تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

قواعد الاشتباك.. قذيفة للعدو ومليون للسوري

منذ بدأت الثورة السورية بالتبلور قبل ثمانية أعوام، ومنذ بدأت مخططات إجهاضها والتآمر عليها تأخذ أشكالًا عملية أفضت إلى شن عمليات الإبادة الجماعية والتهجير والتدمير والقتل، التي مارسها ولم يزل نظام بشار الأسد مع حلفائه في موسكو وطهران، مع دعم بعض المنظومة العربية والغربية المنافقة له، كان التحدي الأبرز الذي يواجهه الشعب السوري وعمقه، في الشارع العربي المقموع، يمثل أكبر التحديات التي واجهها طوال خمسة عقود، ولا شك في أن الجوانب السياسية، والمفاهيم التي ارتبط ذكرها بالصراع الدائر بين الشعب السوري والطاغية في دمشق، لا تمثل إلا بعدًا واحدًا من أبعاد المواجهة.

لن نضيف جديدًا، إذا تحدثنا عن سقوط المفاهيم التي كانت سائدة، والتي ارتبط بعضها بشعارات النظام السوري وحلفائه، وبقضية “الصراع والاشتباك مع العدو”، وربطها بشعارات التوازن الاستراتيجي وتوازن الرعب، وتمتين الجبهة الداخلية وإلى ما هنالك من مصطلحات، أضحت في سلة التاريخ، وربما لا نبالغ إذا قلنا إن مختلف القضايا التي ارتبطت مع مطالب السوريين وحريتهم، وبالطبع مع مطالب بقية الشارع العربي، قد تطورت إلى حدود نسفها من عقل الإنسان العربي، بالشكل الذي كان سائدًا، وبالتوقف عند الفهم الصحيح لمختلف أبعاد المواجهة. ولا شك في أن التأثيرات المختلفة للثورة السورية، على مختلف أوضاع النظام الرسمي العربي، تمثل أحد الأبعاد المهمة والحادة في تشعب المواجهة.

“المواجهة” التي حصلت قبل أيام على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وأسفرت عن إطلاق عناصر لـ (حزب الله) قذيفة مضادة للدروع على دوريّة للاحتلال، رافقها ضخ إعلامي كبير ركز على مفهوم “قواعد الاشتباك الجديدة”، وكمّية الاتصالات المحلية والإقليمية التي أسفرت بعد ساعتين عن عودة الهدوء والحياة إلى طبيعتها، في المستوطنات الشمالية من فلسطين المحتلة. وفي تلك الأثناء، كان السوريون في الشمال يهيمون على دمائهم من قذائف النظام و(حزب الله) وروسيا، وكان عشرات الآلاف يكملون رحلة التهجير والفرار من آلاف القذائف التي دمّرت ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم.

ارتبط الترويج الدائم لـ “قواعد الاشتباك” مع العدو، بشعارات بات يعرفها كل طفل سوري وامرأة ومعتقل، وعرفها من قبل المنكوبون بأنظمة تكديس السلاح ليوم المواجهة العظيم مع الشعوب العربية في الشوارع والميادين، وبتلك العلاقة التاريخية المعروفة، بين توازن الرعب والأمن في نفوس السوريين لتأمين كرسي الطاغية، تتضح دعائم وعي السوريين بزيف تلك الشعارات.

غني عن التفصيل، الحديث عن العلاقة الواضحة لـ (حزب الله) مع نظام الأسد وطهران، ومشاركته في ذبح وتشريد آلاف السوريين، ومشاركته في تدمير قراهم ومدنهم، والحقيقة أن العلاقة الواضحة بين فرض الاشتباك والشعب السوري، هي العلاقة الطبيعية التي تجمع طاغية بكل مافيات القتل والنهب والتعفيش. ولن تدفعنا تلك العلاقة إلا نحو الاعتقاد والإيمان بأن جامع هذا التحالف والإسناد بين نظام الأسد، ومجموعة العصابات والمرتزقة المتسلحين باهتراء الشعارات، لن يغيّر من واقع الحال، حتى لو خاض الأسد حربًا مع العدو المحتل لأرضه، وحتى لو استطاع (حزب الله) التغلغل في مستوطنات الشمال، كل ذلك لن يرفع عنهما وزر الجريمة وثقل الدم عن كاهليهما.

لم تعد تنفع تحرشات افتعال “البطولة”، ولا مفاهيم تقديم الذات كـ “رائدة مقاومة”. عبء الجريمة وثقل الدم أعلى بكثير، وساحات وميادين وقرى وحواري سورية مثقلة بإجابات وبديهيات لا يمكن طمسها، حتى لو استعمل حزب الضاحية الجنوبية وولي الفقيه في طهران كلّ وسائل القتل، وحتى لو استحضر بوتين قوات احتلاله على الأرض، وبسط الأسد بمعيتهم سيطرته على كامل سورية، فسيبقى مجرم حرب، ويبقى كل من سانده ودعمه قاتلًا ومجرمًا، والبطولة وحدها ستبقى لمن ثار عليهم، وهزم كل ثرثرات الاشتباك، ونجا من ملايين البراميل والزنازين.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق