كلمة جيرون

سورية المحتلة

قبل يومين، اتفقت الولايات المتحدة وتركيا على إقامة منطقة عازلة شمال سورية، ولم يُعرف تفاصيل هذا الاتفاق ولا حدوده ولا مستواه، ومن المستبعد أن تُعلن بنوده في وقت قريب، وربّما يبقى في مصافي الاتفاقات السرية التي يُعمل بها ولا يُعرف محتواها.

بعيدًا عن حيثيات الاتفاق على هذه المنطقة الآمنة، وحجمه ومستقبله، ومن سيستفيد ومن سيخسر منه، يمكن ملاحظة ردة فعل النظام السوري، الذي سارع إلى الإعلان، بصلافة قلّ نظيرها، أنه يرفض “بشكل قاطع ومُطلق اتفاق الاحتلالين الأميركي والتركي، حول إنشاء ما يُسمى المنطقة الآمنة”، وفي رد النظام السوري ثلاث نقاط تؤكد وقاحته.

أولًا، هو يرفض “الاحتلالين” الأميركي والتركي، ويتناسى عن عمد “الاحتلالين” الروسي والإيراني الإجراميين، ويخجل من ذكر احتلال “حزب الله” للأرض وقتله للإنسان، وينسى احتلال الميليشيات المدعومة من إيران لدمشق، واحتلال الشبيحة للساحل السوري، كما ينسى احتلال النظام للدولة، واحتلال الأسرة للحكم، وبطبيعة الحال يغض الطرف عن الاحتلال الإسرائيلي الذي اقتطع أرضًا سورية منذ عقود.

ثانيًا، هو يرفض إنشاء منطقة آمنة، ويتجاهل أنه السبب الأساس في قيامها، وأن حربه العشوائية والشعواء ضد الشعب، واستخدامه الطيران والبراميل والكيمياوي وغيرها من الأسلحة المحرمة، هي السبب في طلب كل سوري -منذ ست سنوات- منطقة آمنة في محافظته، أو ممر آمن يمرّ عبره المدنيون الهاربون من جحيم براميله أو الخائفون من أفرانه البشرية.

ثالثًا، هو يرفض “رفضًا قاطعًا ومُطلقًا” فرض دول أخرى إرادتها على ما يُعتقد أنه سيصل إلى نحو 15 بالمئة من مساحة سورية، وهو يذكّر كلّ سوري بموقف نظام “الممانعة والصمود”، أبًا وابنًا، منذ خمسة عقود حتى اليوم، الذي صدّع رأس السوريين بأنه يرفض ويشجب ويدين ويستنكر، ولا يفعل شيئًا بعد كل تظاهراته و”مرجلاته” الكلامية.

نعم… سورية محتلة، محتلة منذ انقلاب الأسد الأب وسيطرته على الحكم بالقوة، وقضائه على خصومه وبعض رفاقه، وتحويله سورية إلى دولة أمنية، وتحكم الاستخبارات في مصاير العباد، وإنهائه الحياة السياسية، وتهميشه المجتمع، واستئثاره بالسلطة، وتحويل البلد إلى إقطاعات له ولأزلامه، وتعميمه الطائفية والتمييز واللا عدل، واحتقاره القانون، وتغييره الدستور، وجمعه كل السلطات بيده، ونهب نظامه أموال سورية، ثم تدمير وريثه ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

سورية محتلة الآن، ولن يكون هناك جلاء لمستعمر خارجي قبل جلاء الداخلي، ولا تحصل الدول على استقلالها إلا بعد أن يقودها رجال همّهم الوطن والشعب، ولا يتخلص شعب من المستعمر إلا بعد أن يُطيح بمن أتى به، وهذه حقائق يخشى كثير من السوريين البوح بها، على الرغم من أنها حقائق التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق