تصرف غريب أن يقوم رئيس هيئة التفاوض بعقد مؤتمر صحفي لمناقشة قضايا داخلية، تخص عمل هيئة التفاوض التي يجب أن يكون العمل فيها خلف الجدران وضمن لقاءات وكتب رسمية وهادئة، فالخارجية السعوديه لم تعلن عن الاجتماع من خلال مؤتمر صحفي، إنما وجهت كتابًا رسميًا إلى الهيئة العليا للمفاوضات، وتم تسريب صورة منه للإعلام.
ربما لا يعلم كثير من الناس أن الاجتماع الذي حصل في الرياض، من أجل اختيار مرشحين لكتلة المستقلين، هو استحقاق مضى عليه عام كامل، وكان من واجب هيئة التفاوض القيام به، ولكنها ماطلت عامًا كاملًا، فلا يحق لرئيس الهيئة اليوم أن يعترض على الاجتماع، بحجة قلة وقت الإعداد من جهة وأن الوقت غير مناسب من جهة أخرى، فتنفيذ الاستحقاقات بحسب المهل القانونية الناظمة يجب أن يكون أمرًا مقدسًا، وليس مجالًا للتلاعب بحجج واهية، وأما قوله إن إجراء الانتخابات الآن يسرق التركيز العالمي، من اللجنة الدستورية إلى خلافات المعارضة، فأمرٌ مضحك مبكٍ يثير السخرية والشفقة في آن معًا، حيث إنه من خلال جميع المؤتمرات الصحفية التي عقدها طرفا اللجنة الدستورية، لم نشاهد (مايكرفونًا) واحدًا لمحطة أجنبية، بل إن معظم القنوات العربية الكبيرة كانت غائبة، فعن أي تركيز عالمي يتحدث نصر الحريري؟ لا نعلم. هل يظن رئيس الهيئة التفاوضية أن السوريين مهتمون اليوم باللجنة الدستورية أكثر من المجازر التي تحصل في إدلب؟ وسأعطي مثالًا عن الاهتمام الكبير باللجنة الدستورية: ذات يوم، في بث مباشر على قناة هيئة التفاوض لمؤتمر صحفي لهادي البحرة، رئيس اللجنة الدستورية المعارضة، كان عدد من يتابع البث سبعة عشر شخصًا فقط لا غير، فهل هذا هو التركيز العالمي الذي تحدث عنه رئيس هيئة التفاوض؟!
يحتج رئيس هيئة التفاوض على قانونية هذا الاجتماع، وهنا نتساءل: هل كان استلام الحريري لمنصبه، على إثر الرياض 2، قانونيًا بعد إقصاء من تم إقصاؤهم؟ أتمنى أن أجد عبارة واحدة تنتقد قانونية اجتماع الرياض 2، لدى المعني.
كان مذهلًا خطاب الحريري الذي كان يراوح بين التهديد وخطب الود، بحسب المثل الشعبي (ضربة على الحافر وضربة على النافر)، فتارةً يُهدد -بصيغة المحذر- من انقسام شاقولي في جسد المعارضة، وتارةً يُبدي استعداده للسفر إلى السعودية لمناقشة الأمر والقبول بالمرشحين، مبررًا ذلك برغبته في رأب الصدع، وهو الذي فوّت كل فرص انتخابات جديدة وضخ دماء جديدة في هيئة التفاوض، ولا أفشي سرًا إن قلت إنني كنتُ على علم، قبل شهرين من الآن، بوجود انتخابات في هيئة التفاوض، من مصدر دبلوماسي غربي، وقد طلب حينها من الهيئة إجراء هذه الانتخابات، كون بلاده من الدول الداعمة لهيئة التفاوض، إلا أن طلبه قوبل بالإهمال وعدم الاهتمام. وهنا كان لزامًا على الدول المانحة أن تُطالب الدولة الراعية، وهي السعودية، بأن تطلب من هيئة التفاوض أن تحترم الاستحقاقات القانونية، وبدلًا من ذلك ضربت هيئة التفاوض بكل هذه التوصيات عرض الحائط، وأجرت تمديدًا لثلاثة أشهر للحريري في رئاسة الهيئة، بحجة اقتراب اجتماع اللجنة الدستورية، في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، وبعد كل تلك الأخطاء القاتلة، يخرج علينا رئيس هيئة التفاوض، ليحدثنا عن القانون والاستحقاقات وكيفية تنفيذها.
إن أخطر ما قام به الحريري هو اللجوء إلى الشعبوية في العمل السياسي، من خلال عقده لمؤتمر صحفي، حاول من خلاله تأليب أبناء الشعب السوري بعضهم على بعض، محاولًا زرع سياسة المحاور على المعارضة والشعب السوري، ومن الدهاء أن تكون هذه المحاولة من خلال التظاهر بالتحذير منها، فأتى التحذير على شاكلة التهديد والوعيد.
لسنا مع اجتماع الرياض لأسباب كثيرة، ولكننا قطعًا لا نقبل بأن يعترض عليه أعضاء الهيئة الحاليّة، ولا أعضاء الائتلاف المطالبون اليوم بدورهم بإيجاد الآلية المناسبة لإجراء تغييرات في الائتلاف السوري المعارض، فليس من المقبول إطلاقًا بقاء الأشخاص ذاتهم منذ تأسيس الائتلاف حتى اليوم، يتوازعون الأدوار فيما بينهم، بل إنهم أصبحوا كموظفين في شركة بعقود دائمة، ولا شك أن الكثير منهم قد تعب بعد سنوات طويلة من “النضال”، ومن حقهم أن يستريحوا، ولهذا ننتظر منهم الآلية المناسبة للتغيير، كي لا يتم فرض التغيير عليهم ثم يخرجون للقول إن تغييرهم غير قانوني.