التموضع العسكري لإيران في سورية على رأس سلم أولويات الجيش الإسرائيلي
فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زعيم تكتل “الليكود”، وغريمه الجنرال بيني غانتس، زعيم تحالف “كاحول لافان” (أزرق – أبيض)، في تشكيل حكومة للمرة الثانية بسبب نتائج الانتخابات الأخيرة، وعقب حل الكنيست وانطلاق التنافس على الانتخابات البرلمانية الثالثة التي تجرى خلال أقل من عام، وأكّد مسؤول رفيع المستوى في “كتلة اليمين” الداعمة لنتنياهو أنّ الكتلة لن تنجرّ في “مسيرة عمياء” وراءه بعد حسم الانتخابات الثالثة، التي ستجري في الثاني من شهر آذار/ مارس المُقبل، بحسب ما أفادت (القناة 12) الإسرائيلية، مساء السبت 14 من الشهر الحالي.
ووفقًا لـ(القناة 12)، عقد رؤساء الأحزاب والحركات التي تشكل “كتلة اليمين”، هذا الأسبوع، جلسات وأجروا مباحثات فيما بينهم، وخلالها أعلن قيادي من اليمين لم يتم الكشف عن هويته أن “لن يكون هناك مسيرة عمياء وراء نتنياهو، ولن تكون هناك انتخابات رابعة على جدول الأعمال، التي لا يمكن الصفح عنها وإغفالها من قبل الجمهور.
ونقلت (القناة 12) عن مسؤول رفيع المستوى في “كتلة اليمين” قوله: “هناك أغلبية من الناخبين داعمة لأحزاب ومعسكر اليمين، لذلك سنوضح أننا نؤيد وندعم المرشح الذي لديه أعلى الاحتمالات لتشكيل الحكومة المُقبلة”. مضيفًا أن “ليس من المعقول أن ننقل التفويض إلى معسكر اليسار مرة أخرى بعد الانتخابات التمهيدية في الليكود، لذا سيتعين علينا الإعلان عن النوايا لجمهور الناخبين”.
وكانت صحيفة (يسرائيل هيوم) قالت، الأربعاء الماضي: إنّ قياديين في أحزاب معسكر اليمين أجروا مشاورات خلال جلسات مغلقة بشأن مستقبل “كتلة اليمين”، وأجمعوا فيما بينهم على أن سيتمّ تفكيك الكتلة، ولن تُشكل كتلة من هذا القبيل مرة أخرى.
ويبدأ نتنياهو حملة الانتخابات الثالثة في السنة الأخيرة بفارق مهم عن خصمه غانتس، مع تخوف غير قليل من فقدان الحكم في نهاية الطريق.
وكان غانتس رفض التناوب مع نتنياهو على رئاسة حكومة وحدة وطنية، بسبب توصيات المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، بتقديم لائحة اتّهام ضدّ نتنياهو بملفات فساد، والحصول على رشاوى وخيانة الأمانة.
نتنياهو يفقد التفوق و”الليكود” يسجل تراجعًا
استطلاع رأي نشرته صحيفة (إسرائيل اليوم)، الجمعة، بيّن أن “بينما يندفع تحالف (كاحول لافان) برئاسة غانتس إلى الأمام، فإنّ الليكود برئاسة نتنياهو يسجل تراجعًا”. لافتًا إلى أن في الساحة الداخلية أيضًا يفقد نتنياهو التفوق، حين ينال منافسه على رئاسة الحزب، النائب جدعون ساعر، وفقًا للاستطلاع، عددًا مماثلًا من المقاعد التي ينالها نتنياهو لو كان هو الذي يقف على رأس حزب “الليكود”.
الاستطلاع الذي أجراه معهد (مأجار موحوت) الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، فحص مدى المشاركة المقدرة للجمهور الإسرائيلي في الانتخابات، لكون هذه هي الانتخابات الثالثة، و59 بالمئة فقط قالوا: إنّهم سيأتون بالتأكيد للتصويت. و23 بالمئة قالوا: إنّهم سيأتون باحتمالية عالية.
كما يتبيّن من الاستطلاع أنّ هناك تعادلًا بين استعداد مصوتي تحالف “كاحول لافان” للتصويت مع مصوتي “الليكود”.
وبحسب المحللة الإسرائيلية ماتي توخفيلد، فيتضح من الاستطلاع أن لو أُجريت الانتخابات اليوم لحصل “الليكود” برئاسة نتنياهو على 31 مقعدًا، و”كاحول لافان” سيرتفع إلى 37 مقعدًا.
فيما تسجل “القائمة المشتركة” العربية ارتفاعًا إلى 14 مقعدًا، و”العمل – جيشر” 6 مقاعد، و”المعسكر الديمقراطي” 4 مقاعد.
والملاحظ هنا أن لو كانت النتائج الحقيقية، فالحديث يدور عن الإطاحة بنتنياهو عن رئاسة الوزراء، لكون “كتلة اليسار” مع “الكتلة العربية” تصل -وفق الاستطلاع- إلى 61 مقعدًا، وتمنع كل إمكانية نتنياهو لتشكيل الحكومة.
ويلفت الاستطلاع إلى أنّ “كتلة اليمين” ستهبط إلى 51 مقعدًا، حيث تحصل “شاس” على 8 مقاعد، و”يهدوت هتوراه” 7 مقاعد، و”اليمين الجديد” برئاسة نفتالي بينيت وزير الحرب واييلت شكيد 5 مقاعد، أما “اتّحاد أحزاب اليمين” فلا يجتاز نسبة الحسم، وكذلك “قوة يهودية”. ويحصل حزب “إسرائيل بيتنا” برئاسة أفيغدور ليبرمان على 8 مقاعد في هذا الاستطلاع.
وبحسب محللين إسرائيليين، فعلى الرغم من محاولة نتنياهو اتّهام غانتس ويئير لبيد بالتسبب بوقوف “إسرائيل” أمام انتخابات ثالثة – فإنّ 43 بالمئة يعتقدون أنّ نتنياهو هو المذنب الأساسي في تقديم موعد الانتخابات. وفي مسيرة الذنب يأتي نتنياهو مع 30 بالمئة، أما غانتس فهو المذنب الأساسي في نظر 5 بالمئة من الإسرائيليين فقط، فيما يتحمل لبيد 6 بالمئة.
تقارير صحفية عربية وعبرية، اطلعت عليها شبكة (جيرون) الإعلامية، الإثنين 16 الشهر الحالي، تفيد أنّ نتنياهو يدير معركته ضدّ خصومه بفرض أنهم سيقيمون حكومة ضيقة مع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، ويهددون بذلك مصالح “إسرائيل” الأمنية، مع أنّ خصمه الأساسي هو “حزب جنرالات” الذي يضم أربعة رؤساء أركان سابقين للجيش هم (بيني غانتس وموشيه يعلون، الذي شغل أيضًا منصب وزير دفاع، وغابي اشكنازي الذي خدم مديرًا عامًا لوزارة الدفاع، ودان حالوتس)، وستة جنرالات كانوا أعضاء في رئاسة الأركان ونائب رئيس جهاز “الموساد”.
بينما يدير الجنرالات المعركة على أساس أنّها جاءت لخدمة نتنياهو بشكل شخصي حتى يتهرب من المحاكمة في لوائح الاتّهام بالفساد.
مخاوف من التوجه إلى انتخابات رابعة
الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة (هآرتس) حاييم لفنسون، رأى في مقالة له نُشرت في عدد يوم الخميس، أن “قبل أن تحل الكنيست الـ 22، دخلت الأحزاب عميقًا في تخطيط حملاتها. فتخلي يئير لبيد عن التناوب، وكان رصاصة البدء لانتخابات الثاني من شهر آذار/ مارس 2020. والآن يمكن لنا أن نحدد خمسة أسئلة مركزية ستكون في مركز الانتخابات للكنيست الـ 23″.
السؤال الأبرز من بين الأسئلة الخمسة، بحسب لفنسون، هو “هل سيجتاز اتّحاد أحزاب اليمين نسبة الحسم؟”. وفي هذا الصدد يقول: “يبدو أنّ (اليمين الجديد) سيتنافس وحده في الانتخابات القادمة. فالارتباط مع حزب (البيت اليهودي) و(الاتّحاد الوطني) لن ينجح، ونفتالي بينيت يؤمن بأنّه لن ينجح من وزارة الدفاع هذه المرة في الوصول إلى الكنيست بشكل مستقل. أما نتنياهو فهو الآخر يريد ذلك، فقد فهم رئيس الوزراء أنّه بسبب لوائح الاتّهام التي رُفعت ضده، سيفقد أصوات المقترعين من أصل اشكنازي متعلم، ويفضل أن يصوتوا لـ (اليمين الجديد) وليس لتحالف (كاحول لافان) (أزرق – أبيض)”.
مراقبون ومحللون فلسطينيون وعرب يتابعون الشؤون الداخلية الإسرائيلية رأوا، أنّ سياسيين إسرائيليين يعبرون هذه الأيام عن قلقهم من استطلاعات الرأي التي تشير بمعظمها إلى أنّ الجولة الثالثة يمكن أن تنتهي بالنتيجة الأخيرة نفسها، فلا يستطيع أحد من المتنافسين تشكيل حكومة وبالتالي يكون التوجه إلى انتخابات برلمانية رابعة.
ولفت هؤلاء إلى أنّ مستشارين استراتيجيين للأحزاب الإسرائيلية، وبينهم عدد من الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، يُعدّون الدراسات والخطط لمواجهة هذا الخطر ومنعه. و”كل منهم يفتش عن طريقة تجعل الجمهور يقتنع بأنّه ليس السبب في التدهور نحو الانتخابات. وخلال كل هذا، يفتش هؤلاء عن تلك الجمل الحادة، التي يريدون لها أن تخترق الأذهان وترسخ لدى الجمهور لصالح حزب أو قائد”.
المراقبون أكّدوا أنّ ممثلي الأحزاب الإسرائيلية حرصوا في لجنة الانتخابات المركزية على إحداث طفرة في مخصصات الأحزاب للصرف على الدعاية الانتخابية، وارتفع تمويل كل حزب بمبلغ 200 ألف دولار وتمويل كل عضو كنيست بنحو 150 ألف دولار أمريكي.
تسهيلات للقطاع وعين الجيش على طهران
في سياق متصل، كشفت صحيفة (هآرتس) أنّ بعد شهر من جولة التصعيد الأخيرة في قطاع غزة، يخشى الجيش الإسرائيلي أن تضيع الفرصة التي نشأت لتسوية بعيدة المدى مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
كاتب المقالة في الصحيفة الإسرائيلية عاموس هرئيل، قال: “في الأسابيع الأخيرة لاحظ الجيش إمكانية تسريع المحادثات غير المباشرة مع (حماس)، بشكل يمكن أن يؤدي إلى هدنة طويلة المدى. ولكن لم يتحقق في الاتصالات حتى الآن ما يكفي من التقدم، وفي هذه الأثناء من شأن جدول الأعمال السياسي الجديد –نحو انتخابات ثالثة في غضون أقل من سنة – أن يشوّش على تحقيق التوافقات”.
هرئيل لفت إلى أنّ قرار قيادة حركة (حماس) في القطاع بعدم المشاركة في المواجهة العسكرية الإسرائيلية جعل رجال الاستخبارات الإسرائيليين يصفون موقف (حماس) بأنّه تغيير استراتيجي تعرِض الحركة في إطاره تغييرًا عاجلًا في الوضع الاقتصادي والبنى التحتية في القطاع في رأس جدول أولوياتها، بما في ذلك ما يكون على حساب المبدأ الأيديولوجي الهام للمقاومة ضدّ “إسرائيل”.
وعلى هذه الخلفية أوصى الجيش الإسرائيلي ومكتب منسق الأعمال في المناطق بتسريع مساعي التسوية، وأعربت هيئة الأركان عن تأييدها لسلسلة تسهيلات في القطاع، بما فيها التخطيط لمشاريع كبرى في مجال شبكات المياه والكهرباء والمجاري، وإقامة منطقة صناعية في حاجز كارني وتوسيع عدد تصاريح العمل لعمال من القطاع للعمل في البلدات الإسرائيلية في محيط غزة. وتحفظ جهاز الأمن العام “الشاباك” بشدّة على التوصية الأخيرة، خوفًا من أن يشكل دخول آلاف العمال مدخلًا لمحافل الإرهاب في القطاع للإعداد لعمليات في “إسرائيل”. وفق تعبير الكاتب الإسرائيلي.
بالمقابل، أعرب نفتالي بينيت، بصفته وزيرًا للحرب في حكومة نتنياهو الحالية، عن تأييده لإقرار التسهيلات للقطاع، إذا ما ضمن الهدوء.
كما أمل جهاز الأمن الإسرائيلي في أن يسمح إقرار التسهيلات بهدوء واستقرار أكبر، وفي مرحلة لاحقة تُستأنف الاتصالات لإعادة المدنيين الإسرائيليين وجثماني الجنديين المحتجزين في القطاع.
“هآرتس” كشفت، الأسبوع الماضي، أن على الرغم من الجولة الأخرى من إطلاق الصواريخ، يواصل الطرفان الاتصالات نحو تسوية طويلة، كما أكّد نتنياهو في حديث مع صحافيين رافقوه في زيارته إلى البرتغال وجود اتصالات لوقف إطلاق نار طويل المدى.
ووفقًا لرأي المحلل السياسي الإسرائيلي عاموس هرئيل، فإنّ “الجيش الإسرائيلي يخشى أن يؤدي تأجيل التوافقات، ولا سيّما حين تكون انتخابات أخرى على الأبواب، إلى تفويت فرصة التسوية، التي يصفونها بأنّها فرصة لمرة واحدة”.
يضيف هرئيل أن “في الخلفية ثمّة انشغال من جانب جهاز الأمن في صراعه ضدّ التموضع العسكري لإيران في سورية، وهذه المسألة ما تزال على رأس سلّم أولويات الجيش الإسرائيلي، وإيران لا تبدي أيّ بوادر تدل على أنّها تتخلى عن خطواتها في سورية وتهريب السلاح لـ (حزب الله) في لبنان، ولهذا فمن المعقول أن يستمر الاحتكاك العسكري معها في الجبهة الشمالية في الأشهر المقبلة”، و”هذه جبهة يعدّها الجيش الإسرائيلي حرجة وأكثر خطورة، مقارنة بما يجري في غزة، حيث هناك على حدِّ قول الجيش، إمكانية لتهدئة الساحة لزمن طويل نسبيًا”.