شهدت أسواق البالة (الألبسة المستعملة) انتعاشًا كبيرًا في محافظة إدلب، في الآونة الأخيرة، حيث زاد الطلب عليها من قبل الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، لعدم قدرتهم على شراء الألبسة الجديدة التي لم يعد ثمنها يتناسب مع دخلهم، إضافة إلى أن هناك من يشترون ملابس البالة المهترئة، كي يستعملوها وقودًا للمدافئ، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات.
صالح العبدي، تاجر في سوق ألبسة البالة في مدينة سلقين غربيّ محافظة إدلب، يقول لـ (جيرون): “أعمل في تجارة الألبسة المستعملة منذ أربعة أعوام، ومعظم من يقصد المتجر هم من العوائل الفقيرة من السكان الأصليين والنازحين إلى المدينة، إضافة إلى أهالي المخيمات، نظرًا إلى انخفاض سعر ألبسة البالة مقارنة مع الألبسة الجديدة”.
وأشار العبدي إلى أن “الطلب على الألبسة المستعملة زاد هذا العام أكثر من الأعوام السابقة، نتيجة تزايد أعداد النازحين في المدينة والمخيمات المجاورة، ولا سيما مع اقتراب فصل الشتاء وحاجة المدنيين إلى الألبسة الشتوية، وبخاصة ألبسة الأطفال”.
وبحسب العبدي، فإن الألبسة المستعملة تدخل إلى محافظة إدلب من تركيا، عبر معبر (باب الهوى) الحدودي شماليّ إدلب، وتختلف أسعارها تبعًا لنوعية البضاعة وجودتها. وأضاف: “تصل ألبسة البالة في أكياس كبيرة، ويراوح وزنها ما بين 100 إلى 250 كيلو غرام، وكل كيس يحتوي على صنف محدد (ولادي، أو نسائي، أو رجالي)، وتختلف الأسعار بحسب جودة الملابس، والكيس الذي يحتوي على ملابس جيدة يصل سعره إلى نحو 150 دولارًا، وفيه ما يقارب 350 قطعة، بينما الألبسة ذات الرديئة فإن سعر الكيس منها يصل إلى نحو 50 دولارًا، وعدد القطع ذاته تقريبًا، وكلا النوعين يُباع للمستهلك بالليرة السورية، وبأسعار تناسب الطبقة الفقيرة”.
عبد الإله الأحمد، نازح إلى مدينة سلقين من ريف إدلب الجنوبي، وهو مسؤول عن إعالة أسرة مكونة من ستة أفراد، يقول لـ (جيرون): “أعمل في مشغل زيتون، بأجر يومي يبلغ 1700 ليرة سورية لقاء 7 ساعات عمل، وهي لا تكفي لشراء ألبسة شتوية جديدة للأطفال، حيث إن تكلفة شراء ملابس شتوية جديدة لطفل واحد فقط كـ (بنطال، بلوزة، معطف) تبلغ على الأقل 15 ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ يفوق قدرتي، لذ ألجأ إلى شراء الألبسة المستعملة لعائلتي بمبلغ لا يتجاوز 10 آلاف ليرة سورية”.
من ناحية أخرى، يلجأ كثير من الفقراء، ولا سيما أهالي مخيمات النزوح، إلى حرق الألبسة المستعملة المهترئة للحصول على التدفئة، لعدم قدرتهم على شراء المحروقات نظرًا إلى سعرها الباهظ الذي لا يتناسب مع دخلهم المعيشي.
مجيدة الأسود، والدة لثلاثة أطفال وتقيم في مخيم بتيا بريف مدينة سلقين، تقول لـ (جيرون): “أذهب كل يومين إلى محال الألبسة المستعملة في مدينة سلقين وحارم وبقية المدن المجاورة، من أجل الحصول على الألبسة المهترئة غير المخصصة للبيع، كي أستعملها في التدفئة والطهي وتسخين المياه بدلًا من الغاز”، لافتة إلى أن سعر أسطوانة الغاز 7500 ليرة سورية، وهي غير قادرة على دفع ثمنها، كما أن سعر الليتر الواحد من المازوت 500 ليرة سورية، وتحتاج الأسرة الصغيرة إلى 3 ليتر في اليوم كمعدل وسطي، من أجل الحصول على التدفئة”.
وأضافت الأسود: “أجمع ما بين الحين والآخر ما يقارب 25 كغ من الألبسة البالية، وأقوم بتخزينها في جوار خيمتي من أجل استعمالها لاحقًا في أوقات البرد القارس، على الرغم من الأضرار التي تنتج عنها، ولكن ما من حل آخر لتجنيب الأطفال برد الشتاء”.
وعن الأضرار التي تنتج عن حرق الألبسة المستعملة، قال الدكتور أسعد السيد أحمد، اختصاصي في الأمراض الصدرية، لـ (جيرون): “جميع أنواع الألبسة تحتوي على مادة البلاستيك، وعند حرقها ينتج منها غاز أول أكسيد الكربون الذي يؤثر في الجهاز التنفسي والقفص الصدري، خصوصًا المصابين بأمراض الربو، إضافة إلى التسبب في ضعف نمو الرئتين عند الأطفال”، مؤكدًا أن “استنشاق غاز الكربون يتسبب في سرطان الرئة، على المدى البعيد”.