تسيطر قوات النظام السوري على منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، منذ أكثر من سنة، فيما لا يزال هناك العديد من المواضيع الغامضة التي رافقت سيطرة ما يُعرف بـ “جيش خالد بن الوليد” المبايع تنظيم (داعش).
وظهرت، في الآونة الأخيرة، تسريبات ضمن تسجيلات فيديو لقياديين من التنظيم، فسّرت العديد من هذه المواضيع، منها ما يتعلق باغتيال “الأمير العام” للتنظيم (أبو هاشم الإدلبي)، ومنها ما يثبت علاقة التنظيم بمكتب قاسم سليماني (قائد فيلق القدس الإيراني) في سورية، ودعمه وتسهيله للعديد من أمور التنظيم، مقابل خدمات عديدة منها عمليات اغتيال نُفذت خلال عامي 2016 و2017، وعمليات لا تزال مستمرة حتى الآن، تنفذها خلايا شكّلها التنظيم بدعم من الإيرانيين.
تُظهر مقاطع الفيديو المسربة أربعة قياديين من (جيش خالد) في أثناء التحقيق معهم من قبل التنظيم نفسه، الذي قام بإعدامهم في مطلع أيار/ مايو 2017، بعد أن أدلوا بمعلومات عن اغتيال أمير التنظيم، وعلاقتهم مع مكتب سليماني، وتلقيهم مساعدات، وقيامهم بتشكيل خلايا نائمة في المنطقة، وهم أبو عبيدة قحطان، ونضال البريدي، ونادر القسيم، وأبو تحرير الأردني.
القيادي قحطان حج داوود (المعروف بأبي عبيدة قحطان) هو من مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين، وهو أحد الذين قاتلوا في أفغانستان ضد السوفييت في ثمانينيات القرن الماضي، مع من عرفوا باسم (المجاهدين العرب)، ثم أصبح أحد المرافقين الشخصيين لعبد الله عزام، مع شخص آخر من مدينة درعا يدعى (كساب المسالمة)، وكلاهما توجه إلى درعا مطلع العام 2013، بهدف تشكيل ما عرف بـ “لواء شهداء اليرموك” في حوض اليرموك، بقيادة محمد سعد الدين البريدي (الخال) ثم تحوّل اللواء إلى “جيش خالد بن الوليد” لاحقًا، وبايع تنظيم (داعش)، واغتالت (جبهة النصرة) البريدي عام 2016، وأصبح (أبو هاشم الإدلبي) القادم من شمال سورية أميرًا للتنظيم.
تحدث قحطان، عن اتصالات جرت عام 2016، بين نضال البريدي (القائد العسكري للتنظيم) ومندوب عن قاسم سليماني؛ بهدف تشكيل خلايا نائمة جديدة، وضم خلايا شكّلها الإيرانيون قبل ذلك تحت قيادة واحدة، تهدف إلى اغتيال الأشخاص والقيادات المؤثرة في منطقة حوض اليرموك، وأكد قحطان في حديثه أن البريدي أخبره بذلك، وأن أول قائمة للاغتيالات وصلت من سليماني للبريدي في تلك الآونة، مع مبلغ 35 ألف دولار.
أما نضال البريدي (شقيق مؤسس التنظيم) فقال خلال الحديث المسرب: إن (حزب الله) وإيران أرادوا تشكيل خلايا لهم في حوض اليرموك، مع تقديم تمويل إغاثي وعسكري لها، وعقد البريدي أول اتفاق مع الإيرانيين، لتسليمهم طائرة تجسس تابعة لهم أسقطها التنظيم، مقابل مبلغ 1,5 مليون دولار، ثم تم تعديل الاتفاق ليصبح تسليم الطائرة مقابل نقل مقاتلي تنظيم (داعش) من الحجر الأسود جنوبي دمشق إلى حوض اليرموك، وأكد البريدي أنه أرسل إلى سليماني أسماء عناصر الخلايا النائمة، بواسطة كرت ذاكرة “فلاشة”.
وتحدث نادر القسيم (مدير سجن جيش خالد) في التسجيل المسرب، أيضًا، عن اتفاقه مع نضال البريدي على تنفيذ عمليات اغتيال في المنطقة، كان أولها ضد الأمير الأمني للتنظيم المدعو (أبو البراء الأمني) في حين أن البريدي كان يخطط لاغتيال “الأمير العام” للتنظيم (أبو هاشم الإدلبي)، وقام بتنفيذ العملية فعلًا.
عملية اغتيال الإدلبي تحدث عنها ناصر قاسم سليمان الشطناوي (أبو تحرير الأردني)، بعد لقائه بنضال البريدي الذي طلب منه زرع لغم متفجر على الطريق الواصل بين بلدتي جملة وعابدين، من أجل إثارة الفوضى، واعدًا إياه بأنه سيصبح القائد العسكري للتنظيم، وكان اللغم لاغتيال أمير التنظيم الإدلبي.
مصدر خاص أكد لـ (جيرون) أن “التحقيقات مع قياديي (جيش خالد) جرت عام 2017، بعد استكمال سيطرة التنظيم على بلدات (تسيل، عدوان، الشجرة) في حوض اليرموك، وتم تسجيلها آنذاك، وأن إعدامهم جاء للتغطية على العلاقة بين التنظيم والإيرانيين، ولتحميلهم إعلاميًا هذه العلاقة، بينما استمرت تلك العلاقة حتى سيطرة النظام على المنطقة”.
وأوضح المصدر أن اغتيال أمير التنظيم (الإدلبي) تمّ بأوامر إيرانية مباشرة، بعد أن عرف بالعلاقة بين البريدي وبعض القيادات مع مكتب سليماني و(حزب الله)، فقرر حينذاك سحب المقاتلين التابعين للتنظيم من خارج درعا إلى الشمال السوري، فتمّ اغتياله.
وأشار المصدر إلى أن “كل ما قام به (جيش خالد بن الوليد) بعد العام 2017 يدل على تبعيته لإيران، ووجود علاقة مع النظام السوري، ومن ذلك المعارك التي خاضها التنظيم ضد فصائل المعارضة المسلحة، وعمليات الاغتيال التي طالت العديد من قادة المعارضة، وفتح معارك ضد المعارضة في الأوقات التي كان الخناق يضيق فيه على قوات النظام السوري، خاصة في معركة (الموت ولا المذلة) في شباط/ فبراير 2017، بعد أن كادت المعارضة تسيطر على كامل مدينة درعا، بعد وصولها إلى منطقة سجنة قرب ضاحية درعا.
يُذكر أن عددًا من قيادات وعناصر (جيش خالد بن الوليد) انضموا إلى الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية التابعين للنظام، في مطلع شباط / فبراير الماضي، ومعظمهم ممن ارتكبوا جرائم قتل بحق المدنيين ومقاتلي المعارضة المسلحة، كما أفرج لاحقًا عن أعداد من (جيش خالد) تباعًا، ووصل عددهم إلى نحو 200 قيادي وعنصر، يشكل قسم كبير منهم خلايا يتهمها ناشطون بتنفيذ عمليات اغتيال لمصلحة إيران و(حزب الله) بتوجيه من المخابرات الجوية، في محافظة درعا.