النظام القمح كقرض سلعي يعود عليهم بالرشوة، ويمكّنهم من بيع القمح المستورد بالسعر الذي يريدون. ولا يختلف سماسرة “الإدارة الذاتية” الذين يبيعون القمح للمواطنين في منطقة شرق الفرات ومناطق سيطرة النظام، في طموحهم كثيرًا عن سماسرة النظام، فهم أيضًا يسعون لتخفيف العرض نسبيًا، ونشر حالة من القلق، لإيصال السعر إلى مستويات عالية.

يُطلق -علميًا- على السماسرة الفاعلين داخل جهاز الدول مصطلح “البيروقراطية السمسارية” أو “البرجوازية الطفيلية”؛ إنهم سماسرة الدولة الذين يتطفلون على خيراتها ومنافع المواطنين، انطلاقًا من طموحات شخصية دنيئة.

2- روسيا

قدمت روسيا للنظام السورية قرضًا سلعيًا بقيمة 3 ملايين طن من القمح، في أيلول/ سبتمبر 2017. ومقابل هذا القرض وغيره من القروض الأخرى، حصلت على كثير من الضمانات السيادية التي تعني الموانئ والمرافئ ومناجم المواد الريعية. وعليه فإن المسؤولين الروس لا يُخفون فرحتهم بهذا الحدث الذي يفتح الأبواب على مصراعيها، لاستعداد سماسرة النظام لاستقبال هذا القرض وبيعه على النحو الذي يبغون، مقابل دفع روسيا لهم نحو منحها المزيد من المناطق الاستراتيجية في البلاد.

تسعى الدول الكبرى لدفع الدول الصغرى نحو التبعية الكاملة لها. وتقوم بهذا المأرب من خلال الاعتماد الأساسي على أساليب السيطرة شبه الكاملة على المواد الخام من حبوب ومواد أحفورية، وغيرها؛ إذ إن تحقيق الدول الصغرى لاكتفاء ذاتي أو إدارة فاعلة لأي من هذه القطاعات، يعني انقطاع التدفق المالي نحو الدول الصغرى، ويشير إلى كسب الدول الصغرى جزءًا من الاستقلالية في القرار، وهذا ما لا تريده الدول الكبرى أو الإقليمية التي دفعت نحو حرق قمح مصر وقطنه عام 2012، وتدفع اليوم نحو حرق قمح العراق. فالهدف واحد والأسلوب الواحد، ويبدو أن الأمر واضح.

3- الولايات المتحدة الأميركية

ربما من الصعب الإشارة إلى واشنطن أو موسكو، كمتهمين مباشرين في عملية حرق القمح، لكنهما يبقيان الأكثر استفادة من هذه الحادثة. فكما سيصب الأمر في مصالح موسكو، من حيث زيادة استتباع النظام السوري لها، سيصب في مصالح واشنطن التي ستفتح آفاقًا لقمحها، ليصبح سلاحًا قويًا في رفع مستوى تعبية مناطق شرق الفرات لها.

في الختام، تحتاج معرفة “المجهول” الذي يقف وراء حرق القمح إلى تحقيق استقصائي يكشف الفاعل المباشر وارتباطه على الصعيدين الداخلي والخارجي. وبالاستناد إلى الدوافع المنفعية الشخصية “السمسارية” والتكتيكية، يمكن الإشارة إلى سماسرة النظام السوري ومناطق شرق الفرات الفاعلين في تجارة القمح، وموسكو وواشنطن كمستفيدين مباشرين من هذه الحادثة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق