تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

ثورات لبنان الخمسة منذ الطائف

ليس غريبًا على لبنان القيام بالثورات والاحتجاجات، فبيروت تُعرف تاريخيًا بأنها عروس الشام، وهي منبر الحرية العربية طوال أكثر من قرن من الزمن، وعاصمة حضارية تجسد عمق الفكر العربي الحديث، وقد تعرضت لانتكاسات عديدة نتيجة تدخل الأنظمة والمحتلين فيها، لكنها كانت على الدوام، مثل شقيقتها سورية، كطائر الفينيق تخرج من تحت الرماد، واليوم، بسبب الاحتلال الإيراني لسيدة المدن العربية بيروت، تراكمت القمامة، وتدهورت الخدمات، وزادت البطالة، وتوسعت الطبقة الطائفية الفاسدة في فسادها، وأمعنت في إهانة شعب عربي عريق، فانتفض عن بكرة أبيه تقريبًا، لإسقاط حكم الآخرين لبلاده، وتحقيق حلم الشهيد كمال جنبلاط القديم، ألا وهو إنهاء الحكم الطائفي البغيض في لبنان. وقد عاشت لبنان العديد من الثورات والحراكات، منذ اتفاق الطائف عام 1989، ونهاية الحرب الأهلية في لبنان، منها ما كان نتيجة أوضاع معيشية معينة، ومنها ما كان نتيجة رفض كلي لنظام المحاصصة الطائفية، وتبجّح إيران باحتلال أربعة حواضر عربية هي دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء، فما هي أبرز الثورات والاحتجاجات ما بعد الطائف وما بعد ثورات الربيع العربي في لبنان؟

ثورة الجياع 1997

اشتهر الشيخ صبحي الطفيلي (الأمين العام السابق لحزب الله عام 1989) بقيادته لما يسمى بثورة الجياع، وذلك عندما أعلن العصيان المدني عام 1997، احتجاجًا على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشيعة اللبنانيين. ولم يرض “حزب الله” عن إعلان العصيان المدني، فاتخذ قرارًا يوم 24 كانون الثاني/ يناير عام 1998 بفصل الشيخ الطفيلي من الحزب، وحدثت اشتباكات مسلحة بين أنصاره وبعض أفراد “حزب الله”، في حوزة عين بورضاي يوم 30 كانون الثاني/ يناير 1998. وقُتل في أثناء تبادل إطلاق النار الذي شارك فيه الجيش اللبناني إلى جانب “حزب الله”، الشيخ خضر طليس وأحد الضباط اللبنانيين، وعلى الرغم من الأحكام القضائية التي صدرت بحق الطفيلي، فإنه ما يزال حتى الآن في منزله يستقبل زواره ويقيم معهم كل خميس مجالس عزاء حسينية، ولا زال مناهضًا لـ “حزب الله” وارتهانه للقرار الإيراني، وتدخله في سورية لمصلحة نظام الأسد ضد الثورة السورية.

ثورة الأرز أو انتفاضة الاستقلال الثاني 2005

قامت ثورة الأرز، على إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، في 14 شباط/ فبراير 2005، واستمر شباب الثورة في ملء ساحات بيروت 72 يومًا، لتحقيق هدف الثورة الرئيس، وهو إنهاء الوجود السوري في لبنان الذي جسده نظام الأسد الأب والابن منذ عام 1976، وبالفعل أجبرت ثورة الأرز قوات نظام بشار الأسد على الانسحاب من لبنان، بعد 29 عامًا على الوصاية السورية والاستبداد الأسدي، ولكن النظام عاد بثورة مضادة أجهضت ثورة الأرز، عبر حلفائه الذين شكلوا قوى الثامن من آذار 2005، وكان رأس حربة الثورة المضادة ميليشيا “حزب الله” اللبناني التابع لإيران، الذي أحكم سيطرته وحكمه للبنان بعد انقلاب السابع من أيار/ مايو 2007. ولم تثمر المحكمة الدولية حول اغتيال الحريري عن كشف القتلة وتقديمهم للعدالة الدولية، وعلى رأس المتّهمين رأس النظام السوري وعناصر في “حزب الله” اللبناني التابع لإيران.

احتجاجات 2011 ضد الحكومة اللبنانية : عمّت المدن اللبنانية تظاهرات في 27 شباط/ فبراير 2011، كامتداد طبيعي لثورات تونس ومصر وسورية، وأدت إلى إسقاط حكومة سعد الحريري، والثورة لإسقاط النظام الطائفي في لبنان، وللمرة الثانية لم تتمكن هذه الثورة من تغيير الوضع المتردي والفاسد في لبنان، الذي خلفته الحرب الأهلية اللبنانية، واستمرّ أمراء الحروب اللبنانيين في الحكم، وتمت استقالة حكومة الحريري لسحب البساط من هدف تلك الثورة وتجميدها مجددًا.

ثورة القمامة “طلعت ريحتكن” 2015 : ملأت القمامة شوارع بيروت وعدد من المدن اللبنانية، فتحرك الشباب اللبناني مجددًا ضد الطبقة الحاكمة الفاسدة، يحدوهم الأمل بإنهاء تلك الطغمة وتغيير وجه لبنان الذي تتحكم فيه إيران عبر وكيلها “حزب الله”، للتعبير عن قذارة نظام الحكم الطائفي في لبنان في مضمونها، ورفعت سقفها من المطالبة باستقالة وزير البيئة، للفراغ الرئاسي واستقالة الحكومة، واستمرت من نهاية تموز/ يوليو 2015 حتى منتصف أيلول/ سبتمبر 2015، ووصلت ذروتها في 28 آب/ أغسطس 2015، عندما تمكن حوالي 14 ألف متظاهر من الوصول إلى ساحة الشهداء ورياض الصلح في بيروت، وتمّ وأد تلك الحركة الاحتجاجية دون تحقيق أي هدف.

ثورة الواتساب 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 : فرضت وزارة الاتصالات اللبنانية ضريبة على تطبيق الواتساب، بحجة سداد ديون الدولة اللبنانية التي بلغت مئة مليار دولار، مع نسبة بطالة مرتفعة تصل إلى ثلاثين بالمئة، فكانت الشرارة لاندلاع ثورةٍ أخرجت مليونًا و200 ألف لبناني من بيوتهم باليوم الثالث وحده من اندلاعها، بحسب وكالة رويترز، للاعتصام في ساحتي الشهداء ورشيد الصلح، وامتدت لطرابلس الشام بالشمال، والنبطية جنوب لبنان، وتم إغلاق طريق مطار بيروت ومعظم الطرقات الرئيسية في لبنان، وعمّت التظاهرات معظم المدن اللبنانية، وأصبح الهدف منها إسقاط النظام الطائفي في لبنان. ولأول مرة تمّت تسمية نصر الله زعيم “حزب الله” الإيراني في لبنان، تحت شعار “كلن يعني كلن… نصر الله واحد منن”، وهذه الثورة الأكثر جدية منذ ثورة الأرز 2005، والأكثر فاعلية، واستلهمت أغاني الثورة السورية من القاشوش والساروت، وناهضت وزير الخارجية العنصري ضد اللاجئين السوريين في لبنان جبران باسيل، وردد المتظاهرون شعار “باسيل برا برا…اللاجئين جوا جوا”، متهمين بقايا نظام الأسد وجنود الوصاية السورية الأسدية، ورددوا “سورية نحنا معاكي للموت…جنوا جنوا الدركية … لما طلبنا الحرية … هولي جنود الوصاية… ترباية البعثية”، مشيرين إلى نظام الأسد وأتباعه الذين لا زالوا يعيثون فسادًا في لبنان، وتسبب في الأزمة المالية، وتراجع الليرة اللبنانية أمام الدولار، والحظر الأميركي على البنوك اللبنانية لانغماسها بغسيل أموال للنظام السوري وإيران وتابعها “حزب الله”، وشكلت ثورة لبنان موجة جديدة لثورات الربيع العربي، وامتدادًا للثورة السورية والعراقية والجزائرية والسودانية والتونسية والليبية واليمنية.

ومن الواضح وجود الزخم الهائل لهذه الثورة، وروح الشباب فيها، حيث وزّع الناشطون الحلوى في الساحات، كما كان أبناء حمص يوزعونها في ساحة الساعة الشهيرة قبل ثماني سنوات، ووضعت بلدية سن الفيل الأزهار والشجيرات بدل حرق الإطارات، كما كانت داريّا توزع الورود أيام الثورة السلمية السورية، ورفعوا أعلام الثورة السورية إلى جانب العلم اللبناني، وهتفوا ضد السيسي قائد الانقلاب على الثورة المصرية عام 2013، وتحولت الثورة اللبنانية إلى محط أنظار العالم، لنشاطاتها الاجتماعية المدنية، والتضامن الشعبي الهائل، وتحوّلت إحدى الفتيات اللبنانيات، وهي تتصدى لحرس أحد النواب اللبنانيين المنتفعين من فساد الطبقة السياسية، إلى أيقونة الثورة اللبنانية، مثل كنداكة النيل في السودان، وبائعة المناديل البكماء في العراق، وأذهلت العالم بروح السخرية التي تمتع بها الشباب اللبناني، الذين تصدروا بروحهم الفكاهية أخبار العالم ووسائل التواصل الاجتماعي العربي والدولي، ونقلوا رفاهيتهم وحبّهم الحياة إلى الشوارع، بروح عالية من المسؤولية، وحاول زعيم ميليشيا “حزب الله” الإيراني في لبنان، امتصاص غضب الشارع بخطاب مرتبك، وقد فقد السيطرة على الشارع الشيعي، كما فقد السيطرة على ما تبقى من الدولة اللبنانية، التي يحكمها منذ انقلاب 2007، فضلًا عن تعرضه لانكشاف كبير أمام اللبنانيين والعالم، واللافت في هذه الثورة هو صعود المشروع الوطني، على حساب المشاريع التي يتغذى عليها حسن نصر الله، المتورط في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلى جانب حليفه في سورية بشار الأسد.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق