القوات الأميركية عبرت من العراق إلى سورية من نقاط التفتيش التابعة لجيش النظام
أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الإبقاء على وجود عسكري قرب حقول النفط شمال شرقي سورية، ردات فعل غاضبة في موسكو وطهران. في وقتٍ أكدت فيه وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنّ الولايات المتحدة “ستتصدى لأيّ محاولة لانتزاع السيطرة على حقول النفط السورية”، من يد الجماعات السورية المسلحة المدعومة من واشنطن باستخدام “القوة الساحقة”، سواء كان الخصم “الدولة الإسلامية” (داعش)، أو قوات مدعومة من روسيا أو إيران أو النظام السوري. واقترح الرئيس ترامب، في وقتٍ سابق، أن تدير شركة نفط أميركية حقول النفط السورية.
وقال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، خلال مؤتمر صحفي الاثنين، إنّ القوات الأميركية ستعيد تموضعها في دير الزور ومنطقة التنف. مؤكدًا أنّ بلاده بدأت إعادة نشر قواتها لضمان ألّا يصل تنظيم (داعش) والنظام السوري وروسيا إلى حقول النفط، مهددًا أنّ بلاده سترد “بالقوة الساحقة” على كل جماعة تهدد سلامة قواتها هناك.
“بلومبيرغ”: بوتين يواجه تحديًا ماليًا جديدًا
وزير الدفاع الأميركي قال، بحسب ما ذكرت وكالة (رويترز)، عند ملاحقته بالأسئلة عمّا إذا كانت مهمة الجيش الأميركي تشمل الحيلولة دون وصول أيّ قوات روسية أو تابعة لنظام الأسد إلى حقول النفط، “الإجابة المختصرة نعم، إنّها موجودة بالفعل”.
فيما قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، في ختام اجتماع وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، في جنيف، الثلاثاء، إنّ أيّ استغلال لمورد الطاقة هذا “سيكون غير قانوني”. وبيّن لافروف أنّ تصرفات الولايات المتحدة في سورية تتعارض مع القانون الدولي، وأنّ أميركا وأعضاء التحالف الذي تقوده موجودون بشكل غير قانوني في سورية، بالرغم من موقف الحكومة الشرعية في سورية.
لافروف أشار إلى أنّ عودة القوات الأميركية إلى سورية، بعد نقلها للعراق، تأتي “بذريعة حماية مكامن النفط من الدولة الإسلامية”. وأضاف: “إن أيّ استغلال غير قانوني للموارد الطبيعية لدولة ذات سيادة دون موافقتها إنّما هو أمر غير شرعي ونشترك (مع إيران وتركيا) في هذا الرأي”.
وبحسب ما كشفت صحيفة (بلومبيرغ)، فإنّ “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يواجه تحديًا ماليًا جديدًا غير مرغوب به في سورية، بعدما ساعد انسحاب الولايات المتحدة حليفه بشار الأسد في استعادة مساحات أوسع من الأراضي ضمن حدود سورية، كانت قد خرجت عن سيطرته”.
وأشارت الصحيفة الأميركية، في عدد يوم الأربعاء 30 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، إلى أنّ “القرار الأميركي القاضي بإبقاء قوات أميركية في شمال شرق سورية لحراسة الحقول النفطية حرم الأسد من الوصول إلى الموارد المالية التي هو بأمس الحاجة إليها لإعادة بناء الدولة بعد ثماني سنوات من الحرب، الأمر الذي زاد من الاستعجال في عقد محادثات تترأسها الأمم المتحدة بين حكومة الأسد والمعارضة في جنيف ابتداءً من يوم الأربعاء، والتي ذكر بوتين بأنّها قد تكون (حاسمة) في تسوية النزاع”.
وقدرت الأمم المتحدة كلفة إعادة الإعمار في سورية بـ 250 مليار دولار، كما أنّ حكومة الأسد لا يمكنها أن تعول في ذلك على الداعمين الأساسيين لها وهما روسيا وإيران وذلك بالنسبة لضخ كم هائل من الأموال.
ظريف: نعتزم البقاء في سورية
قال وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، أثناء مؤتمر صحافي في جنيف، مساء الثلاثاء، بعد لقائه نظيريه الروسي والتركي: “حسنًا.. يبدو أنّ الولايات المتحدة باقية لحماية النفط. وعلى الأقلّ الرئيس ترامب صادق في أن يقول ما تعتزم الولايات المتحدة فعله”. وأضاف أنّ “إيران وروسيا هناك بدعوة من الحكومة السورية، ونحن نعتزم البقاء هناك ما دامت الحكومة والشعب السوريين يريدان منا ذلك”.
من جهتها عبّرت تركيا عن انزعاجها من إبقاء قوات أميركية عسكرية قرب حقول النفط، بعد الإعلانات المتكررة للرئيس ترامب عن الانسحاب الكامل من شمال شرق سورية، حيث قال مدير الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون، في تغريدة في (تويتر)، الثلاثاء: إنّ “موارد سورية الطبيعية هي للسوريين”. وأضاف: “النفط أو مصادر الإيرادات الأخرى يجب استغلالها في جهود إعادة الإعمار بما في ذلك البنية الأساسية المحلية ودعم المدنيين والنازحين داخليًا واللاجئين. وبقدر ضرورة تمكين السوريين من تحديد مستقبلهم السياسي، ينبغي السماح لهم أيضًا بتحديد كيفية إنفاق موارد أرضهم”.
إعادة انتشار وتموضع لحراسة حقول النفط
إضافة إلى نحو ألف جندي أميركي كانوا مسبقًا في المنطقة، فإنّ ما لا يقل عن 250 جنديًا آخرين سينضمون إلى القوات الأميركية العاملة شرقي الفرات.
وأكدت تقارير إخبارية لوكالات أنباء أميركية وفرنسية، أنّ التعزيزات الجديدة جاءت من دولة الكويت، وهي تُشكل طواقم ومشغلي 30 دبابة حديثة، ستتمركز بالقرب من الحقول النفطية. ويعتبر نشر الدبابات الأميركية هو الأول من نوعه في سورية، إذ خاض “التحالف” المعارك ضدّ تنظيم (داعش) الإرهابي بالعربات المصفحة وناقلات الجنود وقطع المدفعية فقط.
وتعود الحاجة إلى هذا المستوى الجديد من التسليح، بحسب التقارير، إلى طبيعة المهمة؛ وهي حراسة حقول النفط، التي تقتضي، وفقًا لخبراء عسكريين، ردًا ميدانيًا سريعًا حال التعرض للهجمات المباغتة بالمفارز، التي تحاول تخريب المنشآت النفطية. ويعتبر الرد بالدبابات إجراءً مؤقتًا، قبل تدخل الطيران المروحي، المناط به حماية المنطقة الصحراوية الشاسعة.
تقارير صحفية عربية ودولية كشفت، نشرت الأسبوع الفائت، وتابعتها شبكة (جيرون) الإعلامية، أنّ “معبر سيمالكا، ومنطقة المالكية، والمنطقة المحاذية للحدود العراقية ابتداءً من المالكية، ومرورًا بتل حميس ومخيم الهول، وصولًا إلى الحدود الإدارية لدير الزور، ستبقى تحت سيطرة القوات الأميركية، لضمان طريقها البري نحو إقليم كردستان العراق”.
ويشمل ذلك الطريق البري عبر معبر ربيعة، المغلق حاليًا في وجه المدنيين والتبادل التجاري، والذي قد يستخدم لأغراض عسكرية، كما حدث قبل أيام، عندما عبرت قافلة أميركية من العراق إلى حقل العمر وضمت 30 مركبة مدرعة على الأقل، بينها ناقلات جنود ودبابات.
وذكرت وكالة (فرانس برس) أنّ قافلة القوات الأميركية عبرت نقاط التفتيش التابعة للنظام السوري، وعبرت مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية.
وأوضحت التقارير أنّ القوات الأميركية في دير الزور، ستحافظ على انتشارها في الريف الشمالي الواقع على ضفة الفرات اليسرى، ابتداءً من الجزرة، على الحدود الإدارية مع الرقة، مرورًا بالكسرة، التي تعتبر حاليًا بمنزلة العاصمة الإدارية لدير الزور، وصولًا إلى منطقة الريف الأوسط، حيث يتم إنشاء قاعدة أميركية مزودة بمهابط للحوامات في بلدة رويشد المواجهة لمدينة دير الزور، ومطارها حيث تتموضع قوات النظام وقوات روسية وميليشيات إيرانية.
ونشبت ليل الثلاثاء/الأربعاء، اشتباكات واسعة بين ميليشيات نظام الأسد المتمركزة في بلدة الجيعة في ريف دير الزور الغربي، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المواجهة لها على خطوط التماس. وعلى الفور حلّق الطيران الأميركي في سماء المنطقة، واستهدف بضربتين جويتين مقر قيادة ميليشيات النظام في معمل الورق في بلدة الحسينية. في إشارة إلى عزم القوات الأميركية استخدام القوة لإرغام النظام وحلفائه على استيعاب أنّ الوجود الأميركي شرقي الفرات حقيقي وغير قابل للمساومة، على الأقل في هذه المرحلة.
وكانت قافلة أميركية قد دخلت ريف القامشلي مقبلة من المالكية، صباح يوم الاثنين، وضمت 170 شاحنة ترافقها 17 عربة مدرعة، وحلقت طائرات حربية أميركية فوقها، على طول خط رحلتها الذي انتهى إلى أحد حقول النفط في محيط دير الزور، بحسب ما ذكرت وكالات أنباء عالمية.
ويستمر الانتشار الأميركي في ريف دير الزور الشرقي، حيث تتركز حقول النفط والغاز: العمر، حقل النفط الأكبر، وكونيكو، حقل الغاز الأضخم ومعمل الغاز الأهم أيضًا.
كما يشمل تواجد القوات الأميركية الجديد حقول الملح وصيجان وغيرها، وصولًا إلى بلدة الباغوز على الحدود العراقية، التي بدأت القوات الأميركية بإنشاء قاعدة كبيرة فوق تلتها الوحيدة المعروفة بتلة الجهفة.
ووفقًا لمصادر صحفية متابعة، فإنّ ريف دير الزور الشرقي، المواجه لمدينتي الميادين والبوكمال التي تنتشر فيها للميليشيات الإيرانية، يشهد تعزيزًا للنقاط العسكرية الأميركية.
تأمين حماية حقول رميلان النفطية
من ناحية ثانية، تعزز القوات الأميركية تواجدها في الصحراء السورية لحماية ظهر قواتها المكشوف لبادية الروضة الواسعة، والسبخات المحيطة بها، التي لا تزال تشهد تواجدًا يصعب اجتثاثه لخلايا تنظيم (داعش) الإرهابي المتخفية، والمستمرة في شنِّ الهجمات المباغتة على “قوات سوريا الديمقراطية”.
ووفقًا للمصادر، فإنّ القوات الأميركية ستحافظ على سيطرتها على المناطق جنوبي الحسكة كمركدة وسبعة وأربعين، وقاعدة في منطقة تل تمر يوجد فيها مهبط للطائرات، إضافة إلى الشدّادي التي تعد أحد أهم مراكز القيادة والإدارة للقوات الأميركية في سورية، وأقيم فيها سجن ضخم شديد التحصين، يعتقد أنّ معظم معتقلي تنظيم (داعش) الأكثر خطورة قد نُقلوا إليه.
أما منطقة التواجد الأكبر في محافظة الحسكة، فهي كما كانت في السابق، في حقول رميلان النفطية التي تضم قرابة 1322 بئرًا نفطيًا و25 بئرًا غازيًا. وتتمركز ست حوامات أميركية في قواعد تل تمر وحقول رميلان والشدّادي وحقل العمر وقاعدة رويشد. ويحتمل إنشاء قاعدة أخرى في ريف دير الزور الشرقي. أما الطيران المقاتل، فما زال يقلع من قواعد خارج سورية، مثل إقليم كردستان وقاعدة عين الأسد قرب الأنبار العراقية.
إستراتيجية أميركية لاستثمار النفط عسكريًا وسياسيًا
مراقبون رأوا أنّ إستراتيجية واشنطن الحالية تركز على منع نظام الأسد من الاستفادة من حقول النفط شرقي البلاد، ويقدر مسؤولون أميركيون الإنتاج الحالي للنفط في سورية بما يراوح بين 40-70 ألف برميل يوميًا.
وعلى الرغم من محدودية الكمية ورداءة نوعية النفط المستخرج، يطمح الأميركيون، من خلال تمكين “قوات سوريا الديمقراطية” من السيطرة عليه، ليكون مصدرًا مهمًا لتمويلها. وستستخدم (قسد) ذلك التمويل لحماية السجون، التي تضم محتجزي تنظيم (داعش)، ولتسليح عناصرها، ومواصلة قتال التنظيم الإرهابي.
وتتمثل الغاية الإستراتيجية الثانية في وقف التمدد الإيراني، إذ تُقابل مناطق الانتشار الأميركي الجديدة شرقي الفرات، مناطق انتشار ميليشيات “الحرس الثوري” غربه، الذي يعمل بلا كلل على تعبيد وافتتاح ما تبقى من الطريق البري بين طهران ودمشق.
وتتمثل الغاية الإستراتيجية الأميركية الثالثة باستكمال “الانتصار” الذي تعتقد واشنطن أنّها حققته على تنظيم (داعش)، وملاحقة فلوله في عموم المنطقة، وليس فقط في مناطق سيطرتها، كما حدث أخيرًا بمهاجمة مقر أبو بكر البغدادي وقتله في إدلب، ومساعديه في جرابلس الواقعة تحت السيطرة التركية.
وأكد المراقبون، بحسب ما نقلت عنهم مواقع إعلامية عربية مؤيدة للثورة السورية، أنّه “يمكن النظر إلى الانتشار الأميركي الحالي بمثابة تحدٍّ واضح للمشروع الروسي في سورية، الذي يريد بوتين ضمه إلى مجموعة الحدائق الخلفية الملحقة بالكرملين. ويشكل بقاء القوات الأميركية حجر عثرة لا يمكن تجاوزه، ولا يمكن لثلاثي أستانة (روسيا، إيران، تركيا) فرض أيٍّ من تفاهماتهم أو مخططاتهم بوجوده”.
في السياق، قال محللون سياسيون ودبلوماسيون غربيون وأميركيون: إنّ “إصرار الولايات المتحدة على السيطرة على حقول النفط السورية، يندرج ضمن رغبة واشنطن في إبقاء أوراق ضغط على كلٍّ من دمشق وموسكو، كي لا تجد نفسها خارج مدار اللعبة، خاصّة بعد إعلان انسحابها من شمال شرق سورية، على خلفية العملية العسكرية التركية ضدّ الأكراد”.
وأكد هؤلاء أنّه “على غرار العقوبات التي فرضتها مع باقي الحلفاء الغربيين تباعًا على نظام الأسد منذ عام 2012، تسعى واشنطن من خلال وضع يدها على حقول النفط الموجودة في دير الزور الحدودية مع العراق إلى استثمار الورقتين للمقايضة مع بدء العملية السياسية”. مشيرين إلى أنّ “واشنطن تدرك أنّ الانسحاب العسكري الكامل من سورية، يضعف موقفها إلى حدٍّ بعيد في فرض رؤيتها السياسية. وبالتالي فإنّ من الضروري جدًا الاستعاضة عن ذلك بأوراق قوية مثل السيطرة على منابع النفط في سورية، والإبقاء على ورقة العقوبات، وملف إعادة الإعمار”.
وبحسب صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية، فإنَّ الرئيس دونالد ترامب قال قبل أسبوع في اجتماع لمجلس الوزراء إنّ شركة أميركية قد تساعد (قسد) على تطوير النفط للتصدير. وذكر بريت ماكغورك، الذي شغل منصب المبعوث الخاص للإدارة إلى التحالف، أنّ ريكس تيلرسون، الرئيس التنفيذي لشركة (إكسون)، قد درس الفكرة عندما كان وزيرًا للخارجية الأميركية.
وكان السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام قد أشار، في وقتٍ سابق، إلى أنّ الإدارة الأميركية و”قوات سوريا الديمقراطية”، يمكنهما تأسيس مشروع تحديث حقول النفط السورية لتأمين إيرادات لـ (قسد).
وبلغ إجمالي خسائر قطاع النفط في سورية، منذ عام 2011 حتى منتصف العام الحالي، أكثر من 14 مليار دولار، وفق تقرير لشركة “الفرات للنفط” التابعة لوزارة النفط في حكومة الأسد، نشرته صحيفة (الوطن) المملوكة لابن خال الرئيس الأسد رامي مخلوف، في 30 حزيران/ يونيو الماضي. وقدّر التقرير أنّ إجمالي الخسائر المباشرة وغير المباشرة للنفط، منذ العام 2011 حتى الربع الأول من العام الحالي، بنحو 14.55 مليار دولار أميركي.
2 تعليقات