مقالات الرأي

متى تنوي المقاومة تحرير الأراضي المحتلة؟

بعد أربع سنوات أمضاها في منفاه الهولندي، الذي وصل إليه بعد رحلة بحرية كادت أن تودي بحياته، حصل صديقنا اللاجئ الفلسطيني على الجنسية الهولندية. لم يصدق نفسه حين صار لديه أخيرًا جواز سفر يسمح له بالسفر حيث يشاء، حيث يشاء؟ وهنا برز أمامه سؤال ملحّ بشدة: هل يجرؤ على الذهاب إلى هناك؟ حزم أمره، واستقل طائرة أوصلته إلى هناك فعلًا، سار في شوارع رام الله، وبيت لحم منهكًا حزينًا، تلك الأرض التي مات أبوه وجدّه وكثير من أهله وهم يحلمون بالعودة إليها، ها هو أخيرًا يطأ ترابها، ويسير في حواريها التي قرأ عنها في الكتب، هو الذي ولد في سورية، وقد تجاوز الخمسين وهو يسمع كل يوم اسم فلسطين يتردد على مسامعه آلاف المرات، لا من أهله وأقربائه فحسب، بل من الجميع، قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى، وهي التي كرست لها الدول إمكانيات كبيرة لتحريرها، وإعادة أهلها إليها، وتشكلت لأجلها فصائل مقاومة من كل صنف ولون، صحف وقصائد ومقالات، ومعارض للصور، ومهرجانات خطابية حاشدة، وتهديد ووعيد، كل ذلك لم يمنح صديقنا الفلسطيني الحق في الذهاب إلى أرض أجداده، لكن إقامته القصيرة انتهت، وعليه أن يعود إلى منفاه، كتب بألم على صفحته الشخصية: “شعرت أن روحي سحبت من جسدي، حين كان عليّ أن أغادرها”.

في خطابه الأخير الذي وجهه إلى المتظاهرين اللبنانيين، حذر الأمين العام لـ “حزب الله” من المساس بالمقاومة، بل إنه عرّف الدولة اللبنانية على الشكل التالي: الدولة هي حكومة، وشعب ومقاومة. ولكن ما الهدف من هذه المقاومة التي تشكل، بحسب سياسيين لبنانيين، عصا رعب غليظة في الحياة السياسية اللبنانية؟ وإلى متى يستمر لبنان أسيرًا لتلك المقاومة التي ارتقت إلى مقام المقدس، حتى إن الشارع اللبناني المنتفض يتعثر في تصريحاته الغاضبة حين يصل إلى تلك المقاومة، فهو يستثنيها من شعاره الذي انتشر على نطاق واسع “كلن يعني كلن”، إذ يتدارك نفسه فورًا ليقول: طبعًا نحن لا نتحدث عن سلاح المقاومة.

في مقطع فيديو لا يخلو من العبثية أبدًا، تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي منذ مدة، يظهر وزير خارجية النظام وليد المعلم جالسًا في مطعم بمنطقة جبلية تشرف على شريط ساحلي قرب الحدود السورية التركية، متوعدًا باستعادة النظام الأرض في الجانب التركي من الحدود. وقال وزير النظام في الفيديو مخاطبًا مستشارة الأسد بثينة شعبان، وهو يشير إلى جبال إسكندرون: “أرضنا يا مدام… غصب عنن بدنا نرجع لهنيك”.

طبعًا، هذا النوع من الخطاب نسمعه منذ أن كنا أطفالًا، وربما منذ أن كان أباؤنا أطفالًا، وهو خطاب لا يمل النظام تكراره، دون أن يضع جدولًا زمنيًا لاستعادة تلك الأرض المحتلة، فهو لا يعترف لجمهوره أنه وقع اتفاقية تنازل بموجبها عن تلك الأرض، ولعل سذاجة أحد أعضاء مجلس الشعب دفعته ليقول، في جلسة عامة: “كنا مسامحين فيها، أما الآن فسوف نستعيدها”.

المتأمل للخريطة السورية حاليًا يدرك كم تبدو مفككة، تتنوع فيها الاحتلالات، ما بين دول وجماعات، ومع هذا فلن يوفر أي مسؤول صغيرًا كان أم كبيرًا في ذلك النظام المقاوم الفرصة ليعلن أن المقاومة سوف تستعيد الأراضي المحتلة، ويقصد فلسطين وهضبة الجولان طبعًا، وبخاصة بعد أن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بها أرضًا إسرائيلية، فلم تتوقف المهرجانات الخطابية، والجلسات الحماسية، التي تؤكد أن قرار ترامب باطل، وأن تلك الأرض سورية وسوف تعود في يوم من الأيام. كيف ومتى؟ لا أحد يعلم.

في خطاب له، منتصف تسعينيات القرن الماضي، قال دكتاتور سورية السابق حافظ الأسد إنهم يربون جيلًا مقاومًا سوف يكون قادرًا على استعادة جميع الأراضي المحتلة.

الجيل نفسه الذي تحدث عنه الدكتاتور الأب ثار على دكتاتورية الابن، فكان مصيره السحق تحت الدبابات، ومن نجا منه فر ليحصل على جنسية في بلد لجوء ما، لعله يتمكن مثل صديقنا الفلسطيني من العودة إلى بلده يومًا ما، سائحًا يلتقط الصور التذكارية في دمشق أو حلب أو دير الزور، وربما يزور مرتفعات الجولان، سائحًا أجنبيًا تخرج في مدرسة المقاومة والصمود.

متى تنوي المقاومة تحرير الأراضي المحتلة حقًا؟ هل سوف يقومون بتربية جيل مقاوم جديد بعد أن فشلت محاولتهم الأولى؟ وماذا إذا ثار ذلك الجيل أيضًا؟ ماذا ستفعل المقاومة حينذاك؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق