سلايدرقضايا المجتمع

إدلب.. أزمة المحروقات وهبوط الليرة السورية يفاقمان معاناة المدنيين

تكاد مظاهر الحياة تختفي في محافظة إدلب تدريجيًا؛ بسبب انعدام المحروقات بصنفيها (المازوت، البنزين) بعدما توقف تصديرها من مناطق سيطرة (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد) في شرق سورية، إلى مناطق الشمال السوري، بالتزامن مع إعلان تركيا عملية (نبع السلام) العسكرية، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ضد (قسد)، إضافة إلى سوء الأحوال المعيشية لدى سكّان المنطقة بسبب ارتفاع أسعار جميع أنواع السلع، نتيجة تدهور الليرة السورية أمام الدولار الأميركي.

أدى غياب المحروقات عن محافظة إدلب إلى أزمة خانقة بين سكّانها، حيث باتت الكهرباء شبه مقطوعة عن منازل المدنيين، وتوقفت الورشات الصناعية عن العمل متسببة في ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، إضافة إلى قلة إنتاج الخبز في الأفران الآلية، وزيادة الطلب عليه كونه مادة غذائية رئيسية في المنزل.

تراجع في تشغيل عدد ساعات الأمبير الكهربائي

شهدت جلّ مناطق إدلب تراجعًا في ساعات عمل المولدات الكهربائية التي توزّع الأمبيرات على المنازل والورشات الصناعية، فيما شهدت مناطق أخرى انقطاعًا تامًا، بسبب نفاد المحروقات لديهم وعجزهم عن توفيرها.

وفي ذلك يقول أبو محمد، وهو صاحب مولدة كهربائية في معرة النعمان جنوبي إدلب، لـ (جيرون): “إن أزمة المازوت في المنطقة أدت إلى تراجع تشغيل عدد ساعات الكهرباء، من 6 ساعات إلى ساعتين، بسبب صعوبة الحصول على مادة المازوت الأوروبي المستورد من تركيا من قبل شركة (وتد) للبترول، ولغلاء ثمنه الذي لا يتناسب مع عدد ساعات التشغيل الرئيسية”، مؤكدًا أن “سعر برميل المازوت الأوروبي (220 ليترًا) وصل في الأسواق الحرّة إلى نحو 150 ألف ليرة سورية، بعد أن كان سعره في الأسابيع الماضية يراوح بين 65 إلى 70 ألف ليرة، حينما كان متوفرًا بكثرة في الأسواق”.

وأكد أبو محمد أن “أصحاب مولدات الاشتراك في المنطقة سوف يتوقفون عن تشغيل المولدات الكهربائية، في الأيّام القادمة؛ ما لم يتوفر مازوت بسعر مناسب”.

من جهة أخرى، قال عبد الرحيم سالم، صاحب ورشة لصناعة النايلون في ريف إدلب، لـ (جيرون): “توقفت ورشتي عن العمل لعدم توفر المازوت المكرر، واحتكار الشركات المستوردة للمازوت الأوروبي، وصرنا مضطرين إلى شرائه من الأسواق الحرّة بأسعار باهظة الثمن، إذ وصل سعر البرميل إلى 160 ألف ليرة سورية”، مشيرًا إلى أن ورشته تحتاج يوميًا إلى برميل كامل من أجل التشغيل، إضافة إلى تكاليف اليد العاملة. وأكد أن “التكاليف الإجمالية تصل يوميًا إلى نحو 180 ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ غير متكافئ مع الإنتاج، لذا كان الخيار الأجدر أن أغلق مصنعي، ريثما تتوفر مادة المازوت بثمن مناسب”.

أزمة أفران الخبز

شهدت أفران الخبز في محافظة إدلب انخفاضًا في عملية الإنتاج؛ بسبب أزمة المحروقات وتدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، إذ تجاوز سعر الدولار الواحد حدود 900 ليرة سورية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر الربطة من 200 ليرة سورية (11 رغيفًا، بوزن كلي 900 غرام)، إلى 250 ليرة سورية، بمحتوى أقل (7 أرغفة بوزن 650 غرامًا).

وقال عدنان الأحمد، صاحب مخبز آلي في ريف إدلب الغربي، لـ (جيرون): إن “تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، وارتفاع سعر المازوت الأوروبي المستورد من الأسواق السودة، تسببا في انخفاض كمية الإنتاج، من 10 آلاف ربطة إلى 6 آلاف، وسط ازدياد الطلب عليه من قبل المواطنين خوفًا من الانقطاع”، مؤكدًا أن “جميع أفران الخبز تشهد حالة من الازدحام، وقد ينتظر المستهلك، للحصول على الربطة، نحو ساعة أو أكثر”.

وأشار الأحمد إلى أن “جميع أصحاب الأفران يواجهون صعوبة في الحصول على المازوت من الشركة المستوردة (وتد)، لقلة كميته في المنطقة، وازدياد الطلب عليه من قبل المعامل الأخرى، كمعامل عصر الزيتون”، لافتًا إلى أنهم يشترون “البرميل الواحد من الأسواق الحرّة، بسعر يراوح بين 150 إلى 160 ألف ليرة سورية، ويستهلك الفرن يوميًا نحو برميلين”.

عن أسباب ارتفاع سعر الربطة الواحدة، وانخفاض وزنها، قال الأحمد: “إن ارتفاع سعر المازوت كان له تأثير 70 بالمئة في انخفاض وزن الربطة، بينما 30 بالمئة كانت نتيجة هبوط الليرة السورية أمام الدولار، لأن الطحين يُستورد من تركيا ويُدفع ثمنه بالدولار الأميركي”.

كارثة إنسانية تهدد القطاع الصحي في إدلب

سبق أن حذرت (مديرية صحة إدلب الحرّة) من كارثة قد تطال القطاع، بسبب ندرة المحروقات اللازمة لتشغيل الأجهزة والأدوات الطبية في المراكز والمشافي، بالتزامن مع حملة قصف عنيفة تشنها روسيا وقوات النظام على مناطق متفرقة في ريف إدلب، أدت إلى خروج المرافق الحيوية عن الخدمة.

وأكد مصدر طبي لـ (جيرون) أن “جميع المشافي والمراكز الطبية، وعددها نحو 53، مهددة بالإغلاق؛ ما لم تتوفر حلول عاجلة لهذا القطاع”، لافتًا النظر إلى أن “هناك أقسامًا مهمة، كغرف العمليات وأقسام العناية المركزة ومراكز الكلى وحواضن الأطفال وسيارات الإسعاف، تعمل على مدار 24 ساعة، وقد تتوقف عن العمل في أي لحظة، وسيؤدي هذا الأمر إلى وقوع كارثة إنسانية كبيرة، في ظل استمرار قصف النظام وروسيا على أماكن المدنيين”.

الناشط الاقتصادي (س.ق) من محافظة إدلب، عزا أسباب أزمة المحروقات في إدلب، إلى العمليات العسكرية في منطقة شرق الفرات، ورأى أنها “تسببت في ضعف توريد المحروقات إلى مناطق ريف حلب الشمالي”، وأضاف إلى قائمة الأسباب “الضربات الجوية على منطقة ترحين والكوسا شماليّ حلب، مركز الحراقات في المنطقة، حيث ارتفعت الأسعار على أثر الضربة الجوية بنسبة 20 بالمئة”.

وقال لـ (جيرون): “إن نقص المحروقات في حراقات شماليّ حلب سبب ضعفًا في توريد المحروقات إلى محافظة إدلب بشكل كبير وبكميات قليلة، ولا سيّما أن تلك الكميات تخضع لضرائب كبيرة في أثناء توجهها من إعزاز شمال حلب وصولًا إلى المعابر بين إدلب ومنطقة (درع الفرات)”، مؤكدًا أن “الكمية التي تدخل إلى إدلب يتم إجبار أصحابها على ترحيل حمولتهم، إلى سوق ترمانين في ريف إدلب الذي تُسيطر عليه (شركة وتد للبترول) التابعة للجناح الاقتصادي في (هيئة تحرير الشام)، وبالتالي تُحول مصادر الاستيراد إلى جهة واحدة تُغذي السوق، بحسب الكيفية لا بحسب الحاجة، علمًا أن المحروقات التي يتم ضخها في أسواق إدلب هي مخزنة سابقًا لدى مستودعات (وتد)”.

أما عن المحروقات المستوردة من تركيا، فإن شركة (وتد)، بحسب (س.ق) “تحتكر استيراد المحروقات الأوروبية للداخل السوري بأسعار باهظة الثمن، وتدّعي أن سبب ارتفاع سعر المحروقات هو هبوط الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، وهذا ادعاء غير صحيح، لكونها تقوم بتغيير لائحة الأسعار بحسب سعر الصرف، ولديها كميات كبيرة مخزنة في مستودعاتها قبيل هبوط الليرة السورية إلى الحد الذي وصلت إليه”.

وحول تخبط أسعار المحروقات بين المنطقة والأخرى في إدلب، رأى (س.ق) أن ذلك “يعود لحصر شركة وتد للأسواق في مناطق معينة، حيث يضّطر تجار المناطق البعيدة إلى شرائها حصريًا من تلك الأسواق، ودفع تكاليف نقلها وبيعها في الأسواق المحلية بأسعار مرتفعة”.

ازدياد نسبة البطالة بالتزامن مع أزمة المحروقات وهبوط الليرة السورية

أدى توقف بعض المصانع عن العمل بسبب أزمة المحروقات، إلى ارتفاع نسبة البطالة في المنطقة، ولا سيما في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنطقة، بعد هبوط قيمة الليرة السورية إلى أكثر من 900 ليرة أمام الدولار الأميركي، وارتفاع أسعار جميع أنواع السلع.

يقول خالد العاس، عامل في سابق في ورشة صناعة الحديد في إدلب، لـ (جيرون): “توقفت الورشة التي كنت أعمل فيها عن العمل، منذ ما يقارب 15 يومًا، لنفاد المحروقات التي تُساعد في تشغيل المعدات الكهربائية، وعجز صاحب الورشة عن تأمين مادة المازوت”، لافتًا النظر إلى أنه كان يتقاضى أجرًا يوميًا يراوح بين 1700 إلى 2000 ليرة سورية، وهو وزملاؤه اليوم عاطلون عن العمل، “لعدم توفر فرص أخرى في المنطقة”.

وأشار العاس إلى أن “الأجر اليومي الذي كان يتقاضاه سابقًا، بات اليوم لا يساوي شيئًا، حيث إن أسعار جميع أنواع السلع من الخضراوات والمواد الغذائية وغيرها ارتفعت بنسبة 40 بالمئة، كونها مرتبطة بالدولار، بحسب أقوال التجار، وعلى هذه الحال تحتاج الأسرة البسيطة يوميًا إلى نحو 6 آلاف ليرة سورية، من أجل سد رمقها، وهذا المبلغ من الصعب أن يحصل عليه العامل في يوم واحد، خصوصًا أن الأجور ما زالت بالليرة السورية، من دون النظر إلى حال الفقراء وغلاء الأسعار”.

وعن حركة الأسواق المحلية في ظل ارتفاع الدولار الأميركي أمام الليرة السورية، قال محمد الجميل، تاجر مواد غذائية في إدلب، لـ (جيرون): إن أسواق “إدلب شهدت خلال الأيام الماضية حركة جمود في حركة البيع، في ظل ارتفاع الدولار الأميركي”، مذكرًا بأن “جميع المواد الغذائية والبقوليات تُستورد من تركيا عبر (معبر باب الهوى الحدودي) ويتم دفع ثمنها بالدولار الأميركي، وجميع التجار مجبرون على رفع الأسعار، لكيلا يتكبدوا خسارة في أثناء البيع”.

وبحسب الجميل، فإن “معظم المواد الغذائية والخضروات والبقوليات، إضافة إلى مواد التنظيف الأساسية، ارتفعت أسعارها بنسبة تراوح بين 35 إلى 40 بالمئة، وانعكس ذلك على القدرة الشرائية للأهالي في المنطقة، في ظل انخفاض مستوى الدخل وقلة فرص العمل”.

وعن أسباب انهيار سعر صرف الليرة السورية وتسجيلها قيمة 960 مقابل دولار أميركي واحد، في ليل الاثنين 2 كانون الأول/ ديسمبر، قال الدكتور عبد الحكيم المصري، وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، لـ (جيرون): “إن انخفاض قيمة العملة السورية هو نتيجة لما يحصل في لبنان، وتعطّل المصارف اللبنانية عن العمل، على اعتبار أن رؤوس النظام السوري والتجار تؤمن أموالها عن طريق تلك المصارف، إضافة إلى أسباب أخرى، منها إعلان النظام لموازنته المالية في مجلس الشعب حتى عام 2020 والتي تبلغ 4 ترليون ليرة سورية، حيث إن قيمة العجز فيها بلغت نحو 1.5 ترليون، أي ما يعادل 37 بالمئة من قيمة الموازنة، ويتم تغطيتها بالتمويل بالعجز أي إصدار نقد من دون أي تغطية إنتاجية أو عملات أجنبية، كون النظام لا يمتلك عملات أجنبية أو رصيد ذهب أو إنتاج، وسوف يؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة سعر الصرف”.

تطرق المصري إلى أسباب أخرى لتدهور سعر صرف الليرة السورية، وهي “انخفاض الناتج المحلي من 69 مليار دولار أميركي عام 2010 إلى أقل من 20 مليار دولار حتى العام الجاري، إضافة إلى أزمة البترول الخانقة”، مشيرًا إلى أن “النظام كان مدخوله اليومي قبل الثورة السورية يبلغ نحو ثمانية مليون دولار يوميًا من ثمن المحروقات بصنفيها (المازوت والنبزين)، حينما كانت تُصدّر إلى خارج البلاد، بينما النظام اليوم مستورد للبترول، إضافة إلى فرض العقوبات الاقتصادية والديون المتراكمة على النظام لروسيا وايران والعراق والصين وفنزويلا، إضافة إلى سياسة القمع والتدمير الإجرامي التي يتبعها النظام في مناطق الشمال السوري”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق