سلايدرقضايا المجتمع

تسريب أسئلة الامتحانات لدى النظام على عينك يا تاجر.. ماذا بعد؟

تنتشر الأخبار والمعلومات المتتالية عن تسريب أو بيع الأسئلة الامتحانية للشهادتين الإعدادية والثانوية، في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، ومن ثمّ تفوح رائحة الفساد التي أزكمت الأنوف، في كل مفاصل وزارة التربية وما يرتبط بها، حتى باتت شهادات السوريين غير معترف بها لدى (يونسكو) وكل المنظمات والدول المعنية الإقليمية والعالمية.

ولا يجد حرجًا وزير تربية النظام من الاعتراف بتسريبها، من دون وازع من أي قيم، وحول هذه الفضيحة الجديدة للنظام السوري، كان لا بد من تسليط الضوء على حجم الفساد عبر تسريب الأسئلة، هل كان ذلك متعمدًا؟ وما قيمة الشهادات العلمية إن لم تكن معترفًا بها دوليًا؟ وهل يؤثر ذلك على مجمل الطلاب في مناطق يسيطر عليها النظام؟ أم إن ذلك التأثير على سمعة الشهادات السورية عمومًا؟ وهل من واجب السوريين فضح هذه الممارسات أم لا؟

صالح أحمدو، مدير في وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، قال لـ (جيرون): إن “تسريب أسئلة الامتحانات للثانوية العامة والتعليم الأساسي في مناطق سيطرة المجرم بشار الأسد وضعٌ ليس بالجديد، فهذا الأمر كان سابقًا من زمن المقبور حافظ الأب، ومعروف في أوساط الرتب العالية من الجيش ورؤساء الأفرع الأمنية”، مشيرًا إلى أن “بسبب الحالة الأمنية والقبضة الحديدية التي كان نظام الأسد يحكم بها البلد لم تظهر للملأ إلا بعد بداية الثورة”.

وأضاف: “اليوم، أصبح تسريب الأسئلة علنًا بسبب وجود مواقع التواصل الاجتماعي بكافة أشكاله وصوره، ووجود الأسماء الوهمية والمستعارة، وبالتالي غياب المحاسبة لمن يلجأ إلى هكذا أعمال، إضافة إلى سعي الأسرة الحاكمة في سورية لتدمير ما بقي من سمعة واعتراف للشهادة بشقيها الأساسي والثانوي، فتراهم تارة يلجؤون للتطاول على الهيئة الإدارية في المدرسة أو مديرية التربية وتارة يُظهرون ضعف الرقابة في المدرسة أثناء إعطاء الدروس، بتصوير التدخين واللعب بأجهزة الجوالات والمراسلات واللعب بورق البلوت (الشدة) أثناء تواجد المدرس في الصف، ثم أخيراً يعمدون لنشر أسئلة الامتحانات قبل فتحها، وهذا أثّر على سمعة التعليم في تلك المناطق.”

وعدّ أن “قيام تلك الحثالة بهكذا أعمال يجب توثيقها ورفعها للجهات الدولية المختصة، لتنال جزاءها، حفاظًا على سمعة التعليم وجودته، واستمرارًا للاعتراف بالشهادة التي تعب الطالب طوال سنوات تعليمه للحصول عليها، إذ لا يمكن لأحد القبول بضياع مستقبله، أو مستقبل أبنائه التعليمي، من أجل أبناء المسؤولين الذين سيتابعون تعليمهم الجامعي وما فوق الجامعي خارج سورية”.

وقال المدير السابق في وزارة التربية بالحكومة السورية المؤقتة المدرس فاخر تريسي، في حديث إلى (جيرون): إن “كل المسؤولين حصلوا على شهاداتهم بهذه الطريقة، كنت رئيسًا لمركز ووصلتني إغراءات كثيرة من مسؤولين في مستوى عال، لإيصال الإجابات لأولادهم، إن الانهيار الأخلاقي والسياسي والاقتصادي نتيجة ذلك”.

أما مدرسة التاريخ السورية في إدلب سوسن قربي فقالت لـ (جيرون): إن “تسريب الأسئلة وبيعها للطلاب ليس وليد اللحظة”، مشيرة إلى أنهم “الآن يتبعون طرقًا أسهل وهي تزوير الشهادة الثانوية والجامعية، الأمر الذي انعكس سلبًا على طلابنا وأصبح مدرسو اللغة العربية مثلًا لا يتقنون الكتابة أو التمييز بين المفعول به والمفعول لأجله، وهذا أثّر كثيرًا على مستوى الطلاب وزيادة حالة التجهيل التي تسود المنطقة وظهور جيل أميّ مهمش”، وأضافت: “في مناطق النظام الفئة الأمنية التابعة للنظام تسيطر على كل أجهزة الدولة، فتشتري وتبيع بالأسئلة كما تشاء، ولأن شهاداتها أصبحت غير معترف بها دوليًا عزف الكثير من شبابنا عن متابعة تحصيلهم العلمي، وفضّلوا الهجرة إلى تركيا للعمل، وابني نموذج عن هؤلاء مع الأسف، لأن الشهادة غير معترف بها، وراتب الموظف لا يكفيه ثمنًا للخبز”، وتابعت قربي: “سوء سمعة الشهادة السورية ستؤثر على جميع السوريين في الخارج، بغض النظر عن كون الشهادة من المحرر أو من مناطق النظام”.

في السياق ذاته، قال أحمد منصور، ناشط سوري من درعا: ازدادت وتيرة الفساد في قطاعات الدولة عمدًا، حتى طالت وزارة التربية التي كان لها في زمن ما قدسية خاصة للجميع، ولعل اعتراف وزير تربية النظام بتسريب أسئلة الرياضيات على وسائل التواصل (بأنها لو سربت فإنها تحتاج إلى وقت طويل للإجابة.) بمعنى آخر إنه يريد القول: إن الوزارة غير قادرة على السيطرة على المفسدين”.

 

أما المحامي السوري أحمد صوان، مدير منظمة عدالة لحقوق الإنسان، فقال لـ (جيرون): “تتجلّى مظاهر الفساد الأكاديميّ في العالم بصور ثلاث: أولًا – الجامعات الوهميّة: وهي جامعات لا يوجد لها مقرّات ولا هيئة تدريس، يديرها أشخاص مزيّفون، ويتمّ الحصول على الشهادة بمجرّد مراسلتهم، ودفع رسوم محدّدة، ومن ثمّ تصله الشهادة. ثانيًا – الفساد الإداريّ والعلميّ، والغشّ في الامتحانات: بالتحايل على شروط القبول الجامعيّ عبر الغش والتزوير وتسريب الأسئلة وتوصيل الإجابات للطلاب في القاعات، ممّا يُطيح بتكافؤ الفرص بين الطلّاب، ويقلل درجة اعتمادية الشهادات. ثالثًا – بيع الشهادات المزوّرة: وهي شهادات بأختام مزورة ولا أصل لها.”

وأضاف صوان: “فساد التعليم في سورية بكافة مراحله يتجلى بصور عديدة منها: تسريب الأسئلة، واقتحام المراكز الامتحانية من قبل البعض وإدخال أوراق الإجابات لهم، وتهديد المراقبين والاعتداء عليهم، وإدخال أجهزة الاتصال إلى القاعات الامتحانية، كل هذه الممارسات تُنذر بكارثة حقيقيّة، يستشعر بها حملة الشهادات الحقيقيّة، حين يرون أشباه الأميّين ينافسونهم في الحصول على كل الفرص، كما أنّ هذه الأفعال تجعل الشهادة السوريّة مثار شكّ، وتلاحقها شبهة التزوير، ممّا يُنذر بكارثة احتمال صدور قرارات دوليّة تسحب بموجبها بعض الدول الاعتراف بالشهادة السوريّة”.

وعدّ أن هذه “مجموعة مقدمات ستتمخض عن نتائج، منها ما أفاد به التصنيف العالميّ للجامعات، الذي يُعدّه موقع (ويب ماتريكس) الإسبانيّ “webometrics”، بتراجع ترتيب جامعة دمشق عالميًّا من 3400 في عام 2012 إلى 5070 في عام 2014، ولم تُدرج جامعة دمشق بجدول التصنيفات بعد هذا العام.”

ورأى صوان أن “من واجب السوريين فضح كل ممارسات الفساد التعليمي في سورية، لأن هذا الواقع مفضوح أصلًا في كل العالم، وإن مراكز الأبحاث والمنظمات الدولية المختصة بالشأن التعليمي ترصد بدقة متناهية مستويات الشهادات في كل دول العالم ومنها سورية، لأن هذا الفساد يُطيح بتكافؤ الفرص بين الطلّاب ويقلل درجة اعتمادية الشهادات السورية بالعالم، الأمر الذي يُطيح بتكافؤ الفرص بين الطلّاب ويقلل درجة اعتمادية الشهادات.”

كما يرى الكاتب السوري والمدرس السابق بيان الحجار أنالمناخ السائد يشجع من دون شك على الخطأ وعدم المحاسبة الصارمة”، وأضاف لـ (جيرون): “كل ذلك ينعكس على بيئة التعليم وجودته ومكانة الشهادة السورية عالميًا، ويجب أن نعترف أن أكثر العاملين في التربية ودائرة الامتحانات يتمتعون بحسّ عال من المسؤولية والحرص، ونراهم دائمي التوتر حتى نهاية العملية الامتحانية خوفًا من أي خطأ، لكن عدم اختيار الكادر الذي يجمع صفتين؛ أولا الإمكانية العلمية الاختصاصية، ثم صفة النزاهة والحس الوطني السليم، قد يؤدي إلى خلل، ثم إن عقلية البلطجة والنفوذ من قبل أفراد، يكونون غالبًا خارج وزارة التربية، تودي إلى عملية تسريب للأسئلة”.

وتابع: “المطلوب هو المزيد من التدقيق في كل المراحل، والمحاسبة القاسية لأي جهة تهدف إلى كشف الأسئلة وإرباك الامتحانات، ولا بد من الإشارة إلى أن الانتقال إلى دولة القانون وسيادته وتطبيقه على الجميع، بالإضافة إلى إعلاء الروح الوطنية والمهنية والخلقية والتدريب، هو السبيل إلى تدارك ما فات”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق