نشرت وسائل إعلام محلية وغربية تقارير مهمة وموثقة، حول إطلاق “وحدات حماية الشعب” الكردية لعدد كبير من معتقلي تنظيم “الدولة الإسلامية” وعائلاتهم، وتحديدًا من عين عيسى، شمال غرب مدينة الرقة شمال سورية.
وقالت بعض وسائل الإعلام إن عددًا كبيرًا من مقاتلي (تنظيم الدولة الإسلامية – داعش) هربوا من أحد السجون في بلدة عين عيسى، بعد قصف تركي، وأن هذا القصف تسبب في هروب عناصر التنظيم، لكن المصادر المحلية قالت إن المنطقة لم تشهد أي اشتباكات وعمليات عسكرية حربية نهائيًا، وإن إطلاق سراحهم كان متعمدًا.
وأعلنت “الإدارة الذاتية” الكردية في شمال وشرق سورية، في 13 الشهر الجاري، أن 785 أجنبيًا من منتسبي تنظيم الدولة الإسلامية وعائلاتهم قد تمكّنوا من الفرار من مخيم عين عيسى، حيث كانوا محتجزين، بعد قصف تركي، وقالت مصادر كردية إن فرارهم تمّ بعد أن هاجم عناصرُ من (داعش) -يُرجّح أنهم من الخلايا النائمة- المخيّمَ والحراس، وفتحوا الأبواب من أجل فرار السجناء.
ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان، في ذلك اليوم، عن مصادر في “الإدارة الذاتية” الكردية، أن نحو 100 من أقارب أعضاء “الدولة الإسلامية” قد فرّوا من مخيم عين عيسى، بعد تعرضه للقصف من قبل الجيش التركي والفصائل السورية التابعة له بالأسلحة الثقيلة.
لكن تقريرًا لصحيفة (لو باريسيان) الفرنسية، نقل عن (داعشيات) فرنسيات هاربات من السجن، بشهادات جمعها الصحفيان إديث بوفيير وسيلين مارتليت، مُعدّا التقرير، أكّد أن الأكراد هم من أطلق سراح المعتقلين والمعتقلات في هذا السجن، ونُشر التقرير بعنوان “أخبرنا الأكراد: أخرجوا… اهربوا!… شهادة الجهاديين الفرنسيين”.
وذكر التقرير أن القوات الكردية، خوفًا من تقدم الجيش التركي، فتحت أبواب معسكرات الاعتقال الجهادية، وأن عشرة فرنسيين، أعضاء في تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، باتوا أحرارًا في سورية، بعد أن تمكنوا من مغادرة معسكر عين عيسى على بعد 50 كم شمال الرقة، ولم تعد القوات الكردية التي احتجزتهم قادرة على الاحتفاظ بها.
وفصّل التقرير أنه تمّ إخراج تلك النسوة الفرنسيات العشرة وأطفالهم الـ 25، من المخيم، صباح يوم الأحد 13 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما كان الجيش التركي يريد استهداف عين عيسى، وهي بلدة يسيطر عليها ميليشيات كردية في شمال سورية، فترك الحرّاس المكان وتركوهم. وتابع: “مثل النساء الأخريات، خرجت النساء الفرنسيات العشرة على عجل مع أطفالهن، وهنّ معروفات من العديد من أجهزة المخابرات”. وقالت إحداهن عبر الشبكات الاجتماعية: “لقد أخبرَنا الأكراد جميعًا فجأة، اهربوا! لم نفهم شيئًا، بعد ذلك ذهب الأكراد جميعًا، بقي هناك مدنيون فقط”، وتابعت أخرى: “لقد فتحوا الأبواب لنا، ثم أحرقوا الخيام التي كنا ننام فيها”.
وقالت مصادر محلية إن الحراس أُجبروا على ترك هؤلاء النساء الجهاديات يغادرن، بسبب الفوضى المحيطة بمخيم عين عيسى، وكتبت صوفيا، وهي إحدى تلك الفرنسيات اللواتي أصبحن أحرارًا الآن: “المدنيون في الوقت الراهن يساعدوننا، لا تريد فرنسا إعادتنا، الأكراد سوف يوصلوننا إلى نظام بشار الأسد، نحن نبحث عن المساعدة”، ولا تذكر الرسالة ممن تنتظر هذه المساعدة.
أما النساء الأخريات، اللواتي ما زلن مقتنعات بالأيديولوجيا القاتلة للمنظمة الإرهابية (داعش)، وفق الصحيفة، ممن اخترن البقاء حتى نهاية (داعش)، فقد اعتُقلن في آذار/ مارس 2019، ونُقلن إلى عين عيسى، إحداهنّ أخت فرنسي حُكم عليه بالإعدام في العراق في تموز/ يونيو الماضي.
وكتبت كلوي، قبل بضعة أشهر: “لن أعود إلى فرنسا، لأقضي 20 عامًا في السجن، شكرًا، أنا أفضل البقاء هنا”. هذه الفتاة الشابة، مثلها مثل غيرها، كانت تأمل في أن تتمكن من الانضمام إلى منطقة إدلب، في غرب البلاد، حيث يختبئ فرنسيون آخرون من “الدولة الإسلامية” منذ عدة أشهر، لتحقيق ذلك، ستحتاج تلك النسوة إلى دعم خلايا نائمة من (داعش)، ما زالت نشطة للغاية في منطقة عين عيسى والرقة “العاصمة” السابقة للمنظمة الإرهابية.
حوالي 100 امرأة فرنسية وأطفالهن ما زالوا محتجزين في المعسكرين الآخرين للنازحين اللذين يديرهما الأكراد، هل من المحتمل أن يحدث السيناريو نفسه مرة أخرى، مع اقتراب القتال من هذه المناطق؟ عند الاتصال، تشرح وزارة الخارجية الفرنسية: “نحن نراقب الوضع على الأرض بعناية فائقة”.
ووفق مراسل منصة (تأكد)، الذين قال إنه التقى بنازحين هجروا مخيم عين عيسى، ومدنيين من البلدة، فإن حراس المخيم التابعين لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، تركوا مواقعهم وأبلغوا النازحين القاطنين بالمخيم أنهم لم يعودوا مسؤولين عن حماية وحراسة المخيم، ولم تتعرض المنطقة لأي قصف جوي أو مدفعي منذ بدء العملية التركية شمال سورية.
ويضم مخيم عين عيسى نحو 10 آلاف نازح، بينهم حوالي 200 عائلة من عائلات عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، بينما يضم سجن البلدة نحو 60 – 70 معتقلًا من أسرى مقاتلي التنظيم.
وعين عيسى ما زالت خارج الاستهداف العسكري المباشر، وهي تقع على الطريق السريع بين حلب والحسكة، المعروف بـ M4، وتبعد مسافة 32 كم من خط الحدود السورية التركية، ودخلتها قوات النظام السوري بعد أن اتفقت مع القوات الكردية لاستلامها، بعد أن كانت طوال السنوات الثلاث الماضية مقرًا رئيسيًا لها، وعقدت فيها عشرات الاجتماعات والمؤتمرات.
يُشار إلى أن مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، تضمّ عدة سجون لعناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، من أبرزها مخيم الهول وسجن الشدادي في ريف الحسكة.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد دعا قبل بدء عملية “نبع السلام” الدول الأوروبية، لاستعادة مواطنيها المنتسبين إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” المعتقلين في سجون بسورية، وقال إن الولايات المتحدة “تحتجز حاليًا أسوأ سجناء (داعش)، وعلى تركيا والأكراد (تنظيم ي ب ك/ ب ك ك) عدم السماح لهم بالهرب”، وأضاف: “كان ينبغي على أوروبا إعادتهم بعد طلبات عديدة، يجب عليهم فعل ذلك الآن، لن يأتوا أبدًا إلى الولايات المتحدة أو يسمح لهم بالدخول إليها”.
ويُخشى أن يبقى هؤلاء المعتقلون مشكلة غير محلولة، وأن تعبث القوى المسيطرة هنا وهناك على الأرض السورية في هذا الملف، ويستمر خطر هؤلاء في كل أنحاء سورية، من دون أمل بإيجاد حل لعشرات الآلاف من هذه القنابل الموقوتة.