سلايدرقضايا المجتمع

“زواج الأقارب” يرفع معدلات التشوهات الخلقية في إدلب

ما تزال العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية تحجب الرؤية عن الحقيقة، وتعزز عادة زواج الأقارب بين السوريين، على الرغم من الأمراض والتشوهات الخلقية التي تصيب الولادات الناتجة عنها. وتسعى كثير من الأسر السورية، وبخاصة في العشائر والأرياف، للزواج من العائلة نفسها، للحفاظ على روابط الدم واللحمة العائلية، أو الحرص على ثروة الأسرة لكيلا تذهب إلى الغريب، بغض النظر عن نتائج هذا الزواج، وما يسببه من ارتفاع معدل الإصابات بالأمراض الوراثية والتشوهات والأمراض المزمنة بين الأطفال، التي قد تقود كثيرين منهم إلى الموت المبكر.

وعلى الرغم من أن زواج الأقارب من العادات القديمة في سورية، فإن هناك أسبابًا عدّة ساعدت في زيادة انتشارها، في ظل الظروف التي يشهدها المجتمع السوري منذ انطلاق الثورة، أهمها الحاجة إلى حماية الفتاة من الظروف الأمنية والاجتماعية، من خلال تزويجها من ابن العم أو ابن الخال، إضافة إلى نزوح أو لجوء الأقارب معًا إلى وجهة معينة، داخل البلاد أو خارجها.

تعدّ محافظة إدلب من المحافظات التي سجل فيها هذا الزواج نسبة مرتفعة، ففي قرية الفاعوري بريف جسر الشغور، تنتشر التشوهات بنسبة كبيرة بين الأطفال، تصل إلى 4 بالمئة، نتيجة شيوع عادة زواج الأقارب بكثرة بين الأهالي.

ويقول رضوان السهو، رئيس المجلس المحلي في قرية الفاعوري، لـ (جيرون): “لا يتعدى عدد سكان القرية 1000 نسمة، وتم تسجيل 35 حالة إعاقة بسبب زواج الأقارب، تراوح بين متلازمة داون وضمور العضلات وأمراض القلب والصمم والبكم والعمى، يعيشون بين معاناة الألم المستمر، والحاجة إلى الرعاية الطبية والتأهيل في مراكز طبية وتعليمية متخصصة، علمًا أن القرية تفتقر إلى الخدمات الصحية، ومراكز تأهيل وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة”.

أبو محمد (من قرية الفاعوري) أبٌ لخمسة أبناء، ثلاثة منهم وُلدوا فاقدين للبصر، يقول لـ (جيرون): “تزوجت من ابنة عمي منذ عشر سنوات، ورُزقنا بطفلنا الأول الذي جاء فاقدًا لبصره، فظننا أن ذلك حالة فردية لن تتكرر، وتعاملنا مع الأمر باعتباره قضاءً وقدرًا، ثم تعاقبت ولادة أطفالي الباقين، وكلهم يعانون المشكلة نفسها، وبعد زيارة الأطباء أكدوا أن السبب هو زواج الأقارب”.

ويشكو أبو محمد من حاجة أولاده إلى العلاج، لكن ضعف الإمكانات الطبية في مشافي المناطق المحررة، وارتفاع الكلفة المادية للعبور إلى تركيا بقصد العلاج، يحولان دون ذلك.

أما أم أيمن (من ريف معرة النعمان الشرقي) فقد أُجبرت على الزواج من ابن عمها، ليدفع لاحقًا أولادها الثمن، وتقول لـ (جيرون): “من الطبيعي أن تتزوج الفتاة من قريب لها في مجتمعنا، فأبي وأمي قريبان، وجميع أولادهما أصحاء، على عكس زواجي من ابن عمي الذي أثمر طفلة مريضة فارقت الحياة، ثم أنجبت ولدي أيمن الذي يبلغ الخامسة من عمره، وهو يعاني شللًا بطرفيه السفليين، تحوّل مع الوقت إلى ضمور في العضلات، ولم يعد قادرًا على الحركة والمشي، إضافة إلى معاناته من بطء شديد في النمو “.

آثرت أم أيمن التوقف عن الإنجاب، كي لا يواجه أولادها ذلك المصير، بينما أقدم زوجها على الزواج من امرأة أخرى.

الطبيب عبد الناصر اليوسف (من مدينة إدلب) تحدث إلى (جيرون) عن مخاطر زواج الأقارب قائلًا: “الأمراض الوراثية التي يحملها الزوج والزوجة قد لا تظهر عليهما، بل يظهر تأثيرها على الأبناء والأحفاد، لأن العامل الوراثي، عند تطابقه بين الزوجين، يؤدي إلى ظهور الصفة الوراثية التي يحملانها معًا على أطفالهما، وصحيح أنه يندر أن يحمل شخصان المورثة ذاتها، ولكن إذا انحدر الشخصان من جد واحد؛ أصبح الأمر غير نادر بل أقرب إلى الشيوع، لذلك تزداد نسبة الأمراض بوجود القرابة بين الزوجين”.

وبحسب اليوسف، فإن “التأخر العقلي والتكيس الكلوي والأمراض القلبية، وأمراض الكبد، هي من أكثر الحالات شيوعًا بين الأطفال الناتجين عن زواج الأقارب، كما تزيد فرص الإصابة بداء السكري، وأمراض الدم التي يعتبر مرض أنيميا البحر المتوسط (التلاسيميا) أخطرها، وهو من أمراض الدم الوراثية التي تحدث بسبب خلل في المورثات أو الجينات المسؤولة عن خضاب الدم، من دون أن يستطيع النخاع الشوكي تعويض النقص الكبير من كريات الدم الحمراء، مما يُنتج فقر دم شديد يحتاج تعويضه إلى نقل دم بشكل دوري للأطفال كل أسبوعين”.

وينصح اليوسف بإجراء فحص طبي شامل “سريري ومخبري”، قبل الزواج، للتأكد من عدم إصابة الخاطبين بأي نوع من الأمراض السارية والمعدية، ومن أن أحدهما لا يحمل جينات أمراض وراثية، تؤدي إلى حدوث تشوهات خلقية لدى الأطفال.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق