تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

الإرهاب الانتقامي يضرب تلّ أبيض

ضربت سيارة مفخخة، السبت 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، مركز بلدة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، بعد ثلاثة أسابيع من فرض “الجيش الوطني” السوري، مدعومًا بالقوات التركية، سيطرته عليها، وطرد ميليشيا (قسد) منها. التفجير الإرهابي استهدف تجمعًا تجاريًا مجاورًا لمحطة وقود في وسط البلدة، حيث يفد أبناء الأرياف القريبة للتسوق عادةً. وفي حين تضاربت الروايات حول عدد الضحايا، فإن صفحات تواصل اجتماعي محلية قالت إن عدد الشهداء بلغ 19 شهيدًا، منهم ثلاثة أطفال وسيدة، فيما وصل عدد المصابين إلى ثلاثين مُصابًا، نُقلوا إلى مشافٍ في تل أبيض وسلوك وأقجي قلعة التركية المجاورة.

وفيما لم يُعلن أي طرف مسؤوليته عن التفجير، فإن صفحات تواصل اجتماعي محلية، مثل صفحة (تنسيقية تل أبيض) على (فيسبوك) اتهمت بشكل صريح “ميليشيا (قسد) التي تقودها وحدات حماية الشعب YPG الجناح السوري لحزب PKK”. وأضافت صفحة التنسيقية أن هذه الميليشيا “تستمر في انتهاج الإرهاب، عبر المفخخات التي كان آخرها سيارة مفخخة في السوق الشعبي بمدينة تل أبيض، راح ضحيتها 19شهيدًا و20 جريحًا موثقًا من المدنيين”.

تفجير تل أبيض هذا يأتي استمرارًا لسلسلة تفجيرات مشابهة جرت خلال الأسبوعين الأخيرين، فقد فُجِّرتْ سيارة مفخّخة، ظهر يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر، في بلدة “حَمّام التُركمان” التابعة لناحية سلوك، في ريف الرقة الشمالي. وأدّى التفجير إلى استشهاد شخص وإصابة أربعة آخرين بجروح متوسطة. وكان قد سبقه بيوم واحد تفجير مشابه وقع في “حي المساكن” قرب مركز مدينة تل أبيض، ضرب مبنى الاتصالات الذي يتّخذه (لواء المجد) التابع للجيش الوطني السوري مقرّاً له؛ وأصاب أربعة مدنيين بجروح طفيفة.

وسبق هذين التفجيرين مفخخة ثالثة، ضربت الشارع التجاري في ناحية سلوك، يوم 22 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اُستشهد من جرائها طفلان وأُصيب ثمانية مدنيين بينهم طفلان آخران؛ وبينما أُسعف خمسة مِمَنْ كانت جروحهم بليغة إلى تركيا، تلقى ثلاثة منهم إسعافات سريعة في إحدى نقاط الناحية الطبّية في سلوك.

سلسلة التفجيرات هذه وقعت في أكبر ثلاثة تجمعات بشرية في ريف الرقة الشمالي، وبدأت بُعيد دخول فصائل “الجيش الوطني”، بمؤازرة عسكرية وغطاء سياسي تركي، ونجاحها في طرد ميليشيا (قسد) من المنطقة، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. وكانت (قسد) قد سيطرت على منطقة تل أبيض، شمال محافظة الرقة، في صيف العام 2015، من بعد طرد تنظيم (داعش) منه بإسناد عسكري بري وجوي ولوجستي من التحالف الدولي الذي تشكّل في أيلول/ سبتمبر من العام 2014. كما ضمت هذه الميليشيات تلك المنطقة إلى ما تُسميه (روجآفا)، أي كردستان الغربية، بحسب الأدبيات القومية الكردية، وألحقتْ مدينة تل أبيض إداريًا ببلدة “عين العرب” في ريف حلب الشمالي. و(قسد) هي الاسم الإعلامي لميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية، وهذه بدورها هي الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، وتتشكل بشريًا من أكراد من جنسيات مختلفة، تركية وعراقية وإيرانية وسورية، وهي تحمل أيديولوجية حزب العمال ومشروعه السياسي، وتسعى لتطبيقهما في سورية بدعم من التحالف الدولي.

تبدو هذه التفجيرات المتلاحقة ردًا من هذه الميليشيات على الهزيمة العسكرية التي أحاقت بها، كما أنها تهدف إلى زعزعة وإرباك جهود إعادة الاستقرار إلى المنطقة ومنع عودة سكانها، سواء من نزحوا بفعل العمليات العسكرية خلال الأسابيع الثلاثة السابقة، أو مَنْ هجرتهم هذه الميليشيات ابتداءً من العام 2015، بحجة انتسابهم أو مناصرتهم لتنظيم (داعش) الإرهابي. فإثر تفجير سلوك، كتبت مراسلة قناة (الآن) الإماراتية “روناك شيخ”، المقرّبة من “الإدارة الذاتية” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي-الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب الكردية- على صفحتها في (فيسبوك)، منشورًا يبدو تبنيًا للتفجير، متوعدة بالمزيد في الأيام القادمة؛ وهذا ما حدث فعلًا في تفجيري تل أبيض، وحمَّام التُركمان، في اليومين التاليين، ثم في تفجير تل أبيض اليوم، الذي كان أكبرها من حيث الحجم ومن حيث عدد الضحايا.

بعد تفجير اليوم أيضًا، ظهر نشاط واسع للذباب الإلكتروني التابع لميليشيا وحدات الشعب، على صفحات ومواقع لمؤسسات إعلامية ناطقة بالعربية، مثل “المرصد السوري لحقوق الإنسان” وصفحة “قناة حلب” على موقع (فيسبوك). وتركزت تعليقات “الذباب” على ثلاث نقاط: الأولى هي التشفي بوقوع هذا العدد الكبير من الضحايا؛ والثانية هي التوعد بالمزيد من العمليات المشابهة؛ والثالثة هي توجيه التحية إلى من قاموا بهذه الفعلة. بموازاة هذا التبني للعمل الإرهابي من قبل مناصري ميليشيا الوحدات الكردية، نقلت قناة (روناهي)، وهي قناة ناطقة بالكردية، وتعتبر القناة الرسمية لهذه الوحدات، خبر التفجير زاعمةً أن “14 مرتزقًا” قُتلوا فيه.

في مقابل حملة الكراهية والتحريض هذه؛ أطلق ناشطون رقيون حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، تتضمن صورة الخبر المنشور على موقع قناة (روناهي) وصور ضحايا التفجير من المدنيين والأطفال، وبيانًا مقتضبًا حمّلوا فيه “هذه الميليشيا المسؤولية القانونية عن تفجير مدينة تل أبيض”.

المعركة الإعلامية الموازية للمعركة العسكرية المتواصلة منذ ثلاثة أسابيع، وما رافقها وتخللها من أعمال إرهابية مثل ما جرى اليوم في تل أبيض من جهة، والردود المُشجعة والمبررة لهذا الإرهاب من جهة ثانية، تكشف مدى ما وصلت إليه حال الاجتماع السياسي السوري وعمق الشروخ والانقسامات السياسية العمودية بين السوريين على أساس قومي هذه المرة. أمر يجعل الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد بين السوريين ضرورةً وجوديةً لبقاء واستمرار الكيان السوري ذاته.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق