تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

بداية العام وسيل البيانات

لم يصدر عن أي ثورة أو حركة ثورية هذا الكم الهائل من البيانات التي صدرت عن الثورة السورية، على الصعيدين الجماعي والفردي، وقد فاق عددها عدد بيانات الثورة الفرنسية، وحين نتوقف لأجل تقييم فعالية هذه البيانات ونتائجها، نجد أنها كانت مجرد كلمات عابرة في الهواء ناتجة عن لحظة انفعال، لا يُؤسَّس عليها ولا يُبنى عليها بناء، ومعظم هذه البيانات فقدت قيمتها لحظة صدورها.

من هذه البيانات، ما يمكن تسميته (بالتعتيمات أو التضليلات) أي أن البيانات تقول عكس الفعل، أو أن القول شيء والفعل شيء آخر، ويصل الأمر إلى حد التناقض بين القول والفعل، مثل بيانات المعارضة السورية، بخصوص القرار الأممي 2254 الذي تقول كل بيانات شخصيات المعارضة حتى الوجوه الجديدة التي انضمت إلى المعارضة قبل أيام في الرياض، إنها متمسكة بهذا القرار الذي بات عبارة عن ورقة التوت التي تستر عورات المعارضة السورية وفشلها الذريع في تحقيق أي تقدّم، بل عَلى العكس تمامًا، فالمعارضة فشلت كليًا في الحفاظ على القرار الدولي الذي أفرغته روسيا من كل مضامينه، من خلال مسيرة طويلة في أستانا وسوتشي، بموافقة المعارضة الحاليّة بقيادة الائتلاف السوري المعارض وهيئة التفاوض التي وافقت موافقة صريحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، على مخرجات سلسلة أستانا وسوتشي كافة، ولا تتردد هذه المعارضات، بعد كل هذا، عن التكاذب حول تمسكها بالقرار الدولي 2254، حتى بعد تخليها عن ملف المعتقلين وقفزها عن هيئة الحكم الانتقالي.

يندرج هذا على المنضمين الجدد إلى هيئة التفاوض، إذ أعلن بعضهم، على صفحته الشخصية، أنهم متمسكون بالقرار الدولي، بالرغم من علمهم ومعرفتهم بأن روسيا والمجتمع الدولي -بموافقة هيئة التفاوض- فتّتوا القرار الدولي، وتم تمرير ما تريده روسيا ترغيبًا وترهيبًا، وهنا نتساءل: هل سيستطيع المنضمون الجدد أن يُصحّحوا مسار المعارضة، ويعيدوا تصويب العمل بالقرار الدولي؟ هذا يتطلب أمرين اثنين لا ثالث لهما: أولًا الإعلان عن إلغاء اللجنة الدستورية لصالح إنشاء هيئة حكم إنتقالي؛ وثانيًا وقف كل أشكال التفاوض مع النظام، حتى يتم تحقيق البند فوق التفاوضي، وهو إطلاق سراح المعتقلين دون قيد أو شرط، وبغير ذلك؛ يكون الأعضاء الجدد قد التحقوا بمن سبقهم، يصيحون حفاظًا على القرار الدولي على السطح، ويفرطون به تحت الطاولة.

ربما لا يعرف كثيرون من أعضاء الهيئات المعارضة القراءةَ الروسية للقرار 2254، وهي تختلف كليًا عن قراءة المعارضة لها، إذ إن روسيا تقرأ هيئة حكم انتقالي بأنها “حكومة وحدة وطنية” يُشارك فيها النظام الحالي، ومن يقبل بالمشاركة من المعارضة الفعلية أو المعارضة المغلفة في أقبية المخابرات السورية وقاعدة حميميم الروسية، وهذا هو المسار الفعلي الذي تعمل عليه موسكو بكل قوتها، من خلال عملها على الأرض، من خلال الفيالق التي تُشكلها، ومن خلال عملها السياسي في مسار أستانا، علمًا أن الدول الضامنة ليس لديها مشكلة حقيقية مع القراءة الروسية للقرار الدولي.

أخيرًا، القول الفصل في جميع بيانات المعارضة الخاصة بالقرار الدولي 2254 هو العمل وليس الخطاب، فالتمسك بالقرار هو فعل مادي لا قول خطابي، ومن خلال مسيرة هيئة التفاوض، نرى أنها ذاهبة إلى تطبيق القراءة الروسية، مع استمرارها في التكاذب حول التمسك بالقرار الدولي.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق