على الرغم من استمرار القصف على المناطق المدنية في أرياف إدلب وحماة، وسقوط مزيد من الضحايا من المدنيين، كشفت تسريبات إعلامية عن قرب تنفيذ خطة تركية في إدلب، تقضي بحلّ (هيئة تحرير الشام) وإخضاع المنطقة لإدارة الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني المعارض، وحماية (الجيش الوطني) المدعوم من تركيا.
ميدانيًا، شهد يوم أمس الخميس تصعيدًا، في القصف الجوي والمدفعي على مناطق ريف إدلب الجنوبي، حيث تسبب القصف بمقتل ستة مدنيين، بينهم سيدة وطفل، وإصابة 15 آخرين بينهم متطوع في الدفاع المدني السوري، وأكد مراسل (جيرون) في إدلب أن طائرات النظام استهدفت مدينة كفرنبل بأكثر من 15 غارة جوية بقنابل عنقودية وبراميل متفجرة، إضافة إلى القصف براجمات الصواريخ، كما أكد المراسل تعرّض بلدات حاس وخان شيخون وكنصفرة وكفرسنجة وركايا ومحمبل وكفرسجنة، وعدة بلدات وقرى بريف إدلب الجنوبي، لغارات جوية وقصف بالبراميل المتفجرة من مروحيات النظام.
عسكريًا، لم يتمكن النظام وحلفاؤه من تحقيق اختراق لجبهات القتال في ريف حماة الشمالي، حيث أعلن (جيش العزة) أمس الخميس، استهدافه الميليشيات التابعة لروسيا في مدينة سلهب بريف حماة، ردًا على استهداف المدنيين في ريفي إدلب وحماة. ونقل مراسل (جيرون) أن فصائل غرفة عمليات (الفتح المبين) تمكنت من تدمير عدد من الدشم لقوات النظام، ومدفع عيار 23 مم، إضافة إلى قتل وإصابة 30 عنصرًا من قوات النظام، باستهداف جبهات الحويز والحماميات بصواريخ موجهة.
وكانت فصائل المعارضة قد سيطرت على تل الملح الاستراتيجي والجبين في ريف حماة الشمالي، على الرغم من عشرات المحاولات التي شنها النظام بهدف استرجاع هذه المواقع، لكونها تقع على الطريق الواصل بين ريف حماة الغربي والسقيلبية، وتقطع خطوط إمداد قوات النظام، إضافة إلى رصد تل محردة الذي تتخذه قوّات النظام قاعدة عسكرية ضخمة لها، تقصف من خلالها معظم قرى وبلدات ريفي إدلب وحماة بعمق 40 كم.
عن أسباب فشل خطة روسيا والنظام في خرق ريف إدلب الجنوبي، قال عبد الوهاب عاصي الباحث في (مركز جسور للدراسات) في حديث إلى (جيرون): “حتى الآن، لا يبدو أنّ هناك قدرة لروسيا على حسم معركة إدلب لصالحها أو تحقيق خرق عسكري استراتيجي، مثل تطويق جبل شحشبو، ومن ثمّ الوصول إلى خان شيخون، على الرغم من الكثافة النارية غير المسبوقة الجوية والصاروخية والعمليات القتالية البرية المستمرة، وكان لسير المعركة عدد من الدلائل، منها سوء تقدير روسيا حول المعركة، وأنهم لا يمتلكون معطيات سليمة حول قدرات وإمكانات الفصائل التي أبدت قدرة عالية على استيعاب الهجمات العنيفة البرية والجوية”.
صحيفة (العربي الجديد) نقلت، أمس الخميس، عن مصادر خاصة، أن “الجانب التركي أبلغ شخصيات في (الائتلاف الوطني) والحكومة السورية المؤقتة، بأن هناك ترتيبات سياسية وعسكرية وشيكة تخصّ محافظة إدلب، وبأن عليهم الاستعداد لهذه المرحلة، على أن يُحل موضوع (هيئة تحرير الشام) قبل نهاية العام الجاري، سلمًا أو حربًا، وأن الحكومة السورية المؤقتة سيكون لها الدور الكبير في إدارة المنطقة، واستلام المعابر الحدودية، ومن العوائد المالية لهذه المعابر سيتم تقديم الخدمات الرئيسية لسكان المنطقة”.

أضافت الصحيفة: “الجانب التركي سيوكل لنائب والي هاتاي التركية مهمة الإشراف الإداري والخدمي لمحافظة إدلب ومحيطها، حتى نضوج الحل السياسي الشامل للقضية السورية، ويتولى (الجيش الوطني) المدعوم من تركيا المهام الأمنية والعسكرية”.
تسريبات (العربي الجديد) أكدتها تصريحات قيادات (الائتلاف الوطني) أمس الخميس، خلال مؤتمر صحفي عقد في مكتب الائتلاف بريف حلب الشمالي، حيث أكد رئيس الائتلاف أنس العبدة ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى أنهما تلقيا تأكيدات تركية، بعدم السماح بعودة محافظة إدلب إلى سيطرة النظام السوري.
من جانب آخر، قلل بكير أتجان، الباحث والخبير في الشأن التركي، من احتمال تطبيق هذه الخطة في الوقت الحالي، وقال في حديث إلى (جيرون): “هذه الخطة تحتاج إلى وقت طويل، ودراسات معمقة، ودعم سياسي ومالي، وموافقة جميع الأطراف المعنية، وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة”، وأضاف أتجان: “كما يجب ألا ننسى أنه في حال موافقة الأطراف الدولية على تطبيق هذه الخطة، سيكون عليها الموافقة على خطة مشابهة لإعادة ترتيب الوضع شرق الفرات، وربما جنوب سورية مستقبلًا، ما يجعل تقسيم سورية أمرًا واقعًا”.
في تعليق منه على هذه التسريبات، قال عبد الوهاب عاصي: “من الواضح أنّ مشاركة (هيئة تحرير الشام) ليست بالزخم المتوقّع منها، وهي ربّما تحتفظ بإمكاناتها لمرحلة لاحقة من الاستحقاقات المرتبطة، إمّا بالمعركة التي تشنّها روسيا أو بمصير وشكل تواجدها في الشمال السوري، عقب التوصل إلى اتفاق جديد بين ضامني أستانا، لكن ذلك لا يعني بالضرورة حصول مواجهة عسكرية أو أمنية بين الهيئة وضامني أستانا، على الرغم من وضع الأمر بالحسبان، فقد تلجأ الأطراف إلى اتفاق وتفاهم يلقى قبولًا فيما بينهم بحيث تُبقي فيه الهيئة على وجودها بشكل جديد”.
وكان مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، قد قال في مقابلة تلفزيونية أمس الخميس: “ينبغي على روسيا أن تضبط النظام السوري بخصوص الهجمات التي يشنها على محافظة إدلب”، مؤكدًا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة العشرين، اتفاق إدلب”، كما أعلن أوغلو أن تركيا “قدمت معلومات لروسيا عن المواقع التي تعرضت لقصف النظام، ومنها مستشفيات ومدارس ومدنيون”، مضيفًا أن “تركيا تبحث كافة القضايا مع روسيا وإيران وبقية الفاعلين، لأن الملف السوري، أي إدلب، قضية خطيرة”، بحسب ما نقلت وكالة (الأناضول).
ينتظر السكان في إدلب نهاية قريبة لكابوس القصف اليومي الذي يعيشونه، نتيجة الهجمات المتكررة على مدنهم وبلداتهم من قبل طيران النظام الحربي، فيما ما زال مقاتلو الفصائل ثابتين على جبهات ريف حماة الشمالي، بانتظار حل قريب يُعيد نصف مليون نازح إلى بيوتهم، ويرسخ استقرار منطقة باتت تضم أكثر من ثلاثة ملايين سوري، وأصبحت عقدة للصراع الدولي والإقليمي.