طوال سنوات، استهدفت “إسرائيل” مواقع عسكرية في سورية، تقول إن إيران تستخدمها لنقل الأسلحة المقدّمة إلى قواتها التابعة لها قرب الحدود الفلسطينية، وفي الأسابيع الأخيرة، توسعت تلك الحملة لتشمل العراق ولبنان، حيث بات هدف “إسرائيل” تقويض التوسع الإيراني في محيطها العربي، بضرب أذرعها الشيعية، مثل (الحشد الشعبي) في العراق، و(حزب الله) في لبنان، والحوثيين في اليمن.
المعروف أن (حزب الله) وهو ميليشيا مدعومة من إيران، ظهرت أول مرة في ثمانينيات القرن الماضي إبان الاحتلال الإسرائيلي لجنوبي لبنان، لكنها بعد ثورة الأرز، في إثر اغتيال الحريري عام 2005، وانسحاب القوات السورية من لبنان، تطورت لتصبح قوة مهيمنة على مفاصل الدولة اللبنانية، إضافة إلى كونها جماعة طائفية مسلحة أكثر كفاءة من الجيش اللبناني، خاصة بعد حرب تموز/ يوليو 2006، وانقلاب أيار/ مايو 2007، الذي اعتُبر ضربة قاسمة لثورة الأرز، وثورة مضادة أولى لإنهاء عام كامل على استقلالية الدولة اللبنانية وعودة الروح لديمقراطيتها، حيث انقضّ (حزب الله) بدعم سوري إيراني، على ما تبقى من عودة الحياة لعاصمة الحرية والثقافة العربية بيروت، إضافة إلى تورطه في عمليات اغتيال طالت العديد من الشخصيات التي عبّرت عن ربيع الأرز آنذاك. ثم شارك (حزب الله) في تدمير ربيع الثورة السورية، ودعم حليفه نظام الأسد، وتورّط بثورة مضادة ثانية حين شارك في قتل وتدمير الشعب السوري وتطلّعه إلى الحرية والتخلص من نظام الأسد، فأوغل بالمجازر التي طالت النساء والأطفال ومارس عمليات التهجير. وبالتالي كان شريكًا أساسيًا في ارتكاب مجازر ضد الإنسانية وجرائم حرب في سورية، على عكس ما يروّج له من شعارات “المقاومة والممانعة، وتحرير القدس”.
كانت “إسرائيل”، طوال سنوات الثورة السورية، تستخدم الأجواء اللبنانية، لقصف المواقع التابعة لإيران داخل الأراضي السورية، ولكنها غيّرت خلال الأسابيع الأخيرة إستراتيجيتها والوضع الجيوسياسي، بتوسيع دائرة ضرباتها المعلنة وغير المعلنة، مستفيدة من غرق إيران في المستنقع السوري، وحصار الولايات المتحدة الشديد لها بعد إلغاء الاتفاق النووي معها، والصراع العربي الإيراني على أكثر من جبهة، لتدخل مرحلة الحروب الخمسة مع “حزب الله”، لتحقيق سبعة أهداف.
ما هي الحروب الخمسة بين “إسرائيل” و”حزب الله”؟
حرب بالوكالة: يُعدّ الصراع الإسرائيلي – الإيراني على الأراضي العربية دليلًا على ضعف العالم العربي وانكفاء مشروعه، بعد وأد العديد من الثورات العربية، وتشترك “إسرائيل” وإيران في مصلحة دعم الثورات المضادة، ولكنهما يتصارعان للسيطرة على المنطقة العربية. وبالتالي فهما في حالة حرب بالوكالة، والذراع الأبرز لتلك الحرب هو مواجهة ميليشيا “حزب الله” في الشمال، وحركة (حماس) في الجنوب.
حرب مستمرة: منذ عدة عقود، انحسر التيار القومي العربي الذي تعرّض لانتكاسات حادة نتيجة وجود أنظمة وظيفية استخدمت القضية الفلسطينية كشماعة لشرعنة سلطتها، لمصلحة شعارات ثورة الملالي في طهران التي أعلنت “الموت لأميركا والموت لإسرائيل”، لشرعنة توسعها بالعالم العربي، وباتت تشكل تهديدًا فعليًا لوجود “إسرائيل” في بعض اللحظات، لكن المعروف أن إيران تعاونت مع “إسرائيل” في حربها ضد العراق، في ثمانينيات القرن الماضي، كما قضت الولايات المتحدة على أكبر عدوين لإيران: في الشرق أي أفغانستان طالبان، وفي الغرب أي عراق صدام حسين، وقد مهّد ذلك لها الطريق لاحتلال أربع عواصم عربية، لوأد أي نهضة لأي ربيع عربي، وأدى إلى انقلاب الأوضاع ضد مصالح الكيان الصهيوني.
حرب الجبهتين: فتحت “إسرائيل” بتدخلها في لبنان جبهة ثانية، في مواجهتها ضد “حزب الله”، فبعد استهداف مواقعه في سورية، استهدفته في مركز وجوده بالضاحية الجنوبية في بيروت، عبر طائرات من دون طيار، الأسبوع الماضي، والحديث عن قيام قوات خاصة إسرائيلية بعملية داخل الضاحية، ثم المواجهة، أول أيلول/ سبتمبر 2019، عبر افتعال استهداف (حزب الله) لعربة تابعة للجيش الإسرائيلي على الشريط الحدودي للجنوب اللبناني، لتبرير قصف شبعا وتلا كفرشوبا وعدة مناطق بجنوب لبنان، لقلب الطاولة وتمرير رسائل جدية ووضع جديد بالصراع.
نمذجة حرب غزة: بعد انسحاب “إسرائيل” من غزة عام 2004، وانقسام الفلسطينيين فيها، وسيطرة (حماس) على غزة على حساب (فتح)، حصلت عدة حروب بين “إسرائيل” و(حماس)، وتعتبر “إسرائيل” نموذج حربها المستمرة في غزة ناجحًا، من حيث حصار غزة الخانق، ومنع وحدة الصف الفلسطيني، والاستخدام السياسي لورقة غزة في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من جهة، والإسرائيلي الإيراني من جهة أخرى. والخطاب الداخلي الإسرائيلي، وبالتالي ترى “إسرائيل” أن سيطرة “حزب الله” على الدولة اللبنانية منذ انقلاب 2007، وغرقه في المستنقع السوري منذ 2011، سيخلق انقسامًا لبنانيًا – لبنانيًا حادًا، في حال وجود جبهة مفتوحة ومستمرة مع لبنان.
حرب إعلامية: فقد (حزب الله) ثقة ودعم الشعب السوري، منذ تدخله لمصلحة النظام السوري ضد ثورته، وأصبحت خطابات حسن نصر الله جوفاء، وفتحت المجال لسخرية السوريين، ولم يعد أحد يضيع وقته للاستماع إليه، عكس ما حصل عام 2006، عندما فتح السوريون أبوابهم وقلوبهم لجمهور “حزب الله” من الشيعة اللبنانيين، الذين عادوا لسورية عام 2011 مسلّحين بالحقد الطائفي، وهو ما أفسح المجال لـ “إسرائيل” لتواجهه مجددًا، برضًا شعبي عربي ساخر من أكاذيب ودجل ميليشيا إيران في لبنان.
ما هي أهداف “إسرائيل” السبعة في حربها ضد (حزب الله)؟
إسقاط الهلال الشيعي: تحاول إيران إظهار نفسها دولة عظمى بالمنطقة، وتتوسع لخدمة مشاريعها، عبر نشر التشيع ودعم الطائفية الشيعية بالعالم العربي، وخلق أنظمة نسخة عنها في العراق وسورية واليمن، بعد نجاح نموذج سيطرتها وحكمها للبنان العربي، وبالتالي فإن إسقاط الحكم الإيراني النموذجي، كما تراه طهران في بيروت، سيؤدي بالضرورة -بحسب نظرية الدومينو السياسية- إلى إسقاط خلق نموذج إيراني في دمشق وبغداد وصنعاء.
تغيير الستاتيكو منذ 2006: الرسائل الإسرائيلية في التدخل المباشر بلبنان تعني تغيير الوضع القائم منذ عام 2006، على الرغم من أن حرب 2006 خلقت منطقة عازلة لا تختلف فعليًا عما كانت عليه قبل انهيار جيش لبنان الجنوبي الشهير بـ (جيش لحد) عام 2000، الذي خلقته “إسرائيل” عام 1976، فقد كانت قوات اليونيفيل الدولية تسيطر على تلك المنطقة، وتحافظ على هدوء “حدود إسرائيل” الشمالية، منذ 2006.
تجميد 1701: القرار الدولي الشهير 1701، أدى إلى وضع حد لحرب تموز/ يوليو 2006، وكان عمليًا لمصلحة “إسرائيل”، فقد انسحبت ميليشيا (حزب الله) إلى ما وراء الخط الأزرق، وتمّ ضمان أمن “إسرائيل”، لكن التحول للمواجهة يعني تجميد هذا القرار لغايات أبعد، فقصف مصنع أسلحة إيراني في دمشق أدى إلى اعتراف (حزب الله) بمقتل عنصرين من عناصره فيه، وقد أعلنت “إسرائيل” أن هذا المصنع يقوم بتجهيز أسلحة لتنفيذ هجمات ضدها. ومن ثم نقل المعركة للضاحية فالجنوب اللبناني، يعني أن “حزب الله” منهك من تورطه بالمستنقع السوري، وأنه معزول هذه المرة، ولا حاضنة فعلية له لتدافع عنه وتشرعنه.
حرب الجبهات الإسرائيلية الأربعة: بعد تنفيذ “إسرائيل” لعملية عينتابي عام 1976، أعلنت أنها تمتلك أذرعًا طويلة، وأن بإمكان طيرانها نقل قواتها في عمق العالم العربي وصولًا لإفريقيا، ثم تدمير مفاعل تموز بالعراق عام 1983، وقيامها بضرب المفاعل النووي السوري في دير الزور عام 2007، وبعد الثورة السورية والصراع السوري الذي بات إقليميًا ودوليًا بامتياز، كانت الجبهة السورية مفتوحة للطيران الإسرائيلي، بمعدل 11 هجمة بالشهر الواحد، على مدى سنوات، لتتوسع اليوم في العراق ولبنان، حتى إن صحيفة (معاريف) الإسرائيلية أعلنت، قبل أيام، أن “إسرائيل” تشارك في حرب اليمن، لحماية مصالحها بالبحر الأحمر، التي تهددها إيران. كما ذكرت الصحيفة.
التطبيع مع العرب: تسعى “إسرائيل” لاستثمار الصراع العربي الفارسي، وإظهار أن لديها مصلحة مشتركة مع العرب ضد إيران، وغايتها كسب التطبيع مع الأنظمة العربية، لضمان مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة، وإظهار أنها جزء من شعوب هذه المنطقة، وتشارك في الحل والربط في قضاياها.
الجبهة الخامسة الحتمية: لا يستبعد المراقبون والمحللون قيام “إسرائيل” بضربات جوية بالعمق الإيراني، سواء بالتحالف مع الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، أو بقيامها بتلك المهمة بشكل انفرادي، بسبب أنها قامت بتنفيذ ضربات فعلية استهدفت إيران، في سورية والعراق ولبنان واليمن، وبالتالي فلا شيء يمنعها من نقل المعركة لضرب قلب إيران. على الرغم من أنها تبرر ضرباتها للقوات الإيرانية في سورية، بأنها ساهمت في تقليل هذا التواجد العسكري، ولولاها لأصبح عدد الحرس الثوري الإيراني في سورية 100 ألف عسكري.
صفقة القرن وحل الهلال الخصيب: تم طرح الهلال الخصيب منذ خمسينيات القرن الماضي، أو ما عُرف بمشروع أيزنهاور، وتمت مواجهته ورفضه من الشعوب العربية وإسقاط حلف بغداد الذي جسده، عاد هذا المشروع بطريقة مختلفة، وبتنازلات عربية أكبر هذه المرة، وظهر باسم “صفقة القرن”، بغاية تحقيق حلم الصهيونية القديم: “من الفرات إلى النيل”.
تعدّ إيران وأذنابها أفضل من ينفذ مشاريع “إسرائيل”، فهي فزاعة جيدة لتمرير المشروع الصهيوني، وعدو مناسب لخدمة مصالح الولايات المتحدة، وتحقيق أطماع “إسرائيل” بالمنطقة العربية.