مقالات الرأي

إسلامنا غير إسلامكم!

أعرف مسبقًا حساسية أغلبية المسلمين ممن يذكر الإسلام، وخاصة إذا كان من أبناء إحدى الأقليات، وبخاصة السورية منهم، فقد جعلتهم الحرب والموقف منها كقوس مشدود حتى نهاياته، وكلمة واحدة قد تجعل السهم ينطلق من دون عودة. ولكن بما أن الهدف هو المصلحة العامة، فقد قررت سرد بعض القصص التي تحمل مدلولات مهمة، أراها مفيدة للجميع.

قال محدثي، وهو دكتور في الاقتصاد: كنتُ في بولونيا أو بولندا، في منتصف السبعينيات، أحضّر شهادة الدكتوراه، عندما وصل طالب سوري، موفد من قبل “الحكومة السورية”، لمتابعة دراسته العليا، وكما هي العادة، يتم الترحيب بالموفد الجديد، ويلتفّ حوله أبناء بلده، ليعرّفوه إلى المراكز الأساسية في الجامعة أولًا، ثم في المدينة. كانت علامات القلق تبدو واضحة على وجهه عندما ندخل إلى المطعم الجامعي، وكان يقوم بفرز قطع اللحم عن بقية مكونات الصحن، قبل أن يهملها، ثم يتناول باقي الطعام، وعندما سُئل عن سبب تصرفه، قال إنه لا يأكل لحم الخنزير، فقالوا له: اسأل عن نوع اللحمة، وستعرف ببساطة نوع اللحم الُمقدّم. قاد البحث عن نوع اللحمة صديقنا الجديد إلى البحث عن جامع من أجل صلاة الجمعة، ولما لم يكن في المدينة جامع، بدأ بحثه عن المسلمين، وهو يقول لا بد من وجود جالية إسلامية في وارسو، وعندما لم يجد ما يبحث عنه، انتابته حالة من الانقباض والحزن، إلى أن جاءه الفرج من أحد الأصدقاء، الذي حمل له خريطة تتضمن شبكة المواصلات ومواقع مراكز الانطلاق، وصولًا إلى شمال البلاد، فهناك بقايا “تتر” مسلمون، يعيشون منذ مئات السنين (يعود أصلهم إلى بقايا التتر المسلمين الذين هاجروا إلى بولندا في القرن الحادي عشر، عندما استعان بهم الليتوانيون في الحفاظ على حدودهم مع ألمانيا).

قرر طالب الدكتوراه السوري أن يتابع بحثه للعثور على “إخوته” المسلمين في بولندا، فاستغل توقف الدراسة في عطلة الميلاد ورأس السنة، وسافر إلى شمال البلاد، متنقلًا من مدينة إلى أخرى إلى أن وصل إلى بلدة، قالوا له: إن جميع سكانها من المسلمين. عثر على زعيم القوم أو “شيخهم”، وقدّم نفسه له، فرحب بالمسلم السوري ترحيبًا حارًا، وقرر إقامة حفلة على شرف الضيف “الكبير” دعا إليها أعيان البلدة، الذين جلسوا حول مائدة طعام ضخمة، مليئة بأنواع اللحوم والمأكولات المحلية وزجاجات الفودكا، ويقوم على خدمة الطاولة مجموعة من الشباب والصبايا، يتنقلون كالفراشات بين الضيوف، مقدمين لهم ما ينقصهم من أنواع الطعام والشراب.

“لعب الفار بعبّ السوري”، عندما رأى “كراديش” اللحم المفروشة على المائدة، وسأل زعيم القوم عن نوع اللحمة التي تغطي الطاولة، فقال: هذا لحم الخنزير. قال السوري: ولكن هذا حرام يا شيخنا، فالخنزير محرّم في الإسلام. قال زعيم البلدة: لا أفهم لماذا يكون محرمًا! فلولاه كنّا متنا في المجاعات المتعددة التي مرت علينا، ولولا دهونه كنا متنا من البرد. ثم إنه يتكاثر من دون كلفة تذكر، ولو أننا حرّمناه؛ ماذا كنا سنفعل وكيف سنعيش؟!

ثم سأل السوري: ما هذه الزجاجات وما المشروب الذي في داخلها؟ فأجاب زعيم البلدة: إنه فودكا، وفوائده كثيرة، فبواسطته يدب النشاط في أجسادنا ونخرج للعمل. قال السوري: ولكن الخمر حرام في الإسلام. قال العجوز: لولا الفودكا كيف لنا أن نقاوم البرد، ونحن من المناطق البادرة، كما تعلم يا أستاذ!

ضاقت الدنيا في عيني طالب الدكتوراه السوري، وهو يشاهد بأم عينيه كيف تتم عملية تشويه التعاليم الإسلامية، وقرر أن يقبض على شيء ما، وأن لا يخرج خالي الوفاض من هذه البلدة، وكانت عيناه تتابعان، بغيظ، مرح الصبايا الجميلات والشباب، فقال للزعيم: إن الاختلاط في الإسلام ممنوع، وأنتم تسمحون لهؤلاء الشباب والصبايا بالاختلاط والمزاح، الذي يقود إلى الخطيئة. قال زعيم القوم: يا أستاذ، هذه المناسبات الاجتماعية فرصة لبناتنا وشبابنا للتعارف والزواج، وإلا كيف سيتزوجون برأيكم؟ يبدو يا ضيفنا العزيز أن إسلامكم غير إسلامنا، فالفروق كثيرة بيننا، رغم انتمائنا جميعًا إلى الإسلام، كنا سعيدين بك، وأهلا بكم في بلدنا بولندا، متى شئتم.

أخيرًا، يبدو أن المسلمين المتشددين الذين قدموا إلى سورية، لمساعدة السوريين في ثورتهم، يحملون إسلامًا لا علاقة له بإسلام أغلب السوريين، لذلك لم يستطيعوا البقاء بين الناس إلا بقوة السلاح، والإسلام الذي يحتاج إلى سلاح كي يبقى بين الناس لن يدوم إلا بدوام ذلك السلاح.

في إحدى حلقات التعارف والنقاش بين السوريين (غير المعجبين بالإسلام التركي) صادفتُ مهندسًا سوريًا، احتج عليّ عندما قلت “إسلام تركي”. قال بغضب: من فضلك، ليس هناك إسلام تركي وآخر سوري، يوجد إسلام واحد فقط. عندها فهمت سلوك طالب الدكتوراه في بولندا، وكأن الأربعين سنة من الزمن تقريبًا غير موجودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق