ثمة همجية كبرى في سورية، لم تزل تصدر عن جبناء، في تقويم السوريين الممتلئ بالمذابح، يخبرنا الواقع أن استهانة كبيرة بالحياة الإنسانية، تؤلف جزءًا من الهمجية التي اتصفت بها طبيعة نظام الأسد، والارتكابات الفظيعة التي تمت، لكن في الوقت عينه، لا يجد المرء تفسيرًا لمجازر الأسد بحق السوريين، لا في طبيعته، ولا تركيبته البيولوجية الخاصة، إنما بالحقد الأزلي على السوريين في حكمهم، وقهرهم وتفصيل وعيهم السياسي – الاجتماعي.
تعرّض السوريون على امتداد السنوات التسعة الماضية، لسلسلة من المذابح الدامية، سقط فيها آلاف من الأطفال والنساء والشباب، كان نتيجتها تهجير كلّي لبعض القرى، وتغيير ديموغرافي لبعضها الآخر، وارتبطت أسماء بعض المجازر بهذه القرى والبلدات والمدن السورية، فبرزت غوطة دمشق، وداريا، والحولة بحمص، والتريمسة بحماة، وغيرها من مجازر بالسلاح الكيماوي والقصف الذي طال أحياء وأودى بعائلات كاملة، الأسماء والأرقام التي تخص تلك المذابح معروفة ومدونة بوثائق وصور، وشهود متطابقة تمامًا مع الحدث، وفي مجازر أخرى ومقابر جماعية، لم يتح للسوريين كشفها و إيصالها وتوثيقها، نتيجة للقبضة الفاشية للنظام.
تثير هذه المجازر، مسائل عديدة، بعضها بسيط وبديهي، وبعضها معقد، أو معقد جدًا، ويرتبط بالتحولات الجارية الآن على مستوى ترتيب “العملية السياسية” أو الدستورية إن شئنا القول، طبعًا المجازر المذكورة التي حفظها السوريين في صدورهم وعقولهم، فيها نقاط عدة مشتركة لتناول انعكاسها على المجتمع السوري، أول مجموعة من هذه المسائل، تتعلق بالطبيعة المباشرة للمذابح، الفاعلون المباشرون فيها، هم بأغلبهم جيش النظام السوري وعصاباته المؤازرة له، والضحايا سوريون من مختلف الأعمار، أطفال نساء شيوخ شباب، معنى ذلك أن المجازر قام بها جيش النظام، ورأسه قام بالإشراف على عمل بقية الميليشيات والعصابات المتهمة بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين.
نعرف، كما كل السوريين، تأثير تحريض النظام منذ تسعة أعوام، لخلق مناخ تبريري لهذه المذابح، التعمية والإنكار على وسائل إعلام النظام أو وسائل إعلام تؤازره، يتبع لمحور موسكو وطهران وإعلام الاستبداد العربي، وبقي يؤثر ضمن ظروف معينة، لتحطيم تماسك المجتمع السوري، فمجموعة الجرائم البشعة التي وقعت على المجتمع السوري، كالتمثيل بالجثث، وبث مشاهد إذلال السوريين والسوريات، لن يخلق واقعًا اجتماعيًا أو تاريخيًا “يَجبّ ما قبله”.
المجازر التي ارتكبها نظام الأسد، وما زال، هي جزء من مآس دفع فيها السكان في سورية غاليًا، وكل حصة من حصص الموت والقهر والدمار والتهجير الأساسية والفرعية، يقتسمها الأسد مع حلفائه فيما بينهم من مسؤولية، لأن إدارة النظام الأسدي القائمة على غنائمية التوزيع والولاء الأمني والاقتصادي، كلها تشير لحصر مسؤولية المجازر في رقبة الأسد، فمن يريد تعكير دستور النظام وأبديته الآيلة للسقوط، عليه إشهار ملف المجازر في وجهه، وتوسيع موجة التحرك في هذا الإطار يخلق وضعًا يصعب نسيانه أو القفز عنه بسهولة، لأمر بسيط، وهو أن الخدمات التي كان يقدمها نظام الأسد أصبحت مكشوفة ومحصورة في زاوية أمن “إسرائيل” ورعاية التعاون الاستخباري والأمني مع وكالات غربية، لا يمكن لهذه الوظيفة إنقاذ الأسد وتأمين نظامه لا في دستور ولا في خداع ومراوغة السوريين.
المجموعة الثانية من المسائل المتعلقة بجرائم النظام، ومجازره ضد المجتمع السوري، هي المرتبطة بالمواقف العربية والغربية، والأميركية والروسية، وهنا توجد جوانب عديدة ومتشعبة للموضوع، لكن سنقتصر بإيجاز شديد، على أمرين؛ الأول يتمثل في ضعف ردود الفعل على جرائم الحرب، مع علم معظم المنظمات الدولية بحدوثها، والثاني هو إغفال دور الفاعل لجرائم الحرب، على الرغم من صدور تقارير تؤكد مسؤولية النظام عنها، لكن المواقف السياسية تهدف لتبرئة ساحته.
التعمية المقصودة، ناجمة عن التواطؤ، لكن ليس عنه وحده، إذ تنجم عن ضعف الوسائل، وكذلك عن الخطأ، أو عدم الخبرة الذي تُتهم به قوى المعارضة السورية، لكن إذا كان للتعمية تأثير، فهذا لا يعني أن لها كل التأثير، بل يبقى تأثيرها جزئيًا، النقطتان الهامتان، اللتان يمكن الإشارة إليهما هنا، واللتان تغطّيان شيئًا من التفسير المتعلق بطبيعة الأمور، تتركزان أولًا في دور السوريين أنفسهم، وثانيًا في مسألة أجندة المعارضة السورية وملف المجازر، فهو المزعزع لما تبقى من خلخلة لأعمدة النظام.