كان البيان الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب، في 16 تموز/ يوليو 2019، خلافيًا وغارقًا في العجز السياسي الأميركي الداخلي والمتفجر بلا توقف، حيث أكد فيه تصميمه على ما أصدره في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018، بمغادرة سورية بسرعة وبشكل كامل، وإليكم الكلمات الدقيقة التي تحدث بها البيت الأبيض:
قمنا بعمل رائع. كما قال مايك [مايكل بومبيو وزير الخارجية] لقد قمنا بعمل رائع مع خلافة [داعش]. هزمنا الخلافة 100 في المئة، وسننسحب بسرعة من سورية. سنعود إلى بلدنا قريبًا جدًا. ودعهم يعالجون مشكلاتهم الخاصة. يمكن لسورية معالجة مشكلاتها الخاصة، إلى جانب إيران، إلى جانب روسيا، إلى جانب العراق، وإلى جانب تركيا. نحن على بعد 7 آلاف ميل.
يمكن أن يمثل هذا البيان نهاية جهود الإدارة للتراجع عن التغريدات الرئاسية، في كانون الأول/ ديسمبر 2018. كانت العودة ضرورية، لأن النصر على داعش (داعش، الدولة الإسلامية في العراق والشام) لا يمكن تحقيقه وتأكيده إلا من خلال تحقيق الاستقرار المحررة المناطق، وتحييد الآلاف من عملاء (داعش) الذين ما يزالون طلقاء. الآن يبدو أن الرئيس ترامب يعيد تأكيد أمنياته كقائد أعلى. ولكن هل سيتم التعامل مع كلمات الرئيس من قبل كبار المسؤولين على أنها توجيه بجوهرها؟
السؤال نفسه غير عادي. لقد كان الأميركيون محكومين بأن يعتقدوا أن الكلمات الرئاسية المتعلقة بقضايا السياسة الخارجية الرئيسية هي توجيهات للعمل. هل يروّض دونالد ترامب أرضية جديدة؟ هل من الممكن أن تهدف تصريحاته حول مغادرة سورية بسرعة إلى إرضاء قاعدة سياسية (والمعلقون المرتبطون بها) وليس توجيه قرارات السياسة الخارجية أو تنفيذها؟
في كانون الأول/ ديسمبر، عندما أعلن (قبل الأوان) النصر على داعش، وحدد الجماعة المتطرفة بأنها “السبب الوحيد لوجوده هناك في [سورية] خلال رئاسة ترامب”، اندلعت عاصفة من الانتقادات الحزبية. في الواقع، يبدو أن الكرملين وطهران ونظام الأسد وحفنة من المعلقين الأميركيين الانعزاليين هم من يشيدون بالقرار. ولو تم تنفيذه، لضاعت ما يزيد عن أربع سنوات من الحرب على داعش، على الفور تقريبًا. كان سيتم التخلي عن القوات الشريكة السورية بشكل فظ. وسيظل الآلاف من إرهابيي تنظيم داعش الهاربين طلقاء، وسيحاول بعضهم استعادة “الخلافة” والبعض الآخر سيقدم خدماته لنظام الأسد وإيران.
حاولت الإدارة -مع افتراض بعض القبول من الرئيس- التراجع عن هذا الإعلان. نعم، سيكون هناك تخفيض للقوات البرية الأميركية في المناطق المحررة من داعش. لكن لم يتم تحديد موعد “للخروج من سورية”، وطُلب من الحلفاء (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وغيرها) المساهمة بإرسال في قوات لتحل محل النقص في القوات الأميركية. كانت صفقة صعبة. كان الحلفاء يسألون سؤالًا غير مريح: بالنظر إلى بيان الرئيس، في كانون الأول/ ديسمبر 2018، هل هو حقًا التزم بوجود طويل المدى في سورية لهزيمة داعش المستمرة؟ في حالة المملكة المتحدة وفرنسا يبدو أن الاستجابة كانت مُرضية: فقد أعلنوا مؤخرًا عن زيادات متواضعة في مستويات القوة الخاصة بكل منهم، بينما رفضت برلين.
الآن، أصبح الرئيس ترامب في الواجهة مرة أخرى، ويبدو أنه حريص على التضحية بالنفوذ الأميركي في سورية مقابل لا شيء على وجه التحديد، النفوذ الذي يمكن، إذا تم الاستفادة منه بشكل صحيح، أن ينتج بديلًا في جزء كبير من سورية لإرهاب دولة نظام الأسد المدعوم من إيران وروسيا، ويمهد الطريق لمحادثات سلام هادفة.
لكن هل يعني الرئيس ما يقوله؟ هل يعتزم حقًا إعطاء الرئيس الروسي بوتين، والمرشد الأعلى خامنئي، وبشار الأسد، و”الخليفة” أبو بكر البغدادي، شيئًا مقابل لا شيء؟
ربّما لا. خلال مدة من الضغوط السياسية الداخلية التي لا شك فيها، ربما كان السيد ترامب يزن الأمور سياسيًا في المقام الأول أولًا: إذ أكد لقاعدته الانتخابية أنه كان يعني ذلك عندما وعد، أثناء الحملة الانتخابية لعام 2016، بـ “تحطيم” داعش والخروج من الشرق الأوسط. بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعتقدون أن بُعدَ مسافة 7 آلاف ميل عن سورية هو كاف لردع الإرهاب العابر للحدود الذي ينطلق من مكان مثل سورية -وهو اقتراح يبدو أنه تم دحضه في 11 أيلول/ سبتمبر 2001- ربما تكون كلمات الرئيس المؤرخة في 16 تموز/ يوليو 2019 مطمئنة. لكن هل كان الرئيس يعتزم وضع وتنفيذ السياسة؟
سوف يتذكر قدامى المحاربين في حرب فيتنام -سلالة تختفي بالحقيقة- نوعًا من النكات التي تبدأ بالكلمات، “ماذا يعني القبطان حقًا أن يقول…” خلال الأيام المقبلة، قد نسمع كلمات من مسؤولين أميركيين كبار على غرار “ماذا يعني الرئيس حقًا أن يقول”. قد نكون متأكدين تمامًا من أنه لا يوجد تغيير في السياسة: فالكلمات “قريبًا جدًا” لا تعني “قريبًا جدًا”، ولم يتم تحديد موعد نهائي، وأنه ليس لدى الإدارة نية لتقديم هدية مغلفة لأعداء الولايات المتحدة تتمثل بنسبة ثلاثين في المئة من سورية التي تحررت من داعش والغنية بالنفط والزراعة، وأن واشنطن تدرك أن الإخفاق في استقرار الأراضي المحررة بشكل صحيح من شأنه إحياء داعش وإهدار ما يقرب من خمس سنوات من الجهد، وأن التخلي عن القوات الشريكة -على الرغم من الانتقادات التركية المفهومة لهذه الشراكة- أمرٌ مستحيل.
سيتم الترحيب بهذه التطمينات على نطاق واسع، حتى لو كانت تؤكد وتوضح التراجع المقلق عن البيانات الرئاسية. هل يكفي؟ هل سيكون الحلفاء والشركاء متأكدين من الثبات الأميركي؟ هل يمكن أن يزعم المسؤولون الأميركيون حقًا أنهم يعرفون نية القائد الأعلى؟ قد لا يرغب الرئيس ترامب في تحقيق نصر لإيران من خلال منحها شمال شرق سورية، ولروسيا، ولنظام الأسد. لكن كلماته -ربما عن غير قصد- يبدو أنها تشير إلى عكس ذلك. إنها تجعل الحياة أكثر صعوبة مما يجب أن تكون عليه بالنسبة لكبار مسؤولي الإدارة الذين يعملون بجد لتأمين المصالح الأميركية.
اسم المقالة الأصلي | Getting Out – Again |
الكاتب | فريدريك هوف،FREDERIC C. HOF |
مكان النشر وتاريخه | المجلس الأطلسي،Atlantic Council، 17/7 |
رابط المقالة | https://www.atlanticcouncil.org/blogs/syriasource/getting-out-again |
عدد الكلمات | 865 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة |
صورة الغلاف: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في جلسة لالتقاط الصور العائلية للقادة والحضور، في قمة قادة مجموعة العشرين في أوساكا، اليابان في 28 حزيران/ يونيو 2019. رويترز/ كيفن لامارك