كان المقرر لناقلة النفط الإيرانية (أدريان داريا 1) التي تحمل مليوني برميل نفط، بقيمة 140 مليون دولار، أن تصل شحنتها إلى سورية، وقد أفرجت بريطانيا عن الناقلة في جبل طارق، بعد تعهد طاقم السفينة بعدم نقل النفط إلى سورية، وقد استولت عليها سلطات جبل طارق في الرابع من تموز/ يوليو 2019، بسبب الدعاوى الأميركية بأنها متجهة إلى سورية، لأن ذلك ينتهك العقوبات الأميركية التي فرضتها على النظام السوري، وفق قانون قيصر الذي أقره الكونغرس ومجلس الشيوخ الأميركيين، وكذلك ينتهك العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي ضد سورية، وهي تهمة رفضتها إيران. وبالمقابل عدّ جون بولتون (مستشار الأمن القومي الأميركي) أن الولايات المتحدة تلاحق السفينة في البحر المتوسط، وتمنعها من الرسو في أي ميناء لأي دولة، في إطار حملتها لمنع إيران من تمويل الإرهاب وزعزعة الاستقرار العالمي وكسر العقوبات الدولية.
في الحقيقة، تهدف الولايات المتحدة من هذه الحملة ضد السفينة التائهة بالمتوسط إلى إرسال ست رسائل مهمة:
الرسالة الأولى: الولايات المتحدة سيدة المتوسط وليست روسيا في حميميم، حيث يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عبر جرائمه في سورية واستعراضه للقوة ضد المدنيين العزل في إدلب، أن يقول إنه ثبّت أقدامه في سورية، وإنه يتحكم في سياسات الشرق الأوسط عبر التلاعب على كافة الحبال الإقليمية، وأن لديه أقدامًا في المتوسط عبر قاعدة حميميم في اللاذقية واستئجار ميناء طرطوس لنصف قرن، والإيهام أنه لاعب مهم في البحر المتوسط، وفي الشرق الأوسط، لكن رسالة (أدريان داريا 1) تثبت أنّ أقدام بوتين قصيرة في المتوسط، فالسفينة تائهة في عرض البحر، ولا علاقة لروسيا بها بل إنها محيّدة تمامًا عن تلك القضية، وأن المتوسط هو بحيرة أميركية فعليًا.
الرسالة الثانية: تقويض الجهود الأوروبية في التوسط بين الولايات المتحدة وإيران، حول اتفاقات الأمن النووي والإقليمي، لأن الولايات المتحدة تعتبر أن أموال هذا النفط الإيراني ستكون عائدات للحرس الثوري الإيراني، الذي تصنفه منظمة إرهابية، على عكس الاتحاد الأوروبي، وبالتالي هناك ضرب لأي محاولة أوروبية لخلق حوار أميركي إيراني محتمل، بخصوص إعادة البحث حول الاتفاق النووي، أو تخفيف تصاعد التوتر الإقليمي على مختلف جبهات الصراع العربي الفارسي من جهة، والصراع الإيراني الإسرائيلي من جهة أخرى.
الرسالة الثالثة: الولايات المتحدة ترسل رسالة للعرب بكبح تطبيعهم مع النظام السوري، فقد تتفهم الولايات المتحدة، بعد حوادث السفن التجارية بالخليج، محاولات بعض الدول العربية المجاورة لإيران فتح قناة سورية للتفاوض مع الإيرانيين، في حال انفلات الأوضاع بالخليج العربي. لكنها في الوقت ذاته توعّدت بتقويض النظام السوري وتغييره، وهددت بأن كل من يتعامل مع النظام السوري ستطاله العقوبات الأميركية، سواء كان المتعامل شركات ومؤسسات أو أفرادًا.
الرسالة الرابعة: للدول المتنازعة على حقول الغاز في المتوسط، حيث تتنازع عدد من الدول حول اقتسام الذهب الأزرق شرق المتوسط: الكيان الصهيوني واليونان ومصر وقبرص اليونانية من جهة، وتركيا وقبرص التركية من جهة أخرى، في حين تغيب كل من لبنان وسورية عن هذه القسمة، للظروف التي تعيشها سورية حاليًا، وبالتالي يبدو أن الحل والربط لن يكون إلا أميركيًا بهذا الخصوص.
الرسالة الخامسة: تنفيذ العقوبات الأميركية على النظام السوري، فقد شكلت ناقلة النفط الإيرانية (أدريان داريا 1) التي كانت تسمى قبل الاستيلاء عليها في جبل طارق التابع لبريطانيا (غريس 1) فرصةً ذهبيةً، لتؤكد الولايات المتحدة جدية عقوباتها المفروضة على النظام السوري، وأنها تعمل على تقويض هذا النظام المرتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وأنها ستلاحقه بكل مكان، فالولايات المتحدة تسيطر فعليًا على النفط السوري، شمال شرقي سورية، وتنشر قواعدها شرقي الفرات، ولم تنهِ أو تقرر إغلاق الملف السوري، فهي تعيده للواجهة العالمية لتذكير الفاتيكان المطبّع أخيرًا مع النظام، واليمين الفرنسي والأوروبي عمومًا، والمجتمع الدولي، بأن الملف السوري ما زال أميركيًا بامتياز.
الرسالة السادسة: كبح حرب الناقلات التي تشنها إيران بالخليج العربي وبحر العرب، والإمعان في حصار إيران عبر نقل حرب الناقلات خارج دائرة قواتها وتهديداتها أي الخليج العربي ومضيق هرمز، بعد الهجمات التي شنتها على ستّ سفن تجارية بالخليج العربي، واحتجاز سفينة بريطانية، وتهديد بشكل مباشر أو غير مباشر لحاملة طائرات أميركية، فضلًا عن القواعد الأميركية بالخليج.
أمرت الولايات المتحدة في البداية اليونان بعدم استقبال الناقلة الإيرانية في موانئها، ثم عممت الأمر على كامل البحر الأبيض المتوسط، في الوقت الذي زعمت فيه إيران أن هذا النفط مُباع، بينما تلاحق أميركا السفينة وتراقب تحركاتها للاستيلاء عليها، فمن هو المشتري الخفي أو تاجر الموت الذي عليه مواجهة القرار الأميركي؟!