ثورة السوريين ثورة “حرية وكرامة”، لكنها في عمقها قامت من أجل حكم رشيد ديمقراطي، ينظم القوانين الحاكمة لآليات السوق والوظيفة الاقتصادية والسياسية للدولة.
يعكس “رشاد الحكم وديمقراطيته” مستوى العلاقة بين السلطة والمجتمع، أي بين الحاكم والمحكوم، والسلطة التي تتبنى هذا المبدأ تعكس مصالح الشرائح العريضة من المجتمع، وتتبنى الديمقراطية بالمعنى الواسع للكلمة، وفي ظل حكم رشيد؛ يكون الجهاز المؤسسي للسلطة أكثر حصانة في مقاومة عناصر الفساد كي لا يتحول إلى ظاهرة، ويكسر الرابط غير المقدس بين السلطة والمال.
لا ينطوي رشاد الحكم وديمقراطيته على ضبابية ولبس وغموض، ولا يخضع لاجتهادات لغوية، ويعني الآليات والعلاقات والمؤسسات المعقدة التي بواسطتها ينجز المواطن مصالحه، ويمارس حقوقه وواجباته، كما يعني أن الحكم يُمارس في فضاء الشرعية والمشاركة والشفافية والمساءلة، وعبر احترام القانون وسيادته على قاعدة التبادلية بين الدولة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
حين يرشد الحكم؛ يُفترض أن تقوم شراكة حقيقة بين مفاصل الدولة الثلاثة هذه، وأن تتضافر جهودهم من أجل إنجاز أهداف التنمية الاقتصادية والسياسية المستدامة، عبر توفير مناخ المواطنة واحترام حقوق الإنسان، وتوفير المناخ الاستثماري الذي يسهم في توظيف الموارد الطبيعية والطاقات البشرية على نحو أمثل، وفي توزيع الثروة والدخل بطريقة عادلة.
من دون حكم رشيد ديمقراطي؛ لن تستقر سورية، سواء بقي النظام الحالي بالقوة بدعم من حلفائه، أم استلمت المعارضة السورية أيًا كانت السلطة، أم أنتج المجتمع الدولي نظامًا سياسيًا جديدًا لسورية.
الحكم الرشيد الديمقراطي هو الهدف الأهم للسوريين، ولا يمكن لحزب أو تنظيم سياسي أن يرفضه، ولا يمكن لأي نظام -مهما كان شموليًا وتمييزيًا ودمويًا- أن يتجرأ ويقول إنه فكرة تآمرية، ولا يمكن لأي دولة في العالم أن تتهجم على فكرة سامية كهذه تسعى لها كل الدول (ولو نظريًا)، ولا يمكن أخيرًا لمعارضة أن تحلم بالمشاركة في رسم مستقبل سورية دون أن تتبناه.
سيكون هناك مشوار طويل أمام السوريين لتحقيق ذلك، وكما أن النظام السوري لا يمكن أن يستمر دون أن يكون رشيدًا وديمقراطيًا، بدورها المعارضة السورية لا يمكن أن تتقدم دون أن تكون رشيدة وديمقراطية، وعليها استدراك ذلك حتى تستطيع تحقيق نجاح يُذكر.