نشر (منسقو استجابة شمال سورية) قبل أيام، تقريرًا حول عودة نازحين إلى بلداتهم ممّن هربوا من شمال غرب سورية، وتحديدًا ريف إدلب الجنوبي، من جراء الحملة العسكرية التي شنتها روسيا والنظام السوري على المنطقة، والمفاجئ أنهم قالوا إن فقط ما يعادل 3.8 بالمئة من إجمالي النازحين عادوا، بعدد إجمالي يقارب 38 ألف مدني، من أصل نحو 850 ألف نزحوا من المنطقة.
وعلى الرغم من ضآلة الرقم وتواضعه، حذّروا من ضعف العمليات اللوجستية في المنطقة التي لا تتيح المجال الآن لتأمين متطلبات العيش الطبيعي للعائدين، ولا تقديم الدعم الإنساني لهم، مشيرين إلى وجود نحو 1.2 مليون سوري نازح في أكثر من 1153 مخيمًا في المنطقة.
وعلى الرغم من أن مناطق شمال غرب سورية تشهد الآن هدوءًا، بعد وقف إطلاق النار أحادي الجانب الذي أعلنته روسيا في 31 آب/ أغسطس الماضي، فإن جزءًا لا يكاد يُذكر من الهاربين قد عاد إلى المنطقة، بعد نزوحٍ وصفته بعض المنظمات المعنية بأنه أكبر نزوح من مناطق سورية منذ بدء الثورة عام 2011.
ووفق أرقام المنظمات المعنية، فإن عدد النازحين الهاربين من شمال غرب سورية، منذ بداية الحملة العسكرية التي شنها النظام السوري وروسيا على إدلب وحماة، في 2 شباط/ فبراير الماضي، بلغ أكثر من 855 ألف نازح ونازحة، ضمن أكثر من 131 ألف عائلة.
قبل ذلك بنحو عام، أعلن النظام السوري افتتاح معبر نصيب الحدودي بين سورية والأردن، وجهّز حافلات وسيارات إسعاف لنقل آلاف الأشخاص الذين توقّع عودتهم يوميًا، من مخيمات اللجوء البائسة في الأردن إلى وطنهم سورية، وطلبت روسيا من الأردن أن تضغط على اللاجئين السوريين لديها بشكل غير مباشر، لدفعهم إلى العودة لسورية، لكنّ كل هذه الإجراءات لم تنفع، إذ لم يعُد إلى سورية أيّ لاجئ من الأردن، وظلّت الرياح تصفر في المعبر الحدودي الذي لم يشهد دخول أي عدد له معنى حتى اليوم.
الخوف الذي يعمّ السوريين من فكرة العودة تحت سلطة النظام يمنعهم من التفكير في العودة، على الرغم من الظروف الصعبة واللاإنسانية التي يعيشها بعض المخيمات في دول الجوار منذ سنوات. وتقول المعارضة السورية التي تراقب إن أحدًا لن يعود من اللاجئين أو النازحين دون حل سياسي يضمن الأمن لهم.
مفوضية شؤون اللاجئين الدولية أعلنت، قبل سنة، 21 شرطًا يمكن أن تجعل عودة اللاجئين السوريين ممكنة، على رأسها ضمان الأمن والاستقرار، وصدور عفو عن المطلوبين سياسيًا على خلفية معارضتهم للنظام، والتعامل مع مسألة الفارين من التجنيد. وجميع هذه الشروط غير متوفرة في الوقت الراهن، وهو ما يؤكد أن اللاجئين والنازحين لن يعودوا، على المدى المنظور.
وصل عدد المهجّرين السوريين إلى ما يقارب 13 مليون سوري، أي ما يعادل 60 بالمئة من عدد السكان، وهي أكبر نسبة نزوح وتهجير شهدتها دولة في العقود الأخيرة، نزح نصفهم في الداخل، فيما لجأ النصف الآخر إلى خارج سورية.
بلغ عدد مراكز الإيواء المؤقتة في الداخل السوري 3400 مركز عام 2017، معظمها في مناطق لا يسيطر عليها النظام السوري، ومعروف أن معظم النازحين الداخليين هم من المناطق الثائرة، وفضّلوا الهرب إلى مناطق المعارضة بعيدًا جدًا من يد النظام السوري التي يمكن لها أن تعتقلهم أو تقتلهم، حتى لو على الشبهة.
في تركيا، نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري (بحسب إحصاء وزارة الداخلية التركية – 2018)، لا تفكر غالبيتهم العظمى في العودة إلى سورية، وبغض النظر عن مستوى معيشتهم وعملهم هناك، فإنهم يخجلون من مقارنة الحياة في الجارة الشمالية مع الحياة البائسة الخطرة في بلدهم.
في لبنان، أقلّ من مليون لاجئ (وفق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين – 2018)، ويعيش حوالي 60 بالمئة منهم في فقرٍ مدقع، وبأقل من 3 دولارات يوميًا للشخص، ويعاملهم لبنان معاملة عنصرية، ومحرومون من حق العمل وحرية السفر والتنقل، ومع كل هذا لا يريدون العودة إلى سورية.
في الأردن، يوجد مليون ونصف المليون لاجئ، يعيش أكثر من 85 بالمئة منهم تحت خطّ الفقر، ويتعرَّضون للاستغلال، ويعيش كثيرون في ظروف سكن بائسة، ونصف الأطفال تقريبًا لا يذهبون إلى المدارس، ومع هذا، لم يعد منهم سوى العشرات إلى سورية.
أما في مصر، فيقيم 230 ألفًا لاجئ سوري (بحسب إحصائية حكومية – 2018)، وفي السودان 100 ألف، وفي العراق ربع مليون، وبعد ثماني سنوات من الحرب؛ لا يفكر أحد منهم في العودة، ويحاول الجميع التأقلم مع العيش في هذه الدول، طالما لم يحدث التغيير السياسي الذي يضمن أمنهم وعودتهم الكريمة والآمنة.
وليس هناك حاجة إلى الحديث كثيرًا عن أكثر من نصف مليون لاجئ في ألمانيا، و150 ألف في السويد، و50 ألف في النمسا، و100 ألف في أميركا، وعشرات الألوف الأخرى في هولندا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا، الذين يرفضون التفكير في العودة، بعد أن لمسوا الحياة الآمنة والكريمة التي تقدّمها هذه الدول لهم.
تتناسى روسيا أن الغالبية العظمى من اللاجئين والنازحين السوريين، سيعضون على الجرح، وسيبقون في بلدان اللجوء أو في مناطق تشردهم ونزوحهم، طالما أن الحلّ السياسي، القائم على تجاوز النظام الحالي إلى غير رجعة، لا يتقدّم.
الولايات المتحدة وأوروبا أعلنت، بصراحة شديدة، أنها لن تُقدّم دولارًا واحدًا لإعادة الإعمار في سورية، قبل محاسبة النظام على جرائمه، وقبل انتقال سياسي حقيقي في سورية، انتقال يتضمن دستورًا جديدًا وانتخابات عامة شفافة ومراقبة، حتى إن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أعلنت أنها لا تشجّع على عودة اللاجئين الآن، بالرغم من أنها لن تقف في وجه من يريد العودة الطوعية.
من الواضح أن الظروف السياسية والإقليمية والدولية غير مواتية لما يتمناه الروس والنظام، في ما يخص النازحين واللاجئين، فضلًا عن أن قضية هؤلاء ليست مسألة إنسانية محضة، وهروبهم من سورية لم يكن نتيجة كارثة طبيعية، إنما كان هربًا من نظام استبدادي أغلق الأبواب في وجه الحلول السياسية، وانطلق بالحل الحربي الذي قتل السوريين بالجملة، ودمّر سورية دون حساب.
ليس هناك أي ضمان للاجئين ليعودوا، ولا إلغاء للقرارات الأمنية باعتقالهم أو مصادرة أموالهم أو قتلهم، كما أن البنى التحتية في المناطق المدمّرة غير جاهزة لعودة النازحين واللاجئين، ولا استقرار هناك وأمن، ولا كف ليد الأجهزة الأمنية والشبيحة والميليشيات. ومن دون توفر ضمانات دولية كافية لحماية اللاجئين العائدين، وتغيير جذري في تعامل الأجهزة الأمنية، وتغيير في طبيعة النظام الحاكم؛ لن يكون هناك عودة ولا حتى بالحد الأدنى.