نسمع بين الحين والآخر، في هذا البلد أو ذاك، عن إجبار وزير أو مسؤول حكومي على تقديم استقالته، إما بسبب ارتكابات مخالفة للقانون أو التهديد بفضيحة شخصية، وما إلى ذلك من وسائل إكراه، لكننا لم نسمع يومًا عن وزير أو رئيس حكومة يتم تكليفه تحت وطأة التهديد والوعيد، إن رفض التكليف.
في لبنان، هناك استعصاء في تشكيل حكومة جديدة، بدلًا من حكومة سعد الحريري المستقيلة تحت ضغط الشارع واستجابةً لمطالبه، بعد فشله في إجراء تعديل وزاري يبتعد فيه من المحاصصة السياسية تجاه المختصين من التكنوقراط لتحويل الحكومة إلى حكومة إنقاذ، والسبب في الاستعصاء الجديد – القديم هو أن (حزب الله) و(حركة أمل) والتيار العوني يصرون على تكليف الرئيس المستقيل بتشكيل الوزارة مجددًا، وفي الوقت ذاته يصرون على تسمية جبران باسيل وزيرًا للخارجية، علمًا بأن الوزير باسيل قد أُسقط شخصيًا في الشارع الذي لن يقبل بشكل من الأشكال بتوزيره مجددًا، ولكن لماذا يصر (حزب الله) على جبران باسيل؟
يصرّ (حزب الله) على توزير باسيل، لكون الأخير جزءًا من صفقة متكاملة أبرمها الحزب مع التيار العوني، سمحت بوصول ميشيل عون إلى سدة رئاسة الجمهورية وباسيل إلى وزارة الخارجية، وهو يقوم عمليًا بالتغطية على سلاح (حزب الله) إقليميًا ودوليًا، وفي كل المحافل والاجتماعات والمؤتمرات، هذا إضافة إلى إجبار جميع الحكومات التي تم تشكيلها بعد اجتماع الطائف المؤسِّس لنظام الحكم في لبنان، على تبني مقولة (جيش – شعب – مقاومة)، ودور باسيل هو تنفيذ هذا الشعار والدفاع عنه.
وبمناسبة الحديث عن عزل جبران باسيل، كأحد نتائج الحراك الثوري في لبنان، فقد قُطع الطريق على جبران باسيل من الوصول إلى قصر بعبدا خلفًا لميشيل عون، وتحدثت مصادر عدة عن أن هناك اتفاقًا تم إبرامه بين باسيل و(حزب الله) بهذا الخصوص.
يصرّ (حزب الله) بالدرجة الأولى على تولّي سعد الحريري تشكيل الحكومة، لمعرفة الحزب أن هذه المرحلة بالذات لن يستطيع فيها قيادة الحكومة شخص غير سعد الحريري، لما للرجل من علاقات خارجية في دوائر السياسة والاقتصاد، ويريد الحزب الاستثمار في هذه العلاقات، من خلال شخص رئيس الحكومة سعد الحريري، وهذا لن يتحقق عبر أي شخص آخر من خارج الحلقة السياسية، خاصة بعد بيان رؤساء الحكومات السابقين عن دعمهم لشخص الحريري، وهذا إعلان مباشر من طرفهم، بأنهم أيضًا يرفضون التكليف برئاسة الحكومة، وفي هذا السياق، وصل الأمر بزعيم (حزب الله) إلى التهديد بمحاكمة سعد الحريري، في حال إصراره على الاستقالة وعدم قبول التكليف مجددًا، مُحمّلًا الحريري المسؤولية جزئيًا عمّا وصل إليه لبنان.
ذهب (حزب الله) أبعد من ذلك في تهديده، حين أرسل محازبيه إلى الشوارع للتحرش بالمتظاهرين وخلق حالة من الانفلات الأمني، وشاركه في ذلك رئيس الجمهورية، من خلال إرسال بعض أتباعه إلى بكفيا، للتهجم على منزل رئيس الجمهورية السابق دون مبرر يذكر إلا محاولة للإيحاء بأن هناك حالة انفلات أمني، ظنًا من (حزب الله) وميشيل عون بأن التهديد بالانفلات الأمني قد يُجبر سعد الحريري على القبول بالتكليف الجديد، لتشكيل حكومة بشروط (حزب الله) وتبنّي الشعارات التي تؤمن التغطية على سلاح الحزب.
(حزب الله) الذي وجد نفسه محشورًا في الزاوية من الناحية الاقتصادية (بعد منع تمويله من إيران وفرض الولايات المتحده سلسلة من العقوبات الاقتصادية على إيران، طالت بعض البنوك اللبنانية التي تتعامل مع الحزب وكذلك بعض القادة في الحزب وبعض الشخصيات الداعمة له) بات يعوّل على خزينة الدولة اللبنانية، لإنقاذ نفسه من الإفلاس وإنقاذ بيئته الحاضنة والداعمة من التفكك بفعل الشح المالي.
لبنان اليوم أمام أزمة عميقة، ربما لا تنتهي إلا بتغيير شكل الحكم والنظام السياسي فيه، بعد أن أصبح اتفاق الطائف غير صالح لحكم البلد، ولا سيّما أن الحراك الثوري قد أتى خارقًا للطوائف، وفاجأ الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، وأدى إلى ظهور طائفة جديدة أكبر من جميع الطوائف السابقة، وهي طائفة الجوعى والمرضى والفقراء الذين كفروا بالنظام السياسي التحاصصي القائم.