بعثت المسيرات الحاشدة التي نُظمت في السودان هذا الأسبوع حياة جديدة، في الانتفاضة التي أطاحت حكم المستبد عمر البشير، لكن المتظاهرين والمجلس العسكري الحاكم ما زالوا في مأزق، وسط مخاوف من أن تنزلق البلاد إلى مزيد من الفوضى.
تظاهر عشرات الآلاف من الناس في شوارع العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى يوم الأحد، متعهدين بإكمال الثورة التي أطلقوها في كانون الأول/ ديسمبر. قُتل ما يقرب من عشرة أشخاص في الاشتباكات، في حين منعت قوات الأمن المتظاهرين من الوصول إلى المقر العسكري والقصر الرئاسي على ضفة النيل.
كان هذا أكبر عرض للعزيمة من المتظاهرين منذ أن فرقت قوات الأمن بعنف اعتصامهم الرئيسي خارج المقر العسكري في 3 حزيران/ يونيو، الذي أسفر عن مقتل 128 شخصًا على الأقل. وقد أدى ذلك إلى تعليق المحادثات حول تشكيل حكومة انتقالية، عندما بدا الجانبان أنهما على وشك التوصل إلى اتفاق.
يعمل الوسطاء الإثيوبيون والإفريقيون على استئناف المحادثات، لكن كلا الجانبين شددا مطالبهما منذ أعمال العنف التي وقعت في الشهر الماضي، حيث قال الجنرالات إن المقترحات السابقة لم تُعد قائمة، ويدعو المحتجون إلى انتقال فوري إلى الحكم المدني والتحقيق في عمليات القتل.
وإليكم نظرة إلى أين يمكن أن تسير الأمور.
من النصر إلى المأساة
اندلعت الاحتجاجات أول مرة، في كانون الأول/ ديسمبر، ردًا على ارتفاع الأسعار، لكنها تصاعدت بسرعة إلى تظاهرات شبه يومية تطالب بإنهاء حكم البشير المستمر منذ قرابة 30 عامًا. رفضت القوات إلى حد كبير أوامر البشير بإطلاق النار على المتظاهرين، وعزله الجيش من السلطة في 11 نيسان/ أبريل.
البشير، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم إبادة جماعية وغيرها من جرائم الحرب، خلال الصراع في دارفور في أوائل عام 2000، يقبع الآن في سجن الخرطوم، حيث قامت قواته في السابق بسجن وتعذيب معارضيه.
لكن المتظاهرين ظلوا في الشوارع، خوفًا من أن يتمسك الجيش، بدعم من القوى الإقليمية مثل مصر والإمارات العربية المتحدة، بالسلطة أو يُنصّب مستبدًا جديدًا. عندما أعلن الجيش أنه سيحكم لمدة تصل إلى عامين حتى يمكن إجراء الانتخابات، طالب المحتجون بالانتقال الفوري إلى هيئة مدنية تحكم البلاد لمدة أربع سنوات.
بعد عدة جولات من المحادثات، بدا أن الجانبين يقتربان من اتفاق لتقاسم السلطة، حيث تشغل قوى إعلان الحرية والتغيير، التي تمثل المتظاهرين، 67 في المئة من المقاعد في هيئة تشريعية مؤقتة وتعين مجلس الوزراء. لكن الجانبين ظلوا منقسمين بشأن تشكيل المجلس السيادي، الذي سيمسك بالسلطة التنفيذية لمدة ثلاث سنوات.
توقفت العملية في 3 حزيران/ يونيو، عندما هاجمت قوات الأمن الاعتصام. ثم فرض الجيش قطع الإنترنت في جميع أنحاء البلاد، مما جعل من الصعب تنظيم أي شيء أكثر من التظاهرات المتفرقة، ومعظمها في الليل. ألغى الجنرالات جميع الصفقات السابقة وهددوا بإجراء انتخابات بعد تسعة أشهر.
تحالف غير عملي
قدمت تظاهرات يوم الأحد عرضًا قويًا بالوحدة، لكن الانقسامات الداخلية بين المحتجين تهدد بتقويض نضالهم بالاستمرار. قاد تجمع المهنيين السودانيين الانتفاضة الأولى، وهو مجموعة كبيرة من النقابات المستقلة التي تعاونت ونسقت لاحقًا مع مختلف أحزاب المعارضة في البلاد.
يبدو أن الأحزاب تواقة لإبرام صفقة مع الجيش. عارض الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة وآخر رئيس وزراء منتخب ديمقراطيًا في السودان، الدعوات إلى إضراب عام بعد حملة القمع التي تمت في 3 حزيران/ يونيو. كما اتفق مع الجيش على توسيع المفاوضات لتشمل مجموعات سياسية أخرى يرى العديد من المحتجين أنها قريبة جدًا من البشير.
أفادت صحيفة (سودان تريبيون) الصادرة باللغة الإنكليزية يوم الإثنين، 1 تموز/ يوليو، أن “الجبهة الثورية السودانية”، وهي جماعة متمردة هي جزء من حركة الاحتجاج، هددت في الوقت نفسه بالتفاوض بشكل منفصل مع المجلس العسكري.
ونقلت الصحيفة عن جبريل إبراهيم، أحد قادة قوات الدعم السريع، قوله إن عملية صنع القرار داخل التحالف “مُختطفة” من قبل لجنة صغيرة “تشكلت في ظروف غامضة ذات تمثيل محدود”.
جهود الوساطة
اجتمع آبيه أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا الإصلاحي مع الجانبين في الخرطوم الشهر الماضي، وسعت إدارته إلى جانب الاتحاد الأفريقي للتوسط في الأزمة. وقد أعرب البيت الأبيض عن دعمه لتلك الجهود وعين مبعوثًا خاصًا إلى السودان.
لكن بينما دعا الاتحاد الأفريقي إلى انتقال سريع إلى الحكم المدني، فإن القوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تدعم الجنرالات وقد ترى في أي تحول ديمقراطي وصفة لعدم الاستقرار أو تهديد لدولهم ذات الحكم الاستبدادي.
في الشهر الماضي، قدم الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا اقتراحًا مشتركًا استنادًا إلى اتفاقات سابقة تركت تركيبة الهيئة التشريعية مفتوحة للمفاوضات. رحب الجنرالات به كأساس للمحادثات المستقبلية، لكن المتظاهرين يرفضون الاجتماع بالجيش حتى يقبل بكامل خريطة الطريق.
أمانى الطويل، وهي خبيرة في الشؤون السودانية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، قالت: “ها نحن نعود إلى المربع الأول. أعتقد أنهم يلعبون على الوقت، خاصة بعد انخفاض ضغط الشارع بسبب تفكك الاعتصام أمام مقر القيادة العسكرية”.
مخاوف من حرب أهلية
أثار الجمود في المفاوضات مخاوف من أنه لربما ينزلق السودان إلى حرب أهلية، كما حدث في اليمن وليبيا وسورية بعد انتفاضاتهم.
لقد كان السودان في حالة حرب مع المتمردين في دارفور ومناطق أخرى منذ عقود، ومزقت قوات الانفصال عن المركز البلاد منذ الاستقلال قد تمزقه في غياب حكومة مركزية مستقرة.
إريك ريفز، الباحث في الشؤون السودانية، قال: “الحرب الأهلية هي احتمال واضح لحد الرعب. إن فشل المجتمع الدولي في الدفع بقوة من أجل الحكم المدني -لأسباب مختلفة- يثبت أنه يؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا”.
وقال عثمان ميرغني، المحلل السوداني ورئيس تحرير صحيفة التيار اليومية: إن استئناف المفاوضات يوفر الأمل الوحيد بتجنب “نموذج ليبيا”.. “إذا استمر المأزق، فقد يصبح السودان ليبيا جديدة، وهو ما يعني مجموعة من الميليشيات تسيطر على أجزاء من البلاد ولكل ميليشيا حكومتها”.
الروائي السوداني حمور زيادة ألقى باللوم في المأزق على الجيش، واصفًا إياه بأنه تهديد للسلام والاستقرار في البلاد. وقال: “في المستقبل القريب، لست متفائلًا. لا أتوقع أن يتخلى المجلس العسكري عن قبضته على السلطة. لكن على المستقبل البعيد، أنا متفائل. المزاج العام مع الدولة المدنية ومع الثورة”.
اسم المقالة الأصلية | Sudan protesters at a crossroads after deadly crackdown |
الكاتب | سامي مجدي،Samy Magdy |
مكان النشر وتاريخه | واشنطن بوست،The Washington Post، 3/7 |
رابط المقالة | https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/sudan-protesters-at-a-crossroads-after-deadly-crackdown/2019/07/03/7fa4aa02-9d56-11e9-83e3-45fded8e8d2e_story.html?utm_term=.486d41b46f57 |
عدد الكلمات | 962 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة |
صورة الغلاف: متظاهرون سودانيون يهتفون بشعارات أثناء تظاهرة ضد المجلس العسكري الحاكم، في الخرطوم، السودان، الأحد، 30 حزيران/ يونيو، 2019. خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع يوم الأحد في العاصمة السودانية وفي أماكن أخرى من البلاد، مطالبين بالحكم المدني، بعد ثلاثة أشهر تقريبًا من إجبار الجيش على إطاحة المستبد عمر البشير. (حسين ملا/ أسوشيتد برس)