هموم ثقافية

طواحين بيروت

“طواحين بيروت” لتوفيق يوسف عواد – الناشر: مكتبة لبنان / بيروت. صدرت الحلقة الأولى / الترجمة الانكليزية عن دار هاينمان في لندن سنة 1976، والتي قال أنسي الحاج: عنها إنها “ملحمة الجيل في لبنان والبلدان العربية تجاه قضاياه المصيرية في العقيدة والسياسة والجنس”.

الأزمة الحاضرة عمرها ربع قرن. جايلت الاستقلال. علة مزمنة، خفية، انفجرت تحت رماد النفوس. لقد تسلم لبنانيو الطراز القديم، لبنانيو الجزمة العثمانية، بلدًا موجودًا في العالم العصري، ولكنهم حكموه بعقلية السلطان. كان مستوى البلد وانفتاحه على الحضارة وتجهيزاته الجغرافية والاقتصادية والبشرية تعدّه للعيش في ديمقراطية العلم. حكموه حكم مَن يستغل مزرعة ورثها عن أبيه وله حق في أن يورثها ولده… وفي لبنان اليوم لبنانان.

إن تحقيق أهداف ثورة فعلية يصطدم بمصالح مترسخة وبأجهزة أُقيمت لحماية هذه المصالح. إذ ليس من المعقول أن يتخلى المستفيدون من الأوضاع القائمة عن أسباب قوتهم وإمكاناتهم المادية والسياسية بصورة طوعية. ” أكلة الجبنة ” في أي نظام قائم سيقاومون أي محاولة للتغيير الجذري، لأن التغيير يعني القضاء على امتيازاتهم وزعاماتهم وتهديد مصالحهم. وشكل المقاومة الذي يلجأ إليه قادة أي نظام وحماته هو الذي يقرر في النتيجة أسلوب الثورة …؟

النظام البرلماني القائم على الدستور هو الوحيد الذي يصون الحرية الشخصية، ويعزز الكرامة الإنسانية، ويضمن حقوق المواطن. وعلى نقائصه أثبت، منذ الإغريق، أنه الأفضل لتسيير شؤون الحكم. فالشعب هو مصدر السلطة. وهو الشرعية التي لا بد منها لكل نظام حكم. فاذا كان الأمر كذلك يبقى على كل لبناني أن يعمل، في حقل نشاطه العام والخاص، على تعزيز النظام البرلماني وتثبيته، ومحاسبة المسؤولين عن امتهانه أو مخالفته أو الخروج عليه، والسعي إلى تأليف الأحزاب السياسية الصحيحة. فالعلة ليست في النظام، إنما في ممارسته وتنفيذه -أي في الأشخاص، الحاكمين منهم والمحكومين. فكما تكونوا يولّ عليكم- الثورة حقيقة ترفض وضعًا وتستبدل به وضعًا أخر. فما هو وضعنا وما هي معطياته؟ إنه الشيء وعكسه أ إنها الحرية والاستبداد معًا، إنها الانفتاح والانغلاق معًا، إنها تعايش الطوائف واصطدامها معًا، إنها الترف والفقر معًا، إنها العلم والجهل معًا، وبكلام آخر نحن مع الطائفية وضدها ، ومع الجهل وضده ، ومع الزواج المدني يُعقد خارج أرض لبنان وضد وجوده داخله ، مع المصارحة وضد نتائجها ، مع الكذب وضده . ازدواجية عجيبة تلعب لعبتها البهلوانية حتى لا تضطرب كفتا الميزان…. خوارج! خوارج كل فئة تعتبر الأخرى خارجة عليها…

ما هو الحل؟ أضعف الايمان، ونحن ضعيفو الايمان أن نتضرع إلى الزمن ليشحذ سيفه علينا. فصرخة وجعنا حتى الآن فيها الكثير من الدلع والجبن والجهل والطيش والعربدة والعرض المسرحي، فلنستفد من دروس الشعوب الأخرى ونفتح قلوبنا وعقولنا على جميع الحقائق، نثور على لبنان الماضي ويجب أن نثور، هل الحلم بلبنان الجديد لن يتجسد إلا بكابوس القتل؟ وهل نحن واثقون أن كابوس القتل سيسفر عن تجسيد حلم الحياة، لا عن استمرار الكابوس وانقلابه كوابيس ربما أبشع؟ تردد وتخوف عظيم. نعم، الثورة رائعة، لكن القتل حقير ، كتب “باتريك سيل”:

“أدرك توفيق يوسف عواد، بحدسه الفني والوطني، أن شيئًا ما سينهار، وأن المجتمع اللبناني -مجتمعه- يتداعى للسقوط.

وهو في رائعته هذه -التي لها مكانها الرفيع في “بانتيون” الآداب، يتنبأ عن كارثة بصوت صارخ، أقل ما يقال فيه أنه يحملنا على الخجل عن مواطنيه، لأنهم سدوا آذانهم عنه ولم يسمعوا إليه في حينه.

كقارئ وجدتُ هذه الرواية وهي ابنة ما قبل عام 1976 الترجمة للإنكليزية، ملحمة اعتمدت على واقع، بصرخة ما يخفيه القدر محذرة بمبضع جراح أمين لوطنه ولروايته”.

صدقت الرؤيا والبحث وإحساس الأديب توفيق يوسف عواد، فكانت الحرب الطائفية القذرة 1975 – 1992 حسب تسميتها من المفكر ياسين الحافظ “تمخض الجبل فولد فأرًا”، وما يجري اليوم في لبنان وتعثر تشكيل حكومته.

أنا ابن حمص المواطن السوري قرأتها لوحات لما يجري في وطني الحبيب، بل عرض لواقع عربي مؤلم ومخجل من المحيط إلى الخليج، وعبقرية الأديب لم تمس فنية الأديب ولا على حساب رواية متميزة. لم نقرأ هذه الرواية الرؤيا في حينها، لم نتعلم منها لنجنب أوطاننا ما آلت إليه وخاصة غياب الدولة، وأصاب توفيق يوسف عواد الذي قال “إن شكل المقاومة الذي يلجأ إليه قادة أي نظام حكم وحماته هو الذي يقرر في النتيجة أسلوب الثورة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق