سلايدرقضايا المجتمع

ثورة سان فرانسيسكو والثورة السورية السلميتين

لم يتوقع سكوت ماكنزي (1939-2012) المغني والملحن الأميركي، أن تتحوّل أغنيته (سان فرانسيسكو) أو (إن كنت ذاهبًا إلى سان فرانسيسكو)، إلى أيقونة الحرية في العالم، في واحدة من أجمل الثورات السلمية في التاريخ عام 1967، فقد طالب في أغنيته بارتداء إكليل زهور على الرأس، ولم يتخيل أن تتحول “قوة الزهور” تلك في الستينيات من القرن الماضي، إلى قوة سلام إنسانية عظيمة على مرّ العصور، لتتصاعد حركة الشباب في العالم، ولتصبح الأغنية رمزًا لإنهاء الحرب في فيتنام والحب الحر، فاعتمدتها حركة الحرية العالمية.

بالمقابل، أشعلت أغنية “يا حيف” لسميح شقير، الثورة السورية السلمية ضد النظام القمعي في دمشق، وكان قد أشعلت الثورة السورية أغاني الربيع العربي التي سبقت الثورة السورية بمدة قصيرة، بدايات عام 2011، مثل أغنية “هيلا هيلا يا مطر” لحمزة نمرة، على إثر انتصار الثورة التونسية، وأغنية “إزاي” لمحمد منير، على إثر انتصار الثورة المصرية السلمية أيضًا، وأغنية “زنقا زنقا” في الثورة الليبية، فقد تأثر الشباب السوري بأغاني الثورات العربية، وغنى الساروت “جنة سورية يا وطنا”، وأنشد القاشوش “يلا ارحل يا بشار”.

لم يكن مقصد ماكنزي في البداية تلك الثورة الشبابية الأميركية، فقد كتب كلمات الأغنية آنذاك من وحي مهرجان مونتيري بوب في كاليفورنيا، ليسجل مغني ولاية كارولاينا الشمالية نشيد الثقافة المضادة، ليرتدي كل شباب العالم آنذاك إكليل الزهور البرية، عند خروج أغنيته من الأستوديو.

وصلت الأغنية إلى بريطانيا، ومن ثمّ انتشرت في كامل أوروبا كالنار في الهشيم، فأنشدها المتظاهرون في دول أوروبا الشرقية، لمواجهة القمع السوفييتي، في عز ربيع أوروبا الشرقية في مواجهة الأنظمة الاستبدادية التابعة للسوفييت، وتم تشغيلها بمكبرات الصوت خلال ثورة ربيع براغ، عاصمة تشيكوسلوفاكيا آنذاك، عام 1968، وأنشدها طلاب باريس في ثورة أيار 1968، التي دفعت الزعيم الفرنسي شارل ديغول إلى تنظيم استفتاء واستقالته.

ودُعي ماكنزي ذاته عام 1991، لأداء أغنيته العظيمة (سان فرانسيسكو) في برلين الشرقية، بعد سقوط جدار برلين، والوحدة الألمانية وتفاجأ، خلال لقائه الجمهور الألماني، بأن كثيرًا من شبان ألمانيا الشرقية سُجنوا وقمعوا لمجرد استماعهم لتلك الأغنية، فقد تحولت إلى رمز للأمل والحرية والتغيير.

مع ذلك، فقد فهم ماكنزي إرث موسيقاه على مدى جيل، وترك رسالة على الموقع الإلكتروني: “عندما تم إصدار سان فرانسيسكو لأول مرة في ربيع عام 1967، كانت بلادي بحالة فوضى بشأن الحرب المتصاعدة في فيتنام، ونزيف من أعمال الكراهية والعنف والعنصرية، لقد كنا منفعلين بسبب الاغتيالات السياسية في الولايات المتحدة آنذاك، فكانت ردة فعل كثير منّا القيام بثورة سلمية، عبر التظاهرات والاحتجاجات غير العنيفة المتعلقة بالحقوق المدنية”.

تشبه ثورة صيف الحب في سان فرانسيسكو ربيع الحرية في دمشق ودرعا وحمص وكامل سورية، وعلى الرغم من تحول تلك الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة نتيجة دفع النظام القمعي، الثوار السلميين السوريين، إلى رفع السلاح، فقد بقيت الروح السلمية في كثير من الشبان الذين قضوا في المعتقلات الأسدية أو هجروا من بلادهم.

ويتابع ماكنزي حول أغنيته الأسطورية: “عندما فقد كثيرون منا الأمل، وعندما تحول صيف الحب إلى شتاء من اليأس، ساعدت موسيقانا في إبقائنا على قيد الحياة، ودفعنا إلى الأمام في عالم كنا نأمل في تغييره”.

تقول كلمات أغنيته:

إذا كنت تريد الذهاب إلى سان فرانسيسكو

تأكد من تعليق بعض الزهور على شعرك

إذا كنت تريد الذهاب إلى سان فرانسيسكو

ستلتقي بعض الناس اللطفاء هناك

بالنسبة لأولئك الذين يأتون إلى سان فرانسيسكو

سيكون وقت صيف الحب هناك

في شوارع سان فرانسيسكو

أناس لطفاء مع أزهار بأيديهم

بمثل هذا الاهتزاز الغريب (الثورة)

الناس تتحرك (العالم يتغير)

هناك جيل جديد مع تطلع جديد

الناس في حراك، الناس في حراك

أغرت الأغنية الجنود الأميركيين في فيتنام، بالحلم بالعودة للوطن، والعيش في جنة وعاصمة السلام سان فرانسيسكو، التي وصفها كثير من شباب العالم بـ “المدينة المقدسة” التي أدت إلى تغيير العالم، فقد شهدت المدينة من قبل ولادة منظمة الأمم المتحدة عام 1945، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي ذي بالستينيات تصنع عالمًا جديدًا، وأدت إلى تشكيل وعي ثقافي ضاغط على المؤسسة العسكرية والإرادة السياسية الأميركية، وكانت بداية نهاية الحرب الفيتنامية الفعلية.

وبالمقابل، بقي الغناء في ثورات الربيع العربي، ومنها الثورة السورية، أكبر رموز الثورة السلمية الأبقى والأكثر استمرارية، فهي نقطة تحوّل تعيد للتاريخ عقله المفقود في الثقب السوري الحالي، وتشعل النور في نفق الاضطهاد السوري الطويل.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق