تستمر روسيا وقوات النظام في خرق اتفاق “وقف إطلاق النار”، أحادي الجانب، مستهدفة بالصواريخ وقذائف المدفعية منطقة “خفض التصعيد” الرابعة في إدلب، ومحدثة دمارًا كبيرًا في المنطقة، على الرغم من أنها خالية من المدنيين، إضافة إلى استمرار قوّات النظام في الخروقات البرية نتيجة محاولاتها المتكررة التسلل نحو مناطق جديدة في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي، وتحقيق تقدّم عسكري باتجاه قرى (المشيرفة، أم الخلاخيل، وأرض الزرزور) جنوب شرق إدلب، خلال يومي أمس الأحد وفجر اليوم الاثنين، بمساندة جوية من سلاح الجو الروسي، أجبرت فصائل المعارضة على الانسحاب إلى الخطوط الخلفية.
تتبع قوّات النظام سياسة قضم مناطق استراتيجية في إدلب، تدريجيًا، لإحراز مكاسب لها على الأرض، قبل البدء بعمل عسكري فعلي في المنطقة، وهذا ما يساعدها في قصف مناطق جديدة في إدلب بسلاح المدفعية الثقيلة على مدى 40 إلى 70 كم، وتهجير سكانها بفعل القصف، فضلًا عن تدمير البنى التحتية والمنشآت الحيوية كـ (المشافي، المدارس، المؤسسات الخدمية)، والقضاء على مظاهر الحياة فيها، كما في مناطق جنوب إدلب (كفرنبل، ومعرة النعمان) وغيرها.
وكانت قوّات النظام قد سيطرت، أمس الأحد، على قرى (المشيرفة، أم الخلاخيل، أرض الزرزور) جنوب شرق محافظة إدلب، من بعد تمهيد جوي ومدفعي، وسط استمرار المعارك على محور قرية الفرجة والقرى المحيطة بها، بهدف تطويق المنطقة والسيطرة عليها كاملةً.
استخدم النظام، في حملته العسكرية البرية على مناطق جنوب شرق إدلب، تقنيات حديثة كالمناظير الليلية الروسية، إضافة إلى مساندة طائرات الاستطلاع التي ترصد تحركات الفصائل العسكرية وتقصف أماكنهم خلال دقائق قليلة من رصدها، فضلًا عن رصدها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة واستهدافها مباشرة، بالطائرات الحربية الروسية من طراز (SU24)، مما سهّل على قوّات النظام السيطرة على مناطق جديدة كـ (المشيرفة، وأم الخلاخيل)، في ظل عجز فصائل المعارضة عن التصدي لهم بالأسلحة المتوسطة والثقيلة.
تأتي أهمية قرية المشيرفة الاستراتيجية في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، من كونها خط الدفاع الأول لفصائل المعارضة عن المنطقة، وتقع في منطقة مرتفعة، وتكشف مواقع واسعة في المنطقة، كـ (أم الخلاخيل وأرض الزرزور) التي سقطت فجر اليوم الاثنين بيد النظام، إضافة إلى إشرافها على قرى السحال والفرجة، ومناطق أخرى في الريف ذاته.
تسعى روسيا، من خلال تصعيدها الجوي على مناطق جنوب وجنوب شرق إدلب، لا سيّما المناطق القريبة من الطريق الدولي M4، إلى الضغط على تركيا، من أجل تنفيذ مقررات (سوتشي) التي تنص على حلّ ما يُسمى بـ (قوات سوريا الديمقراطية)، وانخراطها ضمن فيلقٍ يتبع لـروسيا، على غرار (الفيلق الخامس/ عناصر المصالحات) ويتولى إدارة المنطقة الشرقية، فيما تقوم تركيا بحلّ (هيئة تحرير الشام) ودمجها بـ (الجيش الوطني السوري) ضمن فترة زمنية أقصاها شهرين، ومن ثم العمل على فتح الطرقات الدولية (M4-M5)، وتسيير دوريات مشتركة في المنطقة.
تُشير هذه المعطيات إلى أن التفاهمات بين روسيا وتركيا، بشأن حلّ (هيئة تحرير الشام) ودمجها بالجيش الوطني، والعمل على فتح الطرقات الدولية، وتسيير دوريات مشتركة في المنطقة، باءت بالفشل، ولا سيما بعد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في أميركا، وتلقي تركيا عروضًا أميركية، من بينها تسليح “الجيش الحر”، مقابل إيقاف صفقة الـ S400 بين تركيا وروسيا، عند الحد الذي وصلت إليه، الأمر الذي أغضب روسيا ودفعها إلى زيادة حدّة وتيرة القصف على مناطق إدلب، وتحريك قوّات النظام من الجهة الشرقية لإدلب، للضغط على تركيا، وفي سياق ذلك تأتي سيطرة النظام على المشيرفة شرقيّ إدلب.
يُرجّح أن تشهد مناطق إدلب، خلال الأشهر القريبة القادمة، معارك طاحنة تبدأ بها روسيا وقوات النظام ضد فصائل المعارضة، من أجل إحكام السيطرة على الطرقات الدولية (M4-M5) على غرار ما حصل في مناطق شمال حماة، وصولًا الى منطقة خان شيخون جنوبيّ إدلب، وفق استراتيجية عسكرية جديدة.
وفي هذا الشأن، قال مصدر عسكري خاص لـ (جيرون): “إن روسيا ستتبع سياسة جديدة في معاركها في إدلب، خلال الأشهر القادمة، للتقليل من خسائر قواتها وعتادها البري، وهي سياسة إحكام الطوق العسكري على فصائل المعارضة، لإجبارهم على الانسحاب من منطقة إلى أخرى”.
وبحسب المصدر أيضًا، يُرجح أن تبدأ روسيا عملها العسكري على مرحلتين: الأولى تنطلق من سنجار في ريف إدلب الشرقي باتجاه تل خزنة وصولًا إلى معرة النعمان جنوبيّ إدلب، ثم تل الطوقان وصولًا إلى سراقب شرقيّ إدلب، فيما تنطلق المرحلة العسكرية الثانية من سهل الغاب في ريف حماة الغربي باتجاه محاور الكبانة شماليّ اللاذقية، وأيضًا فتح نافذة عسكرية أخرى للنظام من محور سهل الغاب باتجاه بلدة محمبل التابعة لمنطقة جسر الشغور غربيّ إدلب، وبذلك تكون روسيا والنظام قد أتمّا السيطرة على هذه المدن، وفرضا طوقًا عسكريًا كاملًا على الفصائل العسكرية في مناطق جنوب إدلب وجبل الزاوية، حتى حدود مدينتي أريحا جنوب إدلب وجسر الشغور غربيّ إدلب، وإجبارها على الانسحاب إلى المناطق الحدودية مع تركيا في شمال إدلب. وإذا حصل ذلك، فستُصبح روسيا سيّدة المشهد، ويُصبح الدور التركي ضعيفًا أمام ما حققتهُ روسيا بالقوة في منطقة إدلب، ومن الممكن أن تخرج تركيا ونقاطها العسكرية في مورك شمال حماة، وحيش ومعرحطاط جنوب إدلب وتل الطوقان والصرمان شرقيّ إدلب، من دائرة المنطقة، وتبقى المنطقة تحت النفوذ الروسي.