ترجماتسلايدر

في مخيمات اللاجئين السوريين المكتظة بالسكان، التطرف يترسخ

الانسحاب الأميركي [من سورية] قد يترك عشرات الآلاف عرضة لتلقي أفكار الدولة الإسلامية (داعش)

في يوم تموزي حارق (يوم من أيام تموز/ يوليو)، ارتفع العلم الأسود المميز للدولة الإسلامية (داعش) فوق مخيم الهول للاجئين في شمال شرق سورية. في مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت، يمكن رؤية النساء والأطفال يهتفون عندما رفرف العلم المصنوع يدويًا فوق المخيم، الذي يقطن فيه حوالي 70 ألف سوري نزحوا بسبب الحرب الأهلية المدمرة في البلاد.

هذا النموذج من التطور هو ما يقلق اللواء أليكس غرينيكويك، نائب قائد التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة لهزيمة الدولة الإسلامية (داعش). قال اللواء غرينيكويك، في مقابلة أجريت معه حديثًا: “الخطر الحقيقي بالنسبة إليّ هو أن الجيل القادم من داعش يتم برمجته هناك في تلك المخيمات. أرى أن هذا يمثل الخطر الاستراتيجي الأكبر على المدى الطويل، للحملة العالمية الشاملة ضد داعش”.

في عموم المنطقة، التي يسيطر عليها في الغالب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وشريكها المحلي، قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يعيش نحو 130 ألف امرأة وطفل في مخيمات اللاجئين المزدحمة مثل مخيم الهول. ولكن في حين أن معظم التركيز ينصب على الأزمة الإنسانية، فإن القادة العسكريين الأميركيين مثل غرينكويك يرون أن هناك أزمة أيديولوجية أيضًا، حيث أصبحت المخيمات معقلًا للأيديولوجية المتطرفة، في الوقت الذي تخطط فيه القوات الأميركية لانسحابها.

منذ تحرير آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهي بلدة الباغوز السورية، في آذار/ مارس، كانت صلابة دور الجيش الأميركي في سورية محط استفهام. تؤكد إدارة الرئيس دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ستسحب جميع القوات من البلاد، باستثناء بضع مئات منها، لكن لم يتم تحديد جدول زمني حتى الآن للانسحاب. ويقول الخبراء إن الوجود الأميركي الدائم ضروريٌّ، ليس فقط لضمان عدم عودة الدولة الإسلامية (داعش) ولكن أيضًا للتوسط في السلام المضطرب بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية، وكذلك مع تركيا، التي تعدُّ قوات سوريا الديمقراطية تهديدًا وجوديًا.

لكن في حال انسحابها من سورية قبل الأوان، فإن الولايات المتحدة ستنفض أيديها أيضًا من أزمة أمنية متنامية: عشرات الآلاف من مقاتلي الدولة الإسلامية (داعش) والعائلات الذين يعيشون في مخيمات في شمال شرق سورية، مع وجود احتمالات قليلة للعودة إلى الحياة الطبيعية.

لا يتمتع التحالف رسميًا بأي سلطة في مخيمات المشردين داخليًا، التي تديرها منظمات غير حكومية وتحرسها قوات سوريا الديمقراطية. لكن غرينكويك يشعر بقلق خاص إزاء مجموعة من مقاتلات الدولة الإسلامية، التي قال إنهن سيسعَين إلى غسيل دماغ السكان الآخرين، وخلق جيل جديد من المتطرفين.

في إطار الجهود المبذولة لإدارة هذه الفئة من السكان، أرسلت قوات سوريا الديمقراطية الرجال إلى السجون، بينما أُرسل النساء والأطفال -المفترض أنهم من غير المقاتلين- إلى مخيمات النازحين مثل مخيم الهول.

لكن بعض النساء اللواتي أُرسلن إلى الهول قاتلن فعلاً من أجل الدولة الإسلامية (داعش)، ووجودهن في المخيم يعرض سكانه الأكثر اعتدالًا لخطر التطرف، على حد قول غرينكويك.

وقال: “حتى الآن، هناك قسم من مخيم الهول يضم عددًا كبيرًا مما يمكنني تسميته أيديولوجي الدولة الإسلامية (داعش) المتشددين الذين هم من النساء اللواتي معهن أطفالهن”. مُقدرًا أن هناك حوالي 20 ألف شخص يشتبه في أنهم من أعضاء “داعش” المتشددين في المخيم.

وقال غرينكويك إن الهول هو أكبر مخيم من نوعه، ويضم حوالي 50 ألف طفل دون سن 18 عامًا. ازدادت أعداد سكان المخيم بشكل كبير، بعد أن حرر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة آخر المناطق في سورية من سيطرة الدولة الإسلامية هذا العام. وأقرَّ غرينكويك بأن التحالف قلل من شأن عدد مقاتلي الدولة الإسلامية والعائلات التي بقيت في وادي نهر الفرات الأوسط.

ميليسا دالتون، الخبيرة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مستشهدة بتقارير من أشخاص على أرض الواقع لحوالي “أكثر من 40 شخصًا مكدسين في الغرف”، قالت: إن الظروف في المخيم “مواتية” للتطرف. وقالت دالتون: “أعتقد أنه قد يكون لهذا تداعيات أمنية وإنسانية خطيرة للغاية على المنطقة”.

بطبيعة الحال، فإن العدد الهائل من الناس في مخيم الهول وغيره من المخيمات في سورية يثير قضايا إنسانية أيضًا. وقال غرينكويك إن هذه المشكلات يجب معالجتها أولًا. لكن في الوقت نفسه، يعمل التحالف مع الأمم المتحدة والشركاء الآخرين للتوصل إلى تفاهم حول كيفية التعامل مع مشكلة التطرف داخل هذه المخيمات.

وقال: “من المؤكد أنها ليست مهمة عسكرية يجب التعامل معها، لكنها تشكل خطرًا استراتيجيًا على مستوى العالم على التحالف”. يبحث الشركاء في خيارات مختلفة لمعالجة خطر التطرف، بما في ذلك عزل المقاتلات عن بقية المخيم، وربما برامج إعادة التأهيل.

لكن الخطوة الأولى ستكون تخفيض عدد سكان المخيم نفسه. هذا مطلب صعب، حيث لا تميل المجتمعات المحلية والمجتمع الدولي إلى استعادة مواطنيها المرتبطين بالدولة الإسلامية (داعش) ورعايتهم. ومع ذلك، فقد حققت قوات سوريا الديمقراطية بعض النجاحات الصغيرة، حيث تمت حديثًا إعادة دمج حوالي 800 امرأة وطفل من الرقة والطبقة، في قراهم، على حد قول غرينكويك.

تشارلز ليستر، وهو باحث بارز في معهد الشرق الأوسط، دان افتقار التحالف إلى التخطيط لما يقول إنه مشكلة متوقعة، وهي العدد الكبير من النازحين والمقاتلين الأجانب الذين انتهى بهم المطاف في مخيمات بعد هزيمة خلافة الدولة الإسلامية (داعش).

وقال ليستر: “من المثير للغضب أننا ما زلنا نسمع من كبار المسؤولين أنهم بدؤوا يستكشفون هذه المشكلة فجأة، بينما كان ينبغي علينا أن نتعرف إليها قبل خمس سنوات، عندما بدأنا القتال. لا ينبغي أن يكون ذلك قد فاجأ أحدًا، لكن يبدو أن لا أحد قد خطط للأمر”.

ميّز غرينكويك بين المشكلات في مخيمات النازحين داخليًا مثل مخيم الهول والسجون، في شمال شرق سورية، التي تضم حوالي 11 ألف مقاتل من مقاتلي الدولة الإسلامية (داعش). وقال إن حوالي ألفين من المقاتلين الإرهابيين هم من الأجانب.

وحثّ غرينكويك الحكومات الأجنبية على إعادة مواطنيها إلى بلادهم، بحيث يمكن محاكمتهم. تقود الولايات المتحدة المسار، حيث ستنقل هذا الشهر مواطنًا أميركيًا متهمًا بالقتال مع تنظيم الدولة الإسلامية، من سورية إلى الولايات المتحدة، من أجل المثول أمام المحكمة. وقال غرينيكويك إن مقدونيا الشمالية وكازاخستان والمغرب والبوسنة وكوسوفو وإيطاليا والعراق قد أعادوا أيضًا مئات المقاتلين.

وقال: “نحن في حاجة حقيقية إلى أن تتفهم الدول هذه المشكلة بدلًا من تركهم للناس في شمال شرق سورية، لأنهم بالتأكيد ليسوا على استعداد للتعامل معها على المدى الطويل”.

على المدى الطويل، من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى نوع من برنامج إعادة التأهيل لغالبية مقاتلي الدولة الإسلامية (داعش) المحتجزين في هذه السجون، كما اعترف غرينكويك.

في غضون ذلك، يعمل التحالف لضمان أن قوات سوريا الديمقراطية مجهزة تجهيزًا مناسبًا لإدارة السجون المكتظة. في حزيران/ يونيو، تخرج 60 من أعضاء قوات سوريا الديمقراطية من دورات تدريب ضباط الإصلاح التي يديرها التحالف، بهدف “إضفاء الطابع الاحترافي” على قوات الحراسة، على حد قول غرينكويك. على وجه الخصوص، قال إن التحالف يُعلّم/ يُدرب على “الوسائل غير المميتة للسيطرة على السجناء”، مع التركيز على الاهتمام بحقوق الإنسان. إضافة إلى ذلك، يحاول التحالف ضمان حصول السجناء على السكن والغذاء واللوازم الطبية التي يحتاجون إليها.

وقال: “الشيء الوحيد الذي يمكنك ضمانه هو أنه إذا كان هناك شخص ليس من هذه الفئة المُتعذر تربيتها وبدؤوا في المصالحة، إذا كانوا في ظروف فظيعة وعالقين في منطقة محصورة تحت ظروف مروعة لا يمكن التوفيق بينها؛ فمن المحتمل أن يصبحوا غير قابلين للمصالحة مع الزمن، لسوء الحظ”.

بينما قال غرينكويك إن التحالف يرسل كبار القادة “بشكل دوري” لمراقبة السجون، إلا أنه لا يملك أي سلطة حقيقية لفرض المعاملة الإنسانية.

رغم أنها لم تسمع تقارير حول قيام قوات سوريا الديمقراطية “بارتكاب مخالفات خطيرة” في السجون، أشارت دالتون إلى أن ذلك قد يتغير إذا انسحب الجيش الأميركي. وقالت: “يبرز هذا السؤال حول المدة التي ستقضيها الولايات المتحدة ومدى جديتها أثناء ذلك”.

لا يرى الخبراء حلًا جيدًا لمشكلة ما يجب فعله مع تزايد عدد السكان في مخيمات النازحين والسجون، خاصة إذا كان الجيش الأميركي سينسحب كما هو مخطط له. وقال ليستر إن ما يزيد الأمور سوءًا هو حقيقة أن الولايات المتحدة لم تضع بعد رؤية واضحة لدورها في سورية.

وقال ليستر: “إذا بقينا، وإن كان وجودنا في تضاؤل، وجب أن تكون هناك خطة طويلة الأجل، تتضمن إنفاق المزيد من الأموال، والاستثمار في المزيد من البنية التحتية لهذه المخيمات. من ناحية أخرى، إذا كنا نخطط للانسحاب من سورية، سواء كنا سنعترف بذلك علانية أم لا، علينا أن نعمل بجد من وراء الكواليس لإيجاد ضامن/ كفيل بديل”.

اسم المقالة الأصليةIn Overflowing Syrian Refugee Camps, Extremism Takes Root
الكاتبلارا سيلغمان،LARA SELIGMAN
مكان النشر وتاريخهفورين بوليسي،FP، 29/7
رابط المقالةhttps://foreignpolicy.com/2019/07/29/in-overflowing-syrian-refugee-camps-extremism-takes-root-syria-bashar-assad-islamic-state-isis/
عدد الكلمات1282
ترجمةوحدة الترجمة/ أحمد عيشة

صورة الغلاف: امرأة فرنسية محتجزة من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تمشي مع طفلها في مخيم الهول للنازحين في شمال شرق سورية في 17 شباط/ فبراير. بولنت كيليج/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق