تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

ورشة البحرين ورفض السوريين والفلسطينيين للتطبيع

مع انعقاد ورشة البحرين الاقتصادية، وحالة الدفع باتجاه تصفية القضية الفلسطينية، والإجهاز على حرية الشعوب العربية، ومنها قضية الشعب السوري، وصولًا إلى تعويم بشار الأسد؛ تبرز أسئلة عدة: لماذا يرفض الكثيرون التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؟ هل من الممكن أيضًا تسويق “صفقة القرن”، لدى العرب، بعد ورشة المنامة؟ وما مدى تأثير ذلك على القضيتين الفلسطينية والسورية، وانتصار ثورات الربيع العربي؟

قال الباحث الفلسطيني السوري أيمن أبو هاشم المنسق العام لتجمع (مصير): “يبدو من أجواء ورشة المنامة والانطباعات الأولية عنها، أنها لم تحقق الغايات الأميركية المرجوة منها، ولهذا عدة أسباب، من أهمها رفض الطرف الفلسطيني المشاركة في ورشة المنامة، مع أن الفلسطينيين -وفق الخطة الاقتصادية التي أعلن عنها كوشنير- هم الطرف الأساس المخاطب والمعني بها، وهزالة التمثيل العربي في حضور الورشة، وتناقض خطاب من شاركوا بها بين تمسكهم بحل الدولتين من جهة، واستجابتهم للإملاءات الأميركية بالمشاركة في ورشة المنامة التي تشكل خطوة على طريق نسف إقامة الدولة الفلسطينية وتصفية القضية الفلسطينية من جهة ثانية، كما أن الرفض الشعبي الفلسطيني الذي عبّرت عنه تجمعات الفلسطينيين، في الداخل والخارج، أظهر الوعي الفلسطيني الرافض لصفقة القرن بشقيها الاقتصادي والسياسي”.

وعدّ أبو هاشم، في حديثه إلى (جيرون)، أن “كل تلك الأسباب كشفت حقيقة ورشة المنامة بعدِّها محاولة أميركية فاشلة لتمرير حل سياسي يحقق المصالح الإسرائيلية على حساب حقوق الفلسطينيين، وينسف كل المرجعيات الدولية وكل الحقائق التاريخية على الأرض، واستبدال الحقوق الوطنية برشوة مالية، يتم دفعها أيضًا من جيوب العرب”، وأضاف أن القائمين على الصفقة “يعتقدون أن الواقع الرسمي العربي يوفر لهم الفرص والمناخات لتمرير صفقة القرن”، لكنهم “تجاهلوا في الوقت نفسه إرادة الشعوب العربية، التي انفجرت ثوراتها وانتفاضاتها في حقبة الربيع العربي”، وعقّب: “كلما اقتربت الشعوب العربية من نيل حريتها وكرامتها فهذا سينعكس إيجابيًا على نيل الفلسطينيين لحقوقهم الوطنية، وسيكون الرافعة الثورية والشعبية لإسقاط صفقة القرن وكل المشاريع التي تستهدف شطب القضية”.

الكاتبة والناشطة السورية ليلى العامري قالت لـ (جيرون): “ليس من السهل تصفية قضية بحجم القضية الفلسطينية التي شكلت علامة فارقة في حركات التحرر، على مدار ما يقارب القرن”، مضيفة أن “عدالة القضية ليست هي العامل المحدد لانتصار أي قضية، وإنما المصالح هي العامل اﻷساسي، خصوصًا مصالح الدول الكبرى صاحبة القرار الفاعل والمؤثر في حركة المجتمعات”.

ورأت أن “القضية السورية أيضًا محكومة بمصالح وتوافقات دولية، وخصوصًا رضى (إسرائيل)، حيث كان إصرارها الضمني وأحيانًا المصرح به عاملًا مهمًا من عوامل سدّ الأفق بوجه الثورة السورية، فالنظام السوري استطاع عبر تاريخه الطويل في سدة حكم سورية أن ينسج علاقات دولية تجعل (إسرائيل) تتعاطى معه بموثوقية، فهو مجرب ومضمون بالنسبة إليها، ولن تفرط فيه بسهولة، وعلى الرغم من قتامة المشهد وقسوته لا بدّ من العمل الواعي والجدي لخلق قوى ومشاريع مناهضة للأنظمة، و(إسرائيل)”.

بدوره، قال الكاتب الفلسطيني علي الكردي: إن “نجاح قوى الثورة المضادة في قطع مسار التحول الديمقراطي بعد ثورات الربيع العربي مهّد الطريق أمام (إسرائيل) وحليفها الأميركي لطرح مشاريع إعادة صياغة كل أوضاع المنطقة بما يخدم مصلحة (إسرائيل)”، وأضاف لـ (جيرون) أن “التطبيع انتقل على ضوء المتغيرات من مرحلة السرّ إلى العلن، وبات خطر التمدد الإيراني بالنسبة إلى معظم دول الخليج هو الخطر الأول على مصالحها واستقرارها، وبات المناخ مناسبًا أمام الأميركي والإسرائيلي لابتزازها، والشرط الأول لحمايتها من الخطر الإيراني هو التطبيع مع (إسرائيل) على طريقة من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن”.

وتابع: “بالنسبة إلى السوريين يشي الاجتماع الأمني في القدس أن الروسي هو الذي يفاوض ويعقد الصفقات السرية، بدلًا من النظام الدكتاتوري، الذي سلّم البلاد لأربعة احتلالات، بعد أن دمرها فوق رؤوس شعبه، وهو بات لا يملك قراره بيده، والشعبان الفلسطيني والسوري هما أكثر الخاسرين؛ إذا قُيّض لهذه الصفقة أن تنجح”، وتابع: “إرادة الشعوب قوية وبإمكانها إفشال مثل تلك المشاريع، إذا استطاعت أن توحّد طاقاتها”.

أما الباحث والمعارض السوري موفق زريق، فقال لـ (جيرون): إن “التطبيع قائم من أغلب العرب منذ السادات، ولا جديد، وانسحب العرب من القضية منذ عدّ قضية فلسطين قضية فلسطينية، ومنظمة التحرير أرادت ذلك بحماقتها، واليوم تدفع الثمن، انتهت القضية عند الحكام العرب و (يا فلسطينيين دبروا حالكم) قضية العرب وإسرائيل الآن هي إيران فقط، وهذه هي اللحظة التاريخية للصفقة، سواء قَبِل الفلسطينيون أم لم يقبلوا “.

في السياق، رأى الكاتب الفلسطيني السوري تيسير الخطيب أن “الأنظمة العربية التي تحكم شعوبها بالحديد والنار، مسؤولة مباشرة عن استمرار نكبة فلسطين وتفاقمها، وهي شريكة في الجريمة التاريخية التي أدت إليها، وبهذا هي لا ترتكب جريمة بهذا التطبيع بحق الشعب الفلسطيني فحسب، بل بحق كل عربي من المحيط إلى الخليج”.

وقال لـ (جيرون): “استهداف ثورات الربيع العربي المطالبة بالديمقراطية، من قِبل قوى الاستبداد بتضافر كامل مع الكيان الصهيوني، هو استهداف لحق الأمة في إمساك مفاتيح التطور، الذي تشكل الديمقراطية شرطه الأساس، واستهداف الديمقراطية في بلادنا هو محاولة لمنع التطور الطبيعي لدولنا العربية، وهذا ما يقوم به الاستبداد، وهو المهمة الأساسية للكيان الصهيوني، وتتجلى بصورة أوضح خارطة التحالفات في الواقع الراهن، من خلال ما يسمى صفقة القرن، ومفرزاتها من ورشة المنامة، وتحت غطاء كثيف من التعمية من خلال إدارة الصراع بين دول الخليج وإيران، بحيث تبدو الحاجة إلى الكيان وإدماجه في المنظومة العربية جزءًا من أمن دول المنطقة”.

وأضاف: “التطبيع بين النظم العربية و (إسرائيل) هو أمر قائم بالفعل، ولو كان يجري سرًا، وتوقيع ثلاث أطراف عربية، الفلسطيني والأردني والمصري، لاتفاقات تسوية وسلام مع الكيان لم يكن إلا مرحلة أساسية من مراحل العمل الصهيوني الإمبريالي، لجعل الكيان المصطنع (إسرائيل) كيانًا مقبولًا في إطار علاقات طبيعية مع محيطه العربي، والتطبيع بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني ممكن، فضلًا عن كونه أمرًا واقعًا مع عدد من النظم العربية، ولن يكون أمرًا مستبعدًا أو غريبًا أن تلتحق الكثير من النظم العربية في هذا الحلف أو ما يسمى بالتطبيع، وخصوصًا أن الأنظمة العربية جميعًا تعرف أن بقاءها واستمرارها لا يتأمن إلا من خلال العلاقة مع (إسرائيل) وتضافر دورها معها”.

وتابع: “على صعيد الشعوب العربية، ما حصل من تصادم بينها وبين أنظمة الاستبداد من أجل الديمقراطية والحرية وسيادة القانون، يؤكد أن هذه الشعوب تقف في الخندق المضاد للتطبيع، لأن تلك الأهداف تتناقض جوهريًا مع أهداف مشروع الهيمنة الإمبريالي وأدواته من نظم الاستبداد والكيان الصهيوني، وإن توهم البعض بإمكانية إنجاز الديمقراطية في إطار العلاقة مع الإمبريالية وتحديدًا أميركا، وتجلي دعم أميركا لأنظمة الاستبداد، يؤكد صوابية تناقض أهداف ثورات ربيع العرب بالجوهر مع أهداف مشروع الهيمنة والاحتلال الصهيوني، فليس بسبب قداسة قضية فلسطين في الشعور والوجدان الجمعي العربي، وليس بسبب المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، وليس بسبب تعاطفها الطبيعي والحقيقي مع مظلومية الشعب الفلسطيني فحسب، بل لأن التطبيع مع الكيان الصهيوني يستهدف ما تبقى من قدرة الأمة في الوقوف بوجه الهيمنة والنهب والاحتلال والاستبداد”.

من جهته، غرّد الإعلامي السوري مضر حماد الأسعد خارج السرب قائلًا: إن “ثورات الربيع العربي نبهت العالم مع (إسرائيل) إلى أن الشعب العربي هو بركان خامد، ولن يرضيهم بما يجري في المنطقة العربية (القضية الفلسطينية، والحركات المضادة للربيع العربي، التغلغل الإيراني) والشعب العربي عامة أصبح ينظر للقضية الفلسطينية على أنها تجارة رائجة لدى الدكتاتوريات التي تحكم الدول التي تسمي نفسها (دول الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة…. الخ) كذلك سياسة حركة (حماس) في غزة وعلاقتها مع إيران، وعدم التوافق مع رام الله، مع إرهاب (حزب الله) واحتلال الميليشيات الإيرانية سورية والعراق ولبنان واليمن”.

وأضاف الأسعد، خلال حديثه إلى (جيرون)، أن “كل ذلك قد يجعل الشباب العربي ينظر إلى مؤتمر البحرين بأن يكون المخرج الحقيقي للقضية الفلسطينية، من خلال تفعيل المسار السياسي، بحيث تكون هناك دولة فلسطينية على حدود 67، والقدس الشرقية عاصمة لها، وهذه الأمور هي التي يبحث عنها الشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت يكون وقف للمتاجرة بالقضية الفلسطينية من قبل أعداء فلسطين والعرب، مثل إيران والنظام السوري وحزب الله والميليشيات الطائفية العراقية مع ابتزاز روسيا وأميركا للعرب”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق