هذا بالضبط ما يريده الغرب كشكل للأنظمة الحاكمة في شرق المتوسط وأفريقيا، أو بالحد الأدنى هذا ما أوحت به تصرفات أميركا والاتحاد الأوروبي، تجاه حركات التحرر أو الربيع العربي، وأخيرًا تجاه الحراك الثوري في طهران.
بالأمس، كان تصريح وزير الخارجية الأميركية الذي يطالب الشعبَ الإيراني بتوثيق انتهاكات وجرائم المسؤولين الإيرانيين، واعدًا بمعاقبتهم، ولكن التصريح لم يذكر كيف أو متى سيعاقبهم، ولا سيما أنه لا يوجد لأي مسؤول إيراني حساب بنكي في أميركا، وربما في الغرب كله، وترك الشعب الإيراني لقمة سائغة لقوات الباسيج والحرس الثوري الإيراني يُنكّلون به اعتقالًا وقتلًا، وكان هذا التصريح مثار سخرية الناشطين والمراقبين في المنطقة، فالجميع يسمع ويشاهد العقوبات الأميركية على المسؤولين السوريين منذ تسع سنوات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحراك في العراق ولبنان.
ربما تكون أميركا هي أكثر جهة دولية أساءت إلى الثورات في المنطقة، حيث يصرح المسؤولون الأميركيون بأنهم مع شعوب المنطقة ويقفون إلى جانبهم، ولكن على أرض الواقع لا تتقدم أميركا ولا الاتحاد الأوروبي من خلفها بأي خطوة ملموسة، لتتلقف الأنظمة الحاكمة هذه التصريحات الأميركية، وتتهم الشعوب الثائرة بالعمالة للحكومة الأميركية، وتلقي مساعدات من جهات غربية؛ فيتحول القائد إلى خائن وعميل، وبذلك تكون أميركا قد منحت هذه الحكومات فرصةً لاستخدام العنف ضد الثوار أو المتظاهرين، وقمع حراكهم وخطف وقتل الناشطين، كما يحصل اليوم في كل من إيران والعراق.
خير مثال أيضًا تصريح السفير الأميركي السابق في بيروت (جيفري فيلتمان) الذي لا يشغل اليوم أي منصب أو وظيفة في الإدارة الأميركية، حيث قال إن الحل في لبنان هو بنزع سلاح الجميع (حزب الله ضمنًا) والانتقال إلى حكومة مدنية غير طائفية. وسرعان ما تلقف هذه التصريحات “حزب الله”، واصفًا فيلتمان بقائد للثورة اللبنانية، ومتهمًا الحراك في لبنان بالعمالة لأميركا. وهذه ورقة ينتظرها “حزب الله” بفارغ الصبر، علمًا بأن تسليم سلاح الحزب هو موضوع قرار أممي تم اتخاذه منذ عام 2005، وقد تأخر تنفيذه، بل تجاهلت الأمم المتحدة تنفيذه، والمفارقة أن المتظاهرين، منذ شهر -حين بدأ الحراك اللبناني- حتى اليوم، لم يُطالبوا بسحب سلاح الحزب.
كذلك الأمر في العراق، حيث كانت هناك جملة من التصريحات الأميركية والأوروبية، جميعها تدين استخدام العنف أو القوة المفرطة تجاه المتظاهرين في هذا البلد، لكن جميع تلك التصريحات لم تكن أكثر من “همروجة” إعلامية، لا تُقدِّم ولا تُؤخّر، بل إن أطرافًا حكومية عراقية وإيرانية استخدمتها لوسم المتظاهرين السلميين بأنهم “عملاء” للولايات المتحدة وأوروبا، وينفذون أجندات خارجية.
لا تفتأ الولايات المتحدة تُكرر بأنها لا ترغب في تغيير النظام في إيران، والإدارة الأميركية صادقة فيما تقول، ذلك بأن الخلاف مع إيران هو خلاف على مستوى نفوذها وحجمه، وليس خلاف وجود، أي أن أميركا لا تُمانع بقاء النظام الإيراني، لكن بشروط أميركية لمصلحة أميركا وحلفائها، وليس لمصلحة الشعب الإيراني.
قد تفضّل أميركا، ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، تصدير أسلحة نووية إلى شرق المتوسط وإفريقيا، لكنها من المستحيل أن تقبل -ومعها الغرب- مساعدة هذا الجزء التعيس من العالم، في الحصول على الديمقراطية الحقيقية، فديمقراطية الشرق وإفريقيا هي الخطر الحقيقي الذي تخشاه أوروبا وأميركا، وليس الإرهاب، كما يزعمون، ولذلك نرى أن الغرب، وأميركا على وجه الخصوص، يُمسكون بخيوط الصراع في المنطقة، لكن من دون إرادة حقيقية لتمكين هذه الشعوب للوصول إلى ديمقراطية حقيقية وشفافة، ولذلك يقومون بحماية الأنظمة القائمة وترويضها لتبقى تحت السيطرة.