الرئيس الجمهوري المُحبط يختار طريق التحدّي والعرقلة والتستر، ويقلّص مجلس الأمن القومي
في وقت يواجه الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب تحقيقًا يقوده الزعماء الديمقراطيون في مجلس النواب، تمهيدًا لمساءلته وعزله، أصدر هؤلاء مذكرةً رسمية تُلزم البيت الأبيض بأن يُسلّمهم بحلول 18 من الشهر الجاري وثائق تتعلّق بقضيّة الاتصال الهاتفي بين ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
جاء ذلك بعد إعلان ترامب، المُحبط بسبب إجراءات العزل التي تُهدّد ولايته وتؤثّر على إمكانيّة إعادة انتخابه رئيسًا في العام المُقبل، أنّه ما يزال غير متأكد إذا ما كان سيتعاون مع الكونغرس في التحقيق الذي بدأه الديمقراطيون لعزله.
وصرّح ترامب، الجمعة، لصحافيين في البيت الأبيض: “لا أعلم، هذا يتوقّف على المحامين”.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، أعلنت على لسان الناطق باسمها جوناثان هوفمان، أنّ “المجلس القانوني في الوزارة أمر جميع مكاتب وزارة الدفاع بتسليمه كل الوثائق والمحفوظات ذات الصلة، من أجل أن تتم أرشفتها ومراجعتها”.
هوفمان أوضح، خلال مؤتمر صحفي، الخميس، أنّ هذا القرار اتُّخذ كإجراء استباقي وليس بضغط من الديمقراطيين في الكونغرس الذين يُجرون تحقيقًا لعزل ترامب، المتهم باستخدام صفقة بيع أسلحة إلى أوكرانيا، كورقة ضغط على كييف لغايات انتخابية.
وأضاف الناطق باسم “البنتاغون” قائلًا: “أنا أفهم أنّ هذه ممارسة شائعة نسبيًا عندما يكون هناك اهتمام كبير من الكونغرس أو المفتش العام بإحدى القضايا؛ فالوزارة تتّخذ إجراءات استباقية لضمان توافر البيانات. وبالنسبة إلي، فإنّه إجراء روتيني، ولكنه استباقي”.
وبيّن هوفمان أنّ وزير الدفاع مارك إسبر لم يشارك في المكالمة الهاتفية بين ترامب وزيلينسكي، التي طلب خلالها الرئيس “خدمة” من نظيره الأوكراني عندما أبلغه الأخير بأنّه يريد شراء صواريخ “جافلين” المضادة للدبابات. وأردف: “لدى الوزير جدول أعمال مثقل للغاية. هو لا يمضي أيامه في الاستماع إلى مكالمات هاتفية لأشخاص آخرين”.
وصادقت واشنطن، الخميس، على بيع صواريخ “جافلين” المضادة للدبابات إلى أوكرانيا.
الديمقراطيون يحاصرون الرئيس لعزله
الزعماء الديمقراطيون، الذين يسيطرون على مجلس النواب الأميركي، كشفوا في مذكرة صدرت عنهم، الجمعة، أنّ البيت الأبيض “رفض التعاون، أو الردّ على طلبات متعدّدة من لجاننا، لتسليم وثائق بشكل طوعي”. مؤكدين أنّه “بعد نحو شهر من التعطيل، يبدو واضحًا أنّ الرئيس اختار طريق التحدّي والعرقلة والتستر”. وتابعوا: “نأسف بشدّة لأنّ الرئيس ترامب وضعنا – مع الأمة – في هذا الموقف، لكن أفعاله لم تترك لنا خيارًا إلا إصدار هذه المذكرة”.
وأطلق الديمقراطيون، في 18 من الشهر المنصرم، الخطوة الأولى في إجراءات عزل ترامب بشبهة أنّه طلب من نظيره الأوكراني التحقيق حول خصمه السياسي جو بايدن، في خطوة نادرة أحدثت زلزالًا في واشنطن لكن فرصها بالنجاح تبقى ضئيلة.
وقالت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي في هذا الصدد: إنّ “ترامب نكث بقَسَم اليمين، بسعيه للحصول على مساعدة دولة أجنبية، لتقويض ترشح بايدن”.
مذكرة الزعماء الديمقراطيين تبعها مطالبة رؤساء 3 لجان في مجلس النواب الأميركي، نائب الرئيس مايك بينس، بتقديم وثائق متعلقة بالاتصالات مع الرئيس الأوكراني.
الرؤساء الثلاثة للجان، وهي الخارجية والاستخبارات والرقابة على السلطة التنفيذية، أمهلوا بينس حتى 15 من هذا الشهر، ليقدّم الوثائق حول لقائه مع الرئيس الأوكراني يوم 1 أيلول/ سبتمبر المنصرم، والاتصال الهاتفي بين ترامب وزيلينسكي يوم 25 تموز/ يوليو الماضي.
واضطر البيت الأبيض لنشر نصّ المكالمة المذكورة، ما دفع خصوم ترامب للذهاب إلى أبعد من ذلك والمطالبة برفع السرية عن مكالماته مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ونفى الرئيس ترامب، البالغ 73 عامًا، أن يكون ارتكب أيّ خطأ في علاقاته مع نظيره الأوكراني، مشددًا على أنّ اهتمامه الوحيد كان “النظر في فساد نائب الرئيس السابق جو بايدن“. وقال في تغريدة: “كرئيس لديّ التزام بمكافحة الفساد حتى لو عنى ذلك طلب مساعدة دول أجنبية.. هذا يحصل طوال الوقت ولا علاقة له بالسياسة والحملات السياسية ضدّ آل بايدن. هذا له علاقة بفسادهم”.
وكان المدعي العام في أوكرانيا روسلان ريابوشابكا، أعلن أنّ مكتبه سيراجع التحقيقات السابقة الخاصّة بمالك شركة الطاقة المرتبطة بنجل بايدن. وقال إنّ مكتبه كان يراجع عددًا من القضايا التي بدأها المدعون العامون السابقون، بما في ذلك تحقيقات في شركة “بوريزما هولدنغز”، وهي شركة غاز أوكرانية للغاز الطبيعي كان هانتر جو بايدن على رأس مجلس إدارتها.
ويسعى النواب الديمقراطيون للتثبت مما إذا كان ترامب ضغط على كييف للحصول على معلومات تدين منافسه جو بايدن، الذي تشير استطلاعات الرأي إلى أنّه في أفضل موقع لهزم الرئيس في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.
ترامب يبدأ معركته من داخل البيت الأبيض
شبكة (بلومبيرغ) الأميركية الإعلامية، كشفت أنّ الرئيس ترامب قرر ضبط فريق السياسة الخارجية في البيت الأبيض بشكل أكبر، في الوقت الذي يواجه فيه البيت الأبيض مساءلة بعد أن فجّر “مخبر مسرب”، كان أحد العاملين السابقين في البيت الأبيض، “قضيّة أوكرانيا”.
وبيّنت شبكة (بلومبيرغ) أنّ ترامب طلب تخفيض عدد موظفي مجلس الأمن القومي، وفقًا لما ذكره خمسة أشخاص مطلعون على تلك الخطوة. ووصف بعض الأشخاص تخفيضات الموظفين بأنها جزء من جهود البيت الأبيض لجعل ذراعه في السياسة الخارجية أكثر مرونة، وتحت جناح مستشار الأمن القومي الجديد روبرت أوبراين. وأوضحت الشبكة الأميركية أنّه تم نقل طلب الحدّ من حجم موظفي مجلس الأمن القومي إلى كبار المسؤولين عبر رئيس أركان البيت الأبيض بالإنابة ميك مولفاني وأوبراين، هذا الأسبوع.
ونُسبت شكوى إلى “مخبر مسرب” -لم تكشف هويته-، ركزت على حديث ترامب خلال مكالمة هاتفية في 25 تموز/ يوليو 2019 مع نظيره الأوكراني، أعقبتها تقارير مضرة عن محادثات ترامب الخاصّة مع زعماء العالم الآخرين.
وقال ترامب، الأحد 29 من الشهر المنصرم: إنّه يُريد مقابلة المخبر المجهول الذي كشف عن المكالمة الهاتفية. وغرد على “تويتر”: “على غرار أيّ أميركي، أنا أستحقّ أن ألتقي بمَن يتّهمني” وبأيّ شخص زوّده بالمعلومات.
ومنذ أن أبلغ عنصر الاستخبارات، المسؤولين عنه، بأنّ الرئيس ترامب “طلبَ تدخّل” أوكرانيا عبرَ التحقيق في نشاطات خصمه الرئيسي في انتخابات 2020 جو بايدن، يتحدّث الديمقراطيون والجمهوريون عن صدقيّة هذا المخبر ويتبادلون اتّهاماتٍ بالفساد.
صحيفة (نيويورك تايمز) ذكرت، في وقتٍ سابق، أنّ المخبر المجهول عن المخالفات كان ضابطًا في وكالة الاستخبارات المركزية، وقد أُلحق في مرحلة ما للعمل في البيت الأبيض.
ووفقًا لوكالة “فرانس برس” فإنّ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو فرض نفسه في منتصف أيلول/ سبتمبر المنصرم كمركز القوة في سياسة ترامب الخارجية، بعد إقالة خصمه مسؤول الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون. وبعد أسبوعين، بات بومبيو الذي لا يزال يُعتبر من ركائز الإدارة الأميركية، في موقع دفاعي وقد أضعفته قضيّة أوكرانيا.
وفيما يباشر الديمقراطيون في التحقيق في آلية إقالة بحق ترامب، تُسلَّط الأضواء الآن على دور وزير خارجيته، إلى حدِّ أنّ كبار شخصيات المعارضة ينددون بـ “تضارب مصالح”، ويطالب بعضهم بأن “يعلن رفع يده عن كل ما يمت إلى صلة بأوكرانيا”.
وكان بومبيو حاضرًا خلال المحادثة الهاتفية التي جرت في 25 يوليو/ تموز بين ترامب ونظيره الأوكراني،0 وبات في صلب إجراءات العزل، وهو أمر روتيني بالنسبة لوزير خارجية. لكنّ ما يُطرح مشكلة، بحسب “فرانس برس”، هو أول رد فعل صدر عن بومبيو في 22 من الشهر المنصرم ردًا على أسئلة شبكة (إيه بي سي) الإعلامية، عمّا يعرفه عن تلك المكالمة، موضع الجدل؛ فقد تجنب الإجابة ملمحًا إلى أنّه لا يعرف ما دار من حديث خلالها. لكن بومبيو أقرّ في نهاية المطاف، الأربعاء، خلال زيارة إلى روما طغت عليها كما كل نشاطاته حاليًا قضيّة التحقيق في الكونغرس، فقال: “كنت حاضرًا في الاتصال”.
وكان النواب الديمقراطيون باشروا جلسات استماع لمسؤولين في وزارة الخارجية، وأصدروا أمرًا للوزير بومبيو يلزمه بتقديم مستندات أساسية في القضيّة، والمطلوب معرفة إلى أيّ حدٍّ كان الدبلوماسيون مشاركين في الخطوات التي اتّخذها محامي ترامب الشخصي رودي جولياني، الذي لم يخفِ أنّه مارس ضغوطًا على أوكرانيا، وإن كانوا يعرفون ما إذا كان ترامب مضى إلى حدِّ تعليق المساعداتن لا سيّما العسكرية منها، لأوكرانيا، للضغط على الرئيس زيلينسكي ودفعه إلى الاستجابة لطلباته.
وقال جولياني: إنّه سلّم بومبيو مباشرة في آذار/ مارس ملفًا أعدّه بنفسه، يدين أنشطة بايدن وابنه هانتر في أوكرانيا، وإنّه حصل على تأكيد بأنّ الدبلوماسية الأميركية ستجري تحقيقاتها الخاصّة بهذا الصدد.
وكتبت صحيفة (واشنطن بوست)، في وقت سابق، في افتتاحيتها، أنّ “بومبيو لم يقم بأيّ شيء لمنع محامي ترامب الشخصي جولياني من الارتباط ببعض الأشخاص الأكثر فسادًا في أوكرانيا من أجل نقل أخبار كاذبة عن بايدن”، متّهمةً بومبيو بشكل صريح بأنّه “سمح بتدمير الدبلوماسية الأميركية”.
وأمر رؤساء لجان التحقيق الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي، الاثنين الماضي، جولياني، بتسليمهم وثائق تتعلّق بالقضيّة.
ويعتزم الكونغرس الاستماع أيضًا إلى مسؤولين آخرين في وزارة الخارجية، منهم توماس أولريش بريشبول، المستشار المقرب من بومبيو، وصديقه منذ زمن طويل. غير أنّ رئيس الدبلوماسية الأميركية ما زال حتى الآن متمسكًا بدفاعه المطلق عن ترامب، ما يغذي شكوك المعارضة تجاهه.
وصعّد ترامب، الثلاثاء، من حدّةِ هجومه على التحقيق عادًا إيّاه انقلابًا. وقال في تغريدتين على تويتر: “لقد توصّلت إلى استنتاج مفاده أنّ ما يحدث ليس عزلًا، بل هو انقلاب هدفه الاستيلاء على سلطة الناس وتصويتهم وحرياتهم، وعلى التعديل الثاني للدستور وعلى الدين والجيش والجدار الحدودي وعلى حقوقهم التي وهبها إياهم الله كمواطنين للولايات المتحدة الأميركية”.
وكشف استطلاع رأي أجرته شبكة (سي إن إن) حديثًا، عن ارتفاع نسبة الأميركيين المؤيدين لمحاكمة ترامب برلمانيًا بهدف عزله إلى 47 بالمئة، مقابل 41 بالمئة في أيار/ مايو الماضي. كما كشف الاستطلاع أن 75 بالمئة من الديمقراطيين و46 بالمئة من المستقلين و14 بالمئة من الجمهوريين يؤيدون عزل الرئيس ترامب.