اقتصادسلايدر

4 ترليون ليرة ميزانية (سوريا الأسد) لعام 2020 وسط عجز مالي غير مسبوق

استفحال التهرب الضريبي وشلل يضرب الأسواق المحلية بعد ارتفاع قياسي في سعر الدولار

خفض البيان المالي لمشروع الموازنة العامة لعام 2020 في سورية، الإيرادات العامة لحكومة نظام الأسد بنحو 2546 مليار ليرة، مسجلة انخفاضًا بنسبة 13.3 بالمئة عن إيرادات عام 2019. وسط أنباء عن أنّ التهرب الضريبي الحاصل في البلاد أصبح “مستفحلًا”.

تزامن ذلك مع تعرض الليرة السورية لموجات ارتفاع متسارعة خلال الأيام القليلة الماضية، حيث وصل سعر الدولار الواحد، الأحد 17 من الشهر الحالي، إلى حوالي 720 ليرة سورية لتفقد بذلك أكثر من 93 بالمئة من قيمتها الفعلية منذ العام 2011.

الأسد أرسل مشروع الموازنة المالية العامة لعام 2020 إلى مجلس دمى الشعب (برلمان النظام)، التي بلغت 4 ترليون ليرة سورية (4 آلاف مليار ليرة)، في وقت ما تزال حكومته تعاني عجزًا ماليًا منذ ثماني سنوات.

وبحسب مصادر متقاطعة في دمشق، فإنّ الموازنة الحالية تعتمد بنسبة 96 بالمئة من إيراداتها على الضرائب وعمليات الاستملاك، الأمر الذي جعلها تتوجه إلى ضبط كثير من النفقات عن طريق دمج وزارات ومؤسسات، بالإضافة إلى رفع الدعم عن المشتقات النفطية، منذ العام الماضي.

وكالة أنباء النظام (سانا)، ذكرت في 27 من الشهر المنصرم، أنّ الأسد أحال إلى مجلس الشعب مشروع قانون الموازنة العامة للدولة لعرضه على المجلس.

وحدد مجلس الدمى الأسدي في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، اعتمادات مشروع قانون الموازنة بمبلغ 4 ترليون ل.س أي نحو 6،25 مليار،  بسعر صرف الدولار 640 ليرة، وبزيادة 118 مليار ليرة عن موازنة عام 2019، إذ بلغت 3882 مليار ل.س.

الإيرادات العامة، بحسب خبراء اقتصاد، هي مجموع الأموال التي تجبيها الدولة من مختلف المصادر لتمويل نفقاتها العامة والإيفاء بالحاجات العامة، وتُعدُّ هذه الإيرادات بمثابة حجر أساس في الموازنة العامة للحكومات.

وتتشكل الإيرادات العامة للدول عادة من الإيرادات المباشرة، المتمثلة بالضرائب على الدخل والرفاهية، وكذلك الضرائب المترتبة على الشركات، كما تضم الإيرادات المباشرة الرسوم التي تفرضها الدولة على مواطنيها، كالرسوم الجمركية على الصادرات والواردات، ورسوم تسجيل العقود والغرامات.

مدير (الهيئة العامة للضرائب والرسوم) التابعة لحكومة النظام عبد الكريم الحسين، أعلن أنّ التهرب الضريبي الحاصل في سوريا أصبح “مستفحلًا”، وأنّ أسعار البضائع المستوردة، يجري تسجيلها بأقل من قيمها الحقيقية.

الحسين، بيّن في تصريحات نقلتها عنه صحيفة (الوطن) المقربة من رأس النظام، نهاية الشهر المنصرم، عدم وجود رقم حقيقي يعكس حجم التهرب الضريبي الحاصل في البلاد، لافتًا إلى أنّ “عدم تدوين فواتير مرفقة بالبضائع وفق تسعيرتها الحقيقية، هو معضلة رئيسية في مشكلة التهرب الضريبي”.

وحدد البيان المالي لموازنة عام 2020 في أحد بنوده زيادة الضرائب والرسوم بنسبة 44،12 بالمئة، مقارنة بعام 2019، الذي بلغت فيه نحو 563 مليار ليرة، الأمر الذي يبرره العجز الحاصل، وقُدّر في الموازنة بنحو 1400 مليار ليرة.

وأكد الحسين أنّ “الحكومة شكلت مؤخرًا لجنة لمعرفة التكاليف الضريبية المتراكمة، للتحقيق في أسباب التهرب الضريبي الحاصل”، مشيرًا إلى أنّ “التهرب حاصل في قطاع رجال الأعمال”.

وجاء قرار (الهيئة العامة للضرائب والرسوم) في وقت قال فيه وزير مالية النظام، مأمون حمدان: إنّ “موظفين في المالية يرشدون تجارًا ومستثمرين إلى كيفية التهرب الضريبي وإخفاء طبيعة نشاطاتهم”. وهو ما يؤكد -بحسب أحد وزراء الأسد- تفشي الفساد في مؤسسات الدولة.

الوزير المعروف بفساده وتصريحاته المثيرة للسخرية أكد أنّ “الكثير من أرقام التحقيقات والتحصيلات المالية لدى مديريات المال غير مقنعة، ولا تعادل حجم النشاط الاقتصادي، ولا يجوز الاستمرار بمقارنة أرقام التحصيلات بالسنوات السابقة، لأنها مؤشر غير دقيق”.

لا رفع للأجور ورواتب الموظفين في 2020

موازنة حكومة النظام للعام 2020 تضمنت اعتمادات تقدر بـ 15 مليار ليرة لصندوق المعونة الاجتماعية، وعشرة مليارات لصندوق دعم الإنتاج الزراعي، و337 مليارًا للدعم التمويلي والمشتقات النفطية، و83 مليارًا لدعم المؤسسات الاقتصادية المتضررة جراء ما يسميه نظام الأسد “الإرهاب”، في إشارة إلى حرب الجيش النظامي ضد قوات المعارضة من جهة، والقوى التي عملت الأجهزة الأمنية الأسدية على خلقها في المشهد السياسي كتنظيم (داعش) الإرهابي وأشباهه من حاملي الرايات السوداء من جهة ثانية.

رئيس (لجنة الموازنة والحسابات) في مجلس الدمى الأسدي حسين حسون نبّه إلى ضرورة انعكاس انخفاض قيمة الدعم الاجتماعي في موازنة 2020 على المواطن، من ناحية تحسين المعيشة والرواتب والأجور، خلال إحدى جلسات مجلس الدمى.

وأشار حسون إلى أن الدعم المالي الاجتماعي انخفض إلى 373 مليار، بينما كان 811 مليار في موازنة 2019.

وبالعودة إلى تفاصيل البيان المالي للموازنة العامة، فقد أقرت موازنة العام المُقبل بتخفيض الإيرادات العامة، كأول تخفيض تقره الموازنة منذ عام 2013، غير أنّ تخفيض الإيرادات لم يشمل الرسوم والضرائب الجمركية، حيث أقرت الموازنة في بنودها بزيادة الضرائب والرسوم بنسبة 44.12 بالمئة مقارنة بعام 2019، حين بلغت نحو 563 مليار ليرة.

وحسب البيان المالي لمشروع الموازنة، فقد اعتمدت الحكومة 501 مليار ليرة لكتلة الأجور والرواتب بزيادة 3 بالمئة عن العام الحالي، الأمر الذي يعني غياب أيّ حديث عن رفع الأجور والرواتب، وغياب اعتمادات فرص عمل جديدة، لأنّ النسبة المذكورة تمتصها الترفيعات الدورية للموظفين.

كما حدد بيان الموازنة الدعم الاجتماعي بمبلغ 373 مليار ليرة، مقارنة بـ 811 مليار ليرة للعام 2019. وتم تبرير الانخفاض بخروج المشتقات النفطية من دائرة الدعم، بعد رفع أسعارها في العام 2019 واعتماد نظام ما يسمّى “البطاقة الذكية”، ليبقى الخبز وحده المندرج في إطار الدعم الفعلي.

تقارير صحفية نشرتها مواقع إعلامية سورية معارضة، نقلت عن مختصين اقتصاديين قولهم: على الرغم من عدّ هذه الموازنة التي تم تقديمها حتى الآن بالليرة السورية، هي الأعلى، لكنها بالقيم السوقية تعدّ أدنى من موازنة 2019 التي تم تقديرها وفق سعر الصرف الرائج حينها بـ 8 مليار دولار، في حين أن موازنة 2020 تقدر بـ 6 مليار دولار بسعر اليوم، أي بفارق ملياري دولار. وتبلغ موازنة 2020 حوالي ثُلث موازنة 2011 المقدرة بـ 16 مليار دولار.
كما أشار الخبراء إلى أنّ ميزانية حكومة الأسد المقرة في ظل ظروف اقتصادية كارثية، “تأتي كنتاج طبيعي لبدء قدوم أموال الاستثمار من دول إقليمية سواء بطرق شرعية أو غير شرعية”. منوهين إلى أنّ “أموال الاستثمار تتضح من خلال مباشرة الحكومة في تأهيل عدد من آبار النفط في كل من الرقة وحماة وتدمر، فضلًا عن تشغيلها لمناجم الفوسفات”.

ولفت هؤلاء إلى أنّ “تخفيض الإيرادات بشكل عام، يعني بالضرورة ارتفاع الدخل الوارد من مشاريع الاستثمار، وينعكس بشكل ملموس على تخفيض نسبة الضرائب وإلغاء بعض الغرامات وتخفيض أسعار الفائدة والرسوم بأنواعها، التي يترتب على المواطن السوري دفعها. مؤكدين أنّ “استثناء الضرائب من قرار تخفيض الإيرادات يعني انخفاضًا في الناتج المحلي الإجمالي، إذ لا يوجد طلب حقيقي على السوق السوري، وسط عدم استقرار سعر الصرف أمام العملات الأجنبية”.

هبوط القوة الشرائية لعموم السوريين

في السياق ذاته، نقل شهود عيان لشبكة (جيرون) الإعلامية في محافظة دمشق وريفها، أن الأسواق المحلية تعاني منذ مطلع الشهر الحالي من شللٍ في حركة البيع والشراء، بانتظار ما ستؤول إليه أسعار الصرف، بعد الارتفاع القياسي للدولار هذا الأسبوع.

وعلى الرغم من محاولات التحكم بسعر صرفها منذ شهرين من قبل حكومة الأسد والمصرف المركزي، فإنّ ارتفاعًا غير مسبوق طرأ على سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، حيث بدأت الليرة في النصف الثاني من الشهر الحالي بارتفاع ملحوظ بفارق 75 إلى 80 ليرة لتصل إلى حوالي 720 ل.س مقابل الدولار الواحد، بعد أن استقرت لبضعة أسابيع عند سعر 630 ليرة مقابل الدولار.

ترافق ذلك مع غياب أيّ تصريحات للمسؤولين والمعنيين في حكومة النظام عن توضيح سبب التدهور، أو العمل على طرح إجراءات وقائية تحمي الليرة، على الرغم من إطلاق العديد من المبادرات من قبل الحكومة ورجال المال والأعمال والمستوردين لدعم العملة المحلية، وأبرزها المبادرة التي دعت مؤخرًا إلى إيداع التجار السوريين ورجال الأعمال والمستوردين أموالهم بالقطع الأجنبي (الدولار الأمريكي تحديدًا) في حساب خاص بالمبادرة في المصرف التجاري السوري في أغلبية فروعه في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، تحت إشراف المصرف المركزي.

ونقل موقع “الاقتصادي” الموالي، عن أمين سر (غرفة تجارة حمص) أنطون داوود، قوله: إنّ “إلزام التاجر بإيداع نسبة 10 بالمئة من قيمة إجازة الاستيراد بالدولار في صندوق دعم الليرة، كان أحد أسباب ارتفاع الليرة، إذ يعمل التاجر على تعويض المبلغ الملزم بإيداعه، عبر تحميلها إلى ثمن المواد الاستهلاكية، الأمر الذي يرفع من سعرها”. وفق تعبيره.

وكان حاكم مصرف سورية المركزي، حازم قرفول، قد اجتمع مع عدد من أبرز رجال الأعمال السوريين أو ما يُطلق عليهم هنا بـ “أثرياء الحرب”، في فندق (شيراتون) بالعاصمة دمشق، في 29 من أيلول/ سبتمبر الماضي، في مبادرة لدعم الليرة التي شهدت انخفاضًا هو الأسوأ من نوعه منذ العام 2016 أمام العملات الأجنبية.

وتشهد الأسواق في العاصمة وغيرها من المدن السورية ارتفاعًا في أسعار المواد الاستهلاكية الرئيسية، وبخاصة السلع المستوردة، على خلفية الانخفاض الجديد الذي طرأ على الليرة التي واصلت، الأحد 17 من الشهر الحالي، انخفاضها أمام العملات الأجنبية، لـ تصل إلى أدنى مستوياتها لأول مرة في تاريخ سورية، بعد تجاوزها حاجز الـ 720 ل.س مقابل الدولار الواحد.

وبحسب شهود عيان وتقارير نشرتها صحف محلية مطلع هذا الأسبوع، فإنّ الأسعار في الأسواق تخطى ارتفاعها نسبة ما بين العشرين والثلاثين بالمئة.

صحيفة “الوطن” قالت، الأحد: إنها رصدت في جولة لها بأحياء العاصمة ارتفاعًا في أسعار بعض المنتجات ومنها الزيوت بنسبة 25 بالمئة، فيما تباين ارتفاع أسعار باقي المواد التموينية، كالأرز والسكر والطحين، بنسبة تتراوح بين 20 بالمئة و30 بالمئة.

الصحيفة السورية التي يملكها رجل الأعمال رامي مخلوف (ابن خال الرئيس الأسد) كشفت، أنّ “تجار الجملة في سوق دمشق ألقوا باللوم على توقف دور (مبادرة رجال الأعمال لدعم الليرة السورية) مؤخرًا، وهو السبب الذي أدى إلى زيادة الضغط على السوق السوداء طلبًا للدولار من أجل تمويل المستوردات”.

هذه التطورات تأتي في وقت لم يعلق فيه المصرف المركزي على الانخفاض الطارئ على الليرة، الذي بدأ في 12 من الشهر الحالي، ومن المتوقع أن يصل سعر الصرف إلى حدود 800 ل.س بحلول نهاية العام الحالي، في حين لا تزال أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار غير واضحة.

وتخلى “المركزي” إلى حدٍّ بعيد عن جهوده في الأشهر الأخيرة، في دعم قيمة الليرة، وذلك من أجل حماية احتياطاته النقدية الأجنبية المتبقية.

وكان “المركزي” قد خفض عدد المستوردات التي يمولها في شهر أيار/مايو الماضي إلى 41 مادة غذائية ودوائية وأولية، قبل خفضها مجددًا في آب/أغسطس 2019 إلى النصف. وجاء الإعلان منذ أيام عن توقف تمويل المستوردات، بالكامل، بحجة البحث عن آلية جديدة ستصدر لاحقًا.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق