تحقيقات وتقارير سياسية

حلف روسيا وإيران في سورية هل هو (زواج متعة) آن رحيله؟

يجري بعض التداول المعلوماتي والإعلامي من أن هناك وإلى الشرق من سورية، وتحديدًا في دير الزور ومحيطها، الكثير من التباين الإيراني الروسي الذي بدأ يأخذ شكلًا جديدًا مختلفًا عن الصورة النمطية لتقاطع المصالح بين الطرفين الذين توليا مهمة الدفاع عن بقاء بشار الأسد.

ويتحدث مصدر أمني عراقي رفيع عن ارتفاع منسوب التوتر بين قوات البلدين في منطقة شرقي سورية إلى حد الاستنفار العسكري، وهو ما كاد يتدحرج إلى اشتباك بينهما، التوتر مردّه بحسب المصدر العراقي إلى قيام القوات الروسية بمنع فصائل حليفة لإيران بالتمركز في عدد من المناطق بما في ذلك نقطة حدودية مع العراق.

لكن السؤال: ما الذي يباعد إيران وروسيا عن بعضهما البعض في سورية، ولا سيّما وأن مستشار الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف دافع بقوة عن طهران في قمة القدس الأمنية مؤكدًا أن روسيا ترفض شيطنة إيران، ورافضًا الهجمات الإسرائيلية على سورية بالقول إنها “غير مرحب بها”.؟ فهل بات الصدام الإيراني الروسي في سورية جديًا؟ وإلى أين يمكن أن يؤدي وفق ذلك؟

عن كل ذلك تحدث جمال قارصلي المعارض السوري والباحث وعضو البرلمان السابق في ألمانيا قائلًا: “العلاقة الروسية الإيرانية في سورية تشبه علاقة (زواج متعة ثلاثي) تستفيد منه كل الأطراف المشاركة بشكل آني، وهي تعلم بأن نتيجة هذا (الزواج) ستكون الانفصال الأكيد، لأن هناك مصالح إستراتيجية مشتركة”.

وأضاف، خلال حديثه مع (جيرون)، أن “بالمقابل يوجد تنافس كبير بين روسيا وإيران على الأرض السورية، حيث كل طرف يحاول أن يعزز موقفه ومكانه في سورية بطريقته الخاصة، حيث إيران تعمل على التغيير الديموغرافي والديني في سورية، أما روسيا فوجدت في سورية بوابة كبيرة للرجوع إلى الساحة الدولية بعد عزلة طويلة، وما يهمها هو مصالحها المتمثلة بالوجود العسكري على الساحل السوري، وأن يتم مكافأتها بقطعة من (كعكة) إعادة إعمار سورية التي تريد من خلالها الحصول على براءة ذمة دولية على ما قامت به في سورية، من قتل وتدمير وجرائم إنسانية”.

وأشار قارصلي إلى أن “روسيا تظهر في بعض الأحيان مدافعة عن إيران في المحافل الدولية، ولكن موقفها واضح بالنسبة للضربات الإسرائيلية المتكررة على الميليشيات الإيرانية ومعداتها العسكرية في سورية، وهي تعلم بأن الدور الإيراني سينحسر بشكل عام، وبخاصة بعد زيادة العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران”.

وتابع: “النظام السوري يحاول أن ينسق بين الطرفين الذين دعاهما للدخول إلى سورية، لكنه لا يريدهما متفقين كليًا في الشأن السوري، ويتمنى ويعمل على التناقضات فيما بينهما، لأنه يأمل في نهاية المطاف أن يتخلص من الطرفين بأقل الخسائر، فقد أصبح واضحًا له بأنه أضاع كل شيء في سورية، وأصبح عديم الإرادة ومسلوبًا من سيادة القرار”.

قال الكاتب والباحث السوري ماجد علوش لـ (جيرون): إن” الروس في سورية في وضع لا يحسدون عليه، فَوَهْم ابتلاع سورية أو استخدامها للانتقام من الخداع الأوروبي الأميركي دفعهم للاستعانة بلاعبين إقليميين، فاستعانوا بالإيرانيين كقوات برية مستعدة لتنفيذ المهمات القذرة، وبالأتراك كوسيلة لضبط العديد من الفصائل السورية المسلحة، لكن حسابات الحقل لم تتطابق مع البيدر”.

وعدّ أن “الروس يواجهون معضلتين على الأقل؛ وهما اضطرارهم إلى ضمان تأييد الأميركيين والإسرائيليين كشرط للدفع بالمسار السياسي، ومواجهة النفوذ الإيراني ذي الأهداف والمصلحة المختلفة، ليس استجابة للمطالب الأميركية فقط، بل أيضًا بسبب إصرار الإيرانيين على إعادة الأوضاع في سورية إلى ما كانت عليه قبل الثورة 2011، أي إعادة سورية مزرعة لآل الأسد، لأن هذا هو الضمانة الوحيدة التي تسمح لهم بالسيطرة تدريجيًا، ومع الوقت على كامل سورية وتحويلها إلى محافظة إيرانية “.

ولفت إلى أن “التوتر الروسي الإيراني سيستمر ويتصاعد، وليس مستحيلاً أن يتحول إلى مواجهة، وبخاصة إذا اندفع الأميركيون أكثر في الضغط الاقتصادي على إيران، بحيث تفقد موقعها كمصدر اقتصادي روسي مهم”.

الأكاديمي السوري الدكتور أحمد الحمادي قال: لا شك أن ما يحكم علاقات الأطراف الفاعلة على الساحة السورية، خصوصًا روسيا وإيران، هو المصالح أولًا وأخيرًا، وتقاطعت مصالحهما في سعي كل منهما للحفاظ على النظام القاتل ورأس سلطته، ﻷسباب مصلحية مرتبطة بكليهما”، وأضاف لـ(جيرون): “التنافس بينهما بدأ منذ التدخل العسكري الروسي المباشر واستحواذ الروس على قاعدة حميميم وعدة مواقع وامتيازات خاضعة لها بشكل مباشر”.

وتابع: “من المؤكد أن مصالحهما في سورية لن تلتقي مطوﻻً في المستقبل، لأن كليهما يسعى للسيطرة على أكبر مساحة من سورية، من هنا نرى سباق بسط النفوذ على شرق وجنوب سورية، وانقسام قوى الجيش والأمن بين رجالات روسيا ورجالات إيران، إلى أن وصلنا لإصدار قرارات عزل كبار الجنرالات الموالين لإيران وتعيين آخرين موالين لروسيا، كما حدث مع رؤساء إدارات المخابرات، وكما حدث من خلال إزالة صور بشار وماهر من على معبر نصيب الحدودي من قبل الروس، و من خلال تحجيم و ملاحقة رجاﻻت النظام المرتبطين بإيران، كما حدث مع زهير شاليش (ذو الهمة) المسؤول عن الحراسة الشخصية لبشار، وأحد مقربيه، وكذلك العديد من رجاﻻت الحرس الجمهوري والنظام المقربين من إيران، وإبعاد إيران وميلشياتها المجرمة في بداية الهجوم الوحشي، واتباع سياسة اﻷرض المحروقة في ريف حماة و إدلب واللاذقية مؤشر له دﻻﻻته الكبيرة على بداية تنافر وتمايز فرز المصالح بينهما”.

أما الكاتب والمعارض السوري عزت الشيخ سعيد فأكد لـ(جيرون) أن “العد التنازلي لتحجيم إيران قد بدأ بعد اجتماع تل أبيب وبعد أن أدت دورها الوظيفي سواء بالاتفاق والتوافق مع الدول الكبرى والمعنية بالملف العربي وتحديدًا ملفات العراق وسورية واليمن وفلسطين ولبنان”.

وأضاف: “جميعهم ليسوا أعداءً لإيران لأنهم استفادوا وسيستفيدون من دورها الوظيفي، هم مع دورها الإقليمي الذي يتقاطع مع مصالحهم كدول عظمى، روسيا وأميركا ومعهم ومن خلفهم إسرائيل، سوف يتم تحجيم إيران ضمن هذا الدور الذي رسمته لها هذه الدول ولكن لن يتم أبدًا التخلي عنها وعن دورها، فمازالت هناك كثير من المهمات التي تحتاج للتنفيذ، ومَن غير إيران قادر على تحقيقها من دون أن يلحق بتلك الدول أذىً مباشرًا أو عارًا تاريخيًا، وبغياب المشاريع الوطنية والمشروع القومي، ستبقى المنطقة برمتها تراوح بين الاستسلام والموت إلى أن يحضر العقل والفكر والوعي ويباشر دوره، والله غالب على أمره، والأمل سيبقى رايتنا إلى غيابنا عن وجه الأرض”.

في السياق ذاته أيضًا، قال الكاتب السوري أسامة المسالمة: إن”المتابع للملف السوري منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 وما تلازم مع ذلك من التدخلات الإقليمية والدولية ومحاولة توجيه الأحداث واستثمارها، يدرك أن المأساة السورية لم تكن مفصولة عن عبث المخابرات والمصالح الدولية بشكل يومي ودقيق”، موضحًا لـ (جيرون) أن “التدخل الإيراني المباشر والسافر لم يكن يحدث لولا الضوء الأخضر من الدول العظمى وكذلك (إسرائيل) وذلك لإنهاء البنى التحتية ومقومات الدولة السورية واقتصادها، بل وتعداها لتدمير الحجر والبشر، خوفًا من قيام دولة وطنية ديمقراطية على حدود الكيان الصهيوني مما يشكل خطرًا عليه، ويعيد تأسيس منظومة بناء الدولة الوطنية، مما يساهم بنقل الثورة لدول الخليج ويهدد المصالح الغربية”.

وعدّ أنه “تم استغلال (الغباء الإيراني والتعطش للوصول للبحر المتوسط) وحلم نشر الفكر الشاذ للخمينية المتفلت عن منطق العقل وحركة التاريخ، وهما ما قادا إيران للقبول بهذا الدور وتدمير مقومات نهوض المنطقة العربية، بالإضافة إلى هدر مقومات الدولة الإيرانية، وكذلك زرع نذر تفتيت المنطقة على قواعد المذهبية والبنى ما قبل المدنية، وكذلك استنزاف موارد دول الخليج في هذا الصراع”، ثم أضاف: “الآن وبعد انتهاء المهمة الإيرانية عادت الدول الكبرى والكيان الصهيوني لإعادة ترتيب المنطقة وولائها لصالح المشاريع الكبرى، وتخلي روسيا على مراحل عن إيران ودورها وبيعها في المنطقة يخضع لمقدار ما تحققه روسيا من مكاسب في ملفات تختلف مصالحها مع المصالح الأميركية والأوروبية في خريطة تقاسم المصالح بين الضباع، وكان اجتماع القدس الأخير بين أميركا وروسيا وإسرائيل لوضع النقاط على الحروف. وما نشاهده الآن من تلك الاحتكاكات إلا مقدمات تنضج وتتضح بشكل جلي عند الانتهاء من ترتيب المصالح العالمية بين الدول الكبرى وليس ذلك مستغربًا”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق