تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

قوات النظام تسيطر على أجزاء واسعة من خان شيخون

شهدت مناطق جنوب إدلب، أمس الاثنين، مواجهات عنيفة، بين فصائل المعارضة المشاركة في عمليات (الفتح المبين) وقوات النظام والميليشيات المساندة له، حيث تمكّنت الأخيرة، بغطاء جويّ روسي وقصف مدفعي مكثف، من توسيع نفوذها بالسيطرة على مناطق استراتيجية في محيط مدينة خان شيخون، ومن ثمّ تمكنت من الدخول إلى الأحياء الشمالية والغربية من المدينة.

وقال مصدر عسكري لـ (جيرون): “إن قوات النظام وميليشيات من (الفيلق الخامس) و(حزب الله اللبناني)، شنّت هجومًا عسكريًا من جهة حاجز الفقير، الواقع على الأطراف الغربية لمدينة خان شيخون، باتجاه تل النمر الواقع على الأطراف الشمالية للمدينة، وتمكنت من السيطرة عليه، بعد غارات جوية مكثفة طالت مواقع فصائل المعارضة”.

وأشار المصدر إلى أن “تل النمر يمتاز بأهمية استراتيجية كبيرة، لإشرافه على الطريق الدولي بمسافة تقدر نحو 8 كم، ولكونه يكشف الأحياء الشمالية والغربية لمدينة خان شيخون، الأمر الذي سهّل تقدّم قوات النظام باتجاه الأحياء السكنية الشمالية والغربية للمدينة، ثم السيطرة عليها بالكامل، وبذلك تكون قوات النظام قد أطبقت الحصار على نقطة مراقبة خفض التوتر في مورك، ومدينتي اللطامنة وكفرزيتا في ريف حماة الشمالي”.

تزامن تقدّم قوات النظام والميليشيات المساندة له باتجاه تل النمر الاستراتيجي، مع دخول رتل عسكري تركي مؤلف من 28 آلية، بينها دبابات وسيارات ذخيرة، إلى مناطق جنوب إدلب، عبر الطريق الدولي الواصل بين مدينة معرة النعمان وخان شيخون، بهدف إقامة نقطة عسكرية في تل النمر، لتأمين خطوط إمداد القوات التركية، في نقطة مراقبة خفض التوتر التاسعة في مورك شماليّ حماة، إلا أن طائرات روسيا والنظام تعمدتا إعاقة سير الرتل، واستهدفت الطريق الدولي بعدة غارات جوية، ما أدى إلى مقتل عنصر من (فيلق الشام)، وإصابة 7 آخرين من المقاتلين الذين كانوا برفقة الرتل، فيما استغل النظام إعاقة عبور الرتل التركي، وأحرز تقدمًا على تل النمر الواقع على الأطراف الشمالية لخان شيخون، وما يزال الرتل التركي متوقفًا بالقرب من بلدة حيش (التي تبعد من خان شيخون مسافة 11 كم) حتى هذه ساعة إعداد التقرير، نتيجة شدّة القصف.

في المقابل، كبّدت فصائل المعارضة قوات النظام، خسائر بشرية على محوري مدينة خان شيخون جنوب إدلب، وتل سكيك جنوب شرق المدينة، وقتلت نحو 30 عنصرًا، إضافة إلى تدميرها عدّة آليات ثقيلة، من بينها دبابة ورشاش عيار 23 مم.

وبحسب محللين، سعت روسيا خلال الأيام الماضية، إلى زجّ قوات لها في جنوب إدلب، بغية السيطرة على مدينة خان شيخون، كونها تمتاز بأهمية استراتيجية كبيرة، لوقوعها على الطريق الدولي (M5) الواصل بين (حلب – دمشق – اللاذقية)، وضمان عدم وصول فصائل المعارضة إلى مناطق ريف إدلب الجنوبي، إضافة إلى إطباق الحصار على معظم مناطق ريف حماة الشمالي، ومن بينها نقطة مراقبة خفض التوتر التركية في مورك، ومدينتي كفرزيتا واللطامنة، أهمّ معاقل (جيش العزة) في المنطقة.

يرى العقيد والمحل الاستراتيجي مصطفى فرحات أن ما يحصل في شمال غرب سورية هو “حرب عالمية، تُدار بواسطة أدوات تتبع لدول عظمى وأخرى إقليمية”. وقال في حديث إلى (جيرون): “لا يمكن لروسيا أن تصدّر نفسها للمجتمع الدولي، بعد تسع سنوات من بدء الثورة السورية، على أنها منتصرة، من دون تحقيق الحد الأدنى من ربط العاصمة الاقتصادية (حلب) مع العاصمة السياسية (دمشق)، لذا تعمل روسيا على عدّة مستويات، أولها إحكام سيطرة قواتها على الطريق الدولي (حلب – دمشق – اللاذقية)، وهذا ما نراه من خلال مشاركة قواتها في القتال جنوب إدلب، بغية الوصول إلى مدينة خان شيخون، وتأمين الطريق الدولي بالدرجة الأولى”.

وأشار فرحات إلى أن “العلاقة بين تركيا وروسيا تراوح بين مد وجزر، وعندما يتقارب الجانب التركي مع أميركا، نجد أن الروس يمتعضون من هذا الموضوع، ويبدؤون بشكل أو بآخر بعملية إعادة حساباتهم، خاصة أن العلاقات الأميركية – التركية حاليًا جيدة ومتقاربة، خاصة في ملف شرق الفرات، ولربما يكون هنالك نواة مشتركة لتأسيس حكومة انتقالية، قد يكون مقرها في محافظة دير الزور، وهذا ما يثير غضب روسيا من اتفاقية شرق الفرات، ويدفعها إلى الانتقام من تركيا بعملية عسكرية على منطقة خفض التصعيد الرابعة التي نشهدها اليوم”.

حول المعارك الدائرة في عمق (المنطقة المنزوعة السلاح)، في جنوب إدلب وشمال حماة، أوضح فرحات أن “تركيا ترفض دخول الروس والنظام إلى الشمال السوري، وما زالت تعوّل على وجود تفاهمات وقواسم مشتركة بينها وبين روسيا، لتأمين خطوط الدوريات بحراسات معينة، ويبقى الشمال السوري في إطار الحل النهائي، إلا أن روسيا لا ترغب في إنجاز حلول سياسية، وتريد إخضاع المنطقة بالكامل، كما فعلت في مناطق جنوب سورية، وهذا الأمر غير متاح ويصعب عليها تطبيقه، لأن ما تمتلكه فصائل المعارضة في شمال سورية مختلف عمّا كانت الفصائل تمتلكه في الجنوب، سواء من حيث العتاد والأسلحة أو الروح المعنوية”.

ورجّح فرحات أن “يكون هنالك صيغة تفاهم، خلال الساعات القادمة، لإعادة النظر في (المنطقة المنزوعة السلاح) بين الأطراف المتنازعة، ومن الممكن أن يكون الطريق الدولي (حلب – دمشق – اللاذقية)، من ضمن هذه الترتيبات، وبالتالي يتم فتح الطريق الدولي بإشراف تركي، أو يُكلف فيها فصائل محايدة أو قوة عسكرية مشتركة روسية – تركية”.

من جانب آخر، يرى محمد منير الفقير، الباحث في مركز جسور للدراسات، أن “اتفاق سوتشي في وضعه السابق أصبح في مهب الريح، نتيجة وجود عدّة محاولات من كافة الأطراف الدولية، لتثبيت وقائع جديدة تُنتج (مؤتمر سوتشي) جديد”، وقال لـ (جيرون): إن “روسيا تتجه إلى فرض واقع جديد، يُمكّن النظام من بسط سيطرته على كامل الأراضي السورية، كما حصل في السابق في الغوطة الشرقية ودرعا وغيرها، وهذا ما يشكّل خطورة على أكثر من 5 ملايين نسمة يرفضون عودة نفوذ قوات النظام إلى إدلب”.

وتابع: “هناك معضلة أخرى، تتمثل بالدور التركي في مستقل سورية، إن أصبحت إدلب تحت سيطرة النظام، حينذاك لن يبقى للوجود التركي أي معنى سياسي وعسكري في مناطق (درع الفرات – غصن الزيتون)، في ظل عدم وضوح الاتفاق (التركي – الأميركي) في شرق الفرات، وبالتالي ستخرج تركيا من المعادلة السورية بشكل كامل”.

بخصوص آخر التطورات العسكرية في جنوب إدلب، أشار الفقير إلى أن “تركيا تحاول تثبيت نقاط مراقبة عسكرية جديدة لها في جنوب إدلب، لمنع فرض الحصار على نقطة مراقبة خفض التوتر في مورك شماليّ حماة، إلا أن النقطة باتت محاصرة بعد تقدم النظام الأخير على تل النار، المحاذي لمدينة خان شيخون من الجهة الشمالية، وحاجز الفقير المحاذي للمدينة من الجهة الغربية، وصولًا إلى الأحياء الشمالي لمدينة خان شيخون، أي أن تركيا أصبحت في مواجهة حرجة بعد توسّع قوات النظام في السيطرة، وضعتها أمام خيارين: إما أن تزوّد فصائل المعارضة بأسلحة نوعية، تمكنهم من فكّ الحصار عن ريف حماة الشمالي، أو التدخل المباشر للقوات التركية، وهذا مُستبعد كونه يُسبب مشكلات كبيرة دولية، وإما انسحاب النقطة التركية من مكان موضعها في مورك”.

وأضاف: “وضعت تركيا نقطة عسكرية جديدة لها، في قرية (معر حطاط) القريبة من مدينة خان شيخون، وعلى الرغم من هذا بات موقفها صعبًا، بالنسبة إلى نقطة مورك، لعدم قدرتها على تأمين خطوط إمداد قواتها هناك، لذا عليها أن تقوم بزيادة دعم فصائل المعارضة بالأسلحة النوعية، لرد تقدم النظام عن المواقع التي سيطرت عليها أخيرًا، والانتقال خطوة إلى الأمام لإحداث نقطة عسكرية جديدة، تمكّنها من تأمين خطوط إمداد قواتها في مورك”، لافتًا إلى أن “روسيا سعت كثيرًا للسيطرة على مدينة خان شيخون، بهدف تحجيم الدور التركي في الملف السوري، لذا على تركيا أن تتخذ خطوة من أجل الحفاظ على منطقة خفض التصعيد الرابعة، باللجوء إلى تقديم تنازلات في ملفات مرتبطة في اللجنة الدستورية أو غيرها”.

وأشار الفقير إلى أن “خطة روسيا والنظام العسكرية على منطقة خفض التصعيد الرابعة، من المتوقع أن تتوقف عند خان شيخون، والانتقال إلى المرحلة الثانية بتحصين تلك المناطق، لمنع فصائل المعارضة من الوصول إليها، ومن ثم فتح معركة باتجاه اللاذقية وصولًا إلى جسر الشغور، وبالتالي يكون النظام وروسيا قد سيطرا على خان شيخون وجسر الشغور، أهمّ نقطتين استراتيجية واقعتين على الطريق (M4-M5).

يشار إلى أن قوات النظام والميليشيات المساندة له تحاول، منذ أكثر من 15 يومًا، التقدم على جبهات ريفي إدلب الشرقي والجنوبي بدعم جوي من طائرات روسيا، سعيًا منها للوصول إلى مدينة خان شيخون الواقعة على الطريق الدولي (دمشق – حلب – اللاذقية) والسيطرة عليه.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق