لم يقتل سلاح الإرهاب من السوريين ما قتله سلاح مكافحة الإرهاب، إنه أمر مثير للسخرية والغضب أن نشاهد عشرات آلاف السوريين يُقتلون على مدار سنوات طويلة، بحجج كاذبة، والمأساة الأكبر أن من تم وسمهم بالإرهاب هم بالأصل مجموعات تم تشكيلها بمساعدة جهات استخباراتية متعددة الوظائف محددة، وأولها القضاء على أي حركة تحرر في المنطقة بعد وسمها بالإرهاب.
ما حصل في سورية حصل في العراق، وإن كان على نطاق أقل أو محدود جغرافيًا، كما حصل في الموصل التي سلمها بالكامل نوري المالكي إلى تنظيم (داعش)، وإلى اليوم لم يصرّح أي جهاز استخباراتي كيف تم ذلك، وما هو مصدر سيارات (داعش) الأولى التي دخلوا بها إلى الموصل؟ وما مبررات إرسال المالكي ملايين الدولارات إلى بنوك الموصل قبل يومين من هجوم (داعش) على المدينة، وكيف انسحب الجيش العراقي أمام هذا التنظيم الذي لم يكن يحمل مقاتلوه يومذاك أكثر من بنادق كلاشينكوف، ليصار بعدها إلى قتل عشرات آلاف المدنيين بذريعة “مكافحة الإرهاب”.
ما حصل في سورية والعراق لم يحصل في لبنان، بسبب التوازن الطائفي والديمقراطية القسرية التي يعيشها لبنان، إضافةً إلى أن الحراك في لبنان أتى عابرًا للطوائف، وشارك فيه شباب من كل طوائف لبنان، مع وجود جيش متوازن طائفيًا، والمفارقة المضحكة المبكية أن طائفية النظام كان لها فائدة هذه المرة، وهي عدم قتل المتظاهرين بذريعة الإرهاب.
بالعودة إلى العراق الذي يشهد حراكًا ثوريًا على كامل الطبقة السياسية، يغطّي كامل المناطق التي تنتمي إليها الطبقة الحاكمة والمتحكمة في العراق، نجد أنه لم يكن هناك ذريعة لدى هذه الطبقة الحاكمة بوصف المتظاهرين بتهم من قبيل (داعش) أو (النصرة) أو غيرها من التنظيمات الإرهابية؛ ولذلك خرج ممثل العراق في الأمم المتحدة -بكل وقاحة- ليصف مئات آلاف المتظاهرين بأنهم “مخربون ومندسون”، وذهب بعض قادة الأحزاب الدينية في العراق إلى أبعد من ذلك في وصف المتظاهرين، حين أطلقوا عليهم صفات من قبيل “شيعة أميركا” و”شيعة إسرائيل” و”الوهابية الشيعية”؛ كي يبرروا القوة المفرطة التي يستخدمونها في مواجهة المدنيين الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة، منذ قرابة شهرين على بدء الحراك، بل كان موقفًا محرجًا للسلطة الحاكمة عدم اشتراك المكوّن السُني في الحراك القائم، لأن ذلك فوّت على هذه السلطة البائسة فرصة اتهام الثورة بالإرهاب، وهي الصفة الملاصقة للمكون السنّي في سورية والعراق وإيران.
أين أميركا بجيشها وأجهزتها الاستخبارية مما يحري؟ وما هي حقيقة الموقف الأميركي؟
تطبق أميركا المبدأ الذي تحدث عنه كيسنجر مرارًا، وهو أن لا مصلحة لأميركا في حلّ أي نزاع، إنما مصلحتها هي الإمساك بخيوط اللعبة فحسب، فكل التصريحات التي صدرت عن الحكومة الأميركية كانت تقول إنها مع شعوب إيران والعراق وسورية في حراكها ومطالبها، لكنها على أرض الواقع لا تريد أي تغيير في الأنظمة الحاكمة، فمصلحة أميركا -والغرب من خلفها- هي بقاء المنطقة غارقة في وحل الصراعات المذهبية والدينية، والسبب بسيط وجوهري، وهو أن وجود حكومات قاتلة ومجرمة ومستبدة أفضل بالنسبة إلى الغرب من حكومات وطنية وشفافة وديمقراطية، فالعمل مع الحكومات الدكتاتورية أسهل، من حيث إنجاز الصفقات، من العمل مع حكومة وطنية ديمقراطية، حيث تعمد أميركا والغرب إلى ابتزاز هذه الحكومات مقابل البقاء في سدة الحكم سنين أطول.
أميركا قادرة في كل لحظة على تقديم دعم حقيقي لهذه الشعوب، كي تصل إلى حكومات وطنية، لكن ليس من المنطق أن نتوقع يومًا أن تعمل أميركا، أو الدول التي تنتمي إلى “العالم المتحضر”، عكس مصالحها القومية والوطنية.