تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

“مؤتمر البحرين” الاقتصادي متعثر.. وموعد أميركي جديد لطرح “صفقة القرن”

تعاظم القلق الإسرائيلي الأميركي من اليوم التالي لرحيل عباس

“عشية افتتاح مؤتمر البحرين، يمكن للفلسطينيين أن يسمحوا لأنفسهم بانتصار جزئي في كفاحهم لمقاطعة المؤتمر، فبعد ضغط شديد على الدول العربية، وسلسلة من التهجمات من أبو مازن على الرئيس ترامب؛ أخذ الأميركيون خطوة واحدة إلى الوراء، فالورشة الاقتصادية في البحرين ستُعقد ولكن بشكل مختلف، الوفود من الأردن، ومصر، والسعودية، والمغرب، والإمارات و (إسرائيل)، ستكون على مستوى منخفض”، بهذه الكلمات لخّصت صحيفة (إسرائيل اليوم) الإسرائيلية، الجمعة، إفشال السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير “مؤتمر البحرين” أو “ورشة عمل المنامة” الاقتصادية، التي ستعقد يومي 25 و26 من الشهر الجاري، في وقت حددت فيه الإدارة الأميركية موعدًا جديدًا لطرح “الخطة الأميركية لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي”، المعروفة إعلاميًا باسم “صفقة القرن”.

تزامن ذلك مع قراءة لهذا الحدث، نشرتها صحيفة (يديعوت أحرنوت) في اليوم نفسه (الجمعة)، قال فيها محررها المحلل السياسي والصحفي عامي إيالون: “الورشة الاقتصادية التي تعتزم الإدارة الأميركية عقدها في البحرين، كخطوة أولى نحو (صفقة القرن)، تحتلّ عنوانًا يبدو على الورق واعدًا، غير أنّه حين يُفتح المغلّف اللامع يتبيّن أنّ هذه الصفقة تنطوي على خطر كبير ونازف، سواء لإسرائيل أو للفلسطينيين، كان ينبغي لأضواء التحذير الساطعة كثيرًا في هذا السياق أن تشتعل لدى كل إسرائيلي وفلسطيني يعرف تاريخ النزاع في الثلاثين سنة الأخيرة، عندما قضى الرئيس الأميركي بأنّ القسم الأول من خطة السلام سيُسمّى (ازدهار للسلام) ويبدأ بورشة اقتصادية، فليس هذا سوى تغليف جديد لذات السياق الفاشل الذي سُمّي ذات مرة (السلام الاقتصادي) وفي وقت أسبق (الشرق الأوسط الجديد)”.

إيالون أكد أنّ “المحاولة لبدء هذه المسيرة المركّبة عبر الزاوية الاقتصادية ليست خطأ تكتيكيًا آخر، من بين أخطاء كثيرة تتميز بها كل محاولة للحوار بين الطرفين منذ اتفاق أوسلو، بل هي خطأ استراتيجي محمّل بالمصيبة، لو كان ترامب وفريقه يتعمقان في تاريخ المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين لكان بوسعهما أن يفهما أنّ محاولة قلب ترتيب الأمور والبدء بالحديث في الاقتصاد، قبل لمس المسائل الجوهرية للنزاع، هي صفعة على وجه الفلسطينيين، وانعدام فهم تام لتطلعاتهم الوطنية”، وأضاف: “لو كان ممكنًا شراء الفلسطينيين بامتيازات اقتصادية، كي يهجروا تطلعاتهم الوطنية، لحصل ذلك من قبل، ويدور الحديث، بالتالي، عن طريقة تفكير ليست غير أخلاقية فقط، بل عديمة الجدوى أيضًا”.

في السياق ذاته، نشرت الصحافة الإسرائيلية هذا الأسبوع، مقالًا ذا صلة بما ستُعنى به “ورشة المنامة”، للعقيد احتياط ميخائيل ميلشتاين، قال فيه: “حان الوقت (لإخطار استراتيجي) حيال السلطة الفلسطينية”، وهو يحذر في ضوء الأزمة الاقتصادية الفلسطينية من تهديدات عدة، منها اتساع دائرة الفلسطينيين المشاركين في ما سمّاه “أحداث العنف، والإرهاب والإخلال بالنظام”، ورفع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) رأسها في ضوء قيود السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، والمس بـ “التنسيق الأمني” مع “إسرائيل”، ومصاعب أداء السلطة لمهامها في المجال المدني، التي ستضطر “إسرائيل” للاهتمام بها.
إلى ذلك، قال المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، السبت: إنّ “السلطة الفلسطينية تدعو إلى التظاهرات ضدّ مؤتمر البحرين، وهذا الأمر يدل على أولوياتهم ونواياهم”، زاعمًا أنّ “القيادة الفلسطينية سعيدة مع الوضع الراهن، وتفضل أن يعاني الفلسطينيون بدلًا من استكشاف مسار مختلف لمستقبل أفضل”.

وفي وقت سابق، اتهم غرينبلات​، حركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح) التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بـ “إفساد فرصة للتعايش وهي (صفقة القرن) وما يجب أن يكون أمرًا طبيعيًا”، مشيرًا إلى أن “لا يمكن بناء السلام على قاعدة أسّستها (فتح) ومن أجل تحقيق السلام تجب تسوية القضايا العديدة ويجب تشجيع التعايش”.

وصرّح غرينبلات، في مؤتمر صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية، الذي عقد في مدينة نيويورك في 16 من الشهر الجاري، أن، على الأرجّح، لن يُعرض الجانب السياسي من الصفقة قبل تشرين الثاني/ نوفمبر المُقبل، أي بعد الانتخابات الإسرائيلية وتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

وأكد الرئيس عباس، مرارًا، أنّه لا يعتزم المشاركة في هذه الصفقة، وهو يقول لمقربيه: “لن أكون خائنًا”، وجنّد إلى جانبه روسيا والصين، اللتين لن تحضرا مؤتمر البحرين، وكذلك أكدت سورية والعراق وليبيا واليمن أنهم لن يشاركوا في المؤتمر/ الورشة.

وعود أميركية للفلسطينيين بامتيازات مالية فورية

إدارة الرئيس دونالد ترامب ترى أنّ “ورشة عمل المنامة” الاقتصادية هي لعرض الشق الاقتصادي من “الخطة الأمريكية لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي”.

وكان السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر، يتسحاق ليفانون، الذي يعمل باحثًا في “معهد هرتسيليا” متعدد المجالات، ذكر في مقال له نشر الأربعاء 19 من الشهر الجاري، أنّ “المبادرات الاقتصادية التي ستعرض ليست بديلًا عن الحل السياسي الدبلوماسي لـ(صفقة القرن)”، مضيفًا أنّ “الورشة ستلجأ إلى تعبيد الطريق أمام الولايات المتحدة لعرض خطتها بصورة أكثر تبسيطًا عبر الجانب السياسي”.

ووفق التقارير الصحفية التي اطلعت عليها (جيرون) هذا الأسبوع، فإنّ الفلسطينيين متشددون جدًا في معارضتهم عقد هذا المؤتمر/ الورشة، لدرجة أنّهم أوضحوا خلال الأيام الماضية بأنّهم لن يسمحوا بتحقق أيّ مشاريع يُتفق عليها في المنامة، في أراضيهم، حتى لو اتّخذ المال “اللون العربي”، أي المال الذي يأتي من دول الخليج وليس بالذات المال الأمريكي.
وحيال إيضاح وزير الخارجية البحريني خالد الخليفة الذي صرح بأنّ “الورشة تستهدف دعم الاقتصاد الفلسطيني”، جاء رد وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي أن “إذا كان الأميركيون يعتقدون بإمكانية إغراء الفلسطينيين بالمال للتخلي عن القدس والدولة، فإنّهم مخطئون”.
وكشفت تقارير صحفية إسرائيلية، أنّ واشنطن عرضت على الفلسطينيين خطتهم لتجنيد 68 مليار دولار توزع مِنحًا على مدى عشر سنوات بين السلطة، ومصر، والأردن، ولبنان، جاء فيها، “يعرف الفلسطينيون الخطة لشق طريق سريع يربط بين الضفة والقطاع كمرحلة أولى، كما اطلعوا أيضًا على رغبة الإدارة الأميركية للاستثمار في تطوير صناعة التكنولوجيا العليا في الضفة الغربية، بل وإقامة ميناء بحري ومطار جوي في غزة”.

وأضافت التقارير أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس اطلع على الرسالة التي نقلها المبعوث جيسون غرينبلات، وفيها أنّ “امتيازات الفلسطينيين ستكون فورية، إذا ما وافقوا على المشاركة في (صفقة القرن)”، لكن، وبعد كل هذا، فإنّه يصر على رفض حضور المؤتمر.

الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي نداف شرغاي، ذكر أنّ إدارة الرئيس ترامب طلبت من الفلسطينيين وكذلك من “إسرائيل” أن يرسموا اتفاقًا يمكن للطرف الآخر أن يقبله ويتعايش معه، وأضاف أنّ الحكومة الإسرائيلية “استجابت للتحدي”. زاعمةً أن “ذات يوم عندما سيعنى المؤرخون بتاريخ (صفقة القرن)، سيتبين كم كان وثيقًا التعاون بين (إسرائيل) والولايات المتحدة في عملية إنتاجها، أما الفلسطينيون فرفضوا الطلب، تمامًا مثلما يرفضون الآن كل محاولة لإشراكهم في مؤتمر البحرين، فقد رفض أبو مازن الفكرة الأميركية الإسرائيلية في أنّ السلام الاقتصادي هو أساس لكل تسوية إقليمية شاملة، وهو يطلب الاهتمام أولًا بالمسائل الجوهرية، القدس، والمستوطنات، واللاجئين، وحدود الدولة الفلسطينية، وفي كل هذه المواضيع لا يبدي القدر الأدنى من المرونة، أما الولايات المتحدة و(إسرائيل) فتسيران في الاتجاه المعاكس، أولًا في الاقتصاد فقط، ثم في المواضيع الجوهرية”.

وفي الجانب الاقتصادي، أشار المحلل السياسي والصحفي عامي إيالون في مقاله، إلى أنّ الوضع الاقتصادي المتدهور للسلطة وقرارها مقاطعة مؤتمر البحرين، يقلقان الولايات المتحدة و”إسرائيل” ليس اقتصاديًا فقط، بل وأمنيًا أيضًا، فالمعلومات التي وصلت إلى جهاز الأمن الإسرائيلي الداخلي، تفيد أن على خلفية انعدام الاستقرار في السلطة الفلسطينية، بدأت مؤخرًا أجنحة تتماثل معها بجمع السلاح، بهدف التسلح قبيل اليوم التالي لرحيل الرئيس الفلسطيني محمود عباس (83 عامًا).

رؤى سياسية واقتصادية فلسطينية

رأى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري، المدير العام للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجيّة “مسارات”، الذي يتخذ من مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة مقرًا له، أن “لن تنطلي كذبة (الازدهار) على الفلسطينيين، لأنّ الأموال غير متوفرة وغير مضمونة، حتى لو وُعِدوا بتقديمها، وكذلك لا يوجد أحد يمكن أن يدعم ويستثمر أموالًا كثيرة، في ظلّ هذه الأوضاع المرشحة للانهيار والانفجار في كل وقت، جراء التنكّر الإسرائيلي الكامل للحقوق الفلسطينية، والمقاومة الفلسطينية المتوقعة ضدّه”.

ونوّه المصري، إلى أنّ “المصاعب الكبيرة التي تقف في وجه الخطة الأميركية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، التي تشير إلى إمكانية إحباطها، واستحالة إنهاء الصراع ما دام هناك قضية حية وشعب مستعد للكفاح والتضحية من أجلها، شيء جيد، ولكن يجب ألّا نقلل من النتائج التي انتهت ويمكن أن تنتهي إليها، لجهة تكريس الحقائق الاحتلالية الاستعمارية الاستيطانية العنصرية القائمة على الأرض، وتلك التي يجري التخطيط لها، والتي تجعل حياة الفلسطينيين وشروط نضالهم لإنجاز تطلعاتهم وحقوقهم الوطنية أصعب، لذلك، فإنّ الرد المناسب والمنتظر على تحديات المرحلة هو تلبية نداء الوحدة على أساس البرنامج المشترك، والمشاركة الحقيقية والتعددية بما يحقق الديمقراطية التوافقية”.

وردًا على الرؤية الإسرائيلية- الأمريكية، لما يمكن أن يوفَّر للفلسطينيين من رخاء اقتصادي، اعتمادًا على “خطة السلام الأمريكية” تحت أيّ مسمّى كان، رأى الباحث الاقتصادي الفلسطيني الدكتور عمر عبد الرازق، في دراسة له بعنوان “السيناريوهات الاقتصادية الفلسطينية المستقبلية”، أنّ المطلوب فلسطينيًا في المرحلة الراهنة، هو “تبني الأهداف الآتية، أولًا: تعزيز القدرات الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني، وبخاصة قطاعات الزراعة والصناعة والإنشاءات. ثانيًا: اعتماد استراتيجيّة بناء اقتصاد صمود ومقاومة. ثالثًا: تنويع الشركاء التجاريين وتقليص الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي في التجارة الدولية. رابعًا: محاربة الفساد المالي والإداري والعمل الجاد للتحوّل إلى (الدولة التنموية)، لتصبح فلسطين دولة قوية وقادرة على تحقيق الأمن الداخلي وحماية الحقوق الأساسية للفوز بثقة الشعب ودعمه. خامسًا: معالجة الفقر معالجة تنموية، بما في ذلك اعتماد ما يعرف بـ (الأمن الغذائي) كهدف أساسي في سبيل تحقيق ذلك. سادسًا: الاهتمام بتطوير الخدمات الاجتماعية (التعليم والصحة والضمان الاجتماعي) كأداة تنموية تحقق التنمية البشرية. سابعًا: اعتماد سياسة تقشفية جادة للإنفاق العام ولتقليص فاتورة الرواتب”.

وبيّن الباحث الاقتصادي الفلسطيني: “لتحقيق تلك الأهداف، لا بدّ من اعتماد سياسات وإجراءات وخطط فورية، قصيرة المدى وبعيدة المدى، إذ لا يمكن معالجة التشوهات العميقة التي يعانيها الاقتصاد الفلسطيني فوريًا. كما لا بد من أن تكون هذه البرامج ضمن الصلاحيات التي تتمتع بها السلطة، وهي ضيقة في بعض المجالات (كالسياسة النقدية والسياسة التجارية)، ولكنها واسعة في مجالات أخرى (كالسياسة المالية والسياسة الاجتماعية والإصلاح الإداري والمالي)”.

ويُشار، وفقًا لمعلومات إسرائيلية، إلى أنّ “إسرائيل” ما زالت حتى يومنا هذا، تتحكم في رأس الاقتصاد الفلسطيني، حيث إن أكثر من 100 ألف فلسطيني يصلون كل يوم للعمل في نطاقها. ونحو 130 ألف فلسطيني في الضفة الغربية مصدر رزقهم من الأسواق الإسرائيلية، وسوق العمل الإسرائيلي عمليًا أنبوب التنفس الأساس للسلطة الفلسطينية اليوم.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق