تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

الأسد في ضيافة بوتين.. الصورة والظل

لن تنجح الصورة ولا التعليق في وصف وتحليل زيارة بشار الأسد لبوتين في سفارة الأخير بدمشق، أو التي قيل إنها تمت في مركز تجميع القوات الروسية، الصور والديكور والبروتوكول وطريقة الجلوس واختفاء الأعلام، وكثرة ضباط بوتين، لا تختلف عن سابقاتها التي استُحضر فيها الأسد للقاء بوتين، المشهد يشير إلى إذعان الأسد الكامل لـ “سيّد الكرملين”، وهو مشهد طبيعي في سياق تعاطي موسكو الجديد مع مصالحها وقواعدها في سورية، ترتيب الزيارة، أو لنقل انتقال بوتين من موسكو إلى دمشق، لم يعد يمرّ بقنوات دبلوماسية أو إجراءات بروتوكولية، على اعتبار أن التنقل هو ضمن سيادة المسيطر على معظم مفاصل البلد المحتل، وتصرف النظام بدونية المسيطر بعضلات وطائرات موسكو لا يشكل له حرجًا على الإطلاق.

اختفاء الدبلوماسية من قاموس المحتل الروسي والأسدي، وقبول الأسد بجلسة عسكرية وأمنية خالصة، تحمل أكثر من معنى، إذا ما عدنا لمشاهد استحضار الأسد إلى حميميم للقاء وزير الدفاع الروسي، في حزيران/ يونيو 2016، ولقائه بوتين وواقعة وقوفه خلف الخط الأصفر مع العسكريين الروس، وعدم السماح له بلحاق بوتين، في كانون الأول/ ديسمبر 2017، وقبلها استحضار الأسد لموسكو بطائرة شحن روسية، جميعها مؤشرات على مكانة موسكو ونفوذها، كقوة احتلال حوّلت النظام وسيادته إلى قبضتها المطلقة، حتى بات مقبولًا عند نظام الأسد أي شكل وأي صيغة من العلاقة مع موسكو، باعتبارها تضمن سلطته من الانهيار.

الصورة المقدمة للسوريين، من داخل سفارة موسكو بدمشق، تؤكد أن روسيا ليست مسيطرة عسكريًا على الأرض فحسب، بل على كامل النظام المؤتمر بجدول أعمال ومصالح موسكو في سورية، وأن الأسد واجهة وأداة لتنفيذ وتسهيل هذه المصالح بشكل ملموس، ويقال إن موسكو تكتب وتصوغ العقود التجارية والاقتصادية والأمنية، وما على النظام سوى التوقيع، ومن يتابع صور بوتين في سورية وظلها الملقى على الأسد، لا بد له من الوصول إلى بعض الاستنتاجات العامة على ضوء تكرار تقديم الروس للأسد بشكل مهين كل مرة.

استحضار الأسد وجلبه، كل مرة، أمام بوتين أو وزير الدفاع، أو أمام الضباط الروس في القواعد الروسية، هو جلب إلى الوجهة الروسية التي تتحكم في مضمون وأهداف تحركها على الأرض، وما على الأسد سوى التنفيذ والقبول، والأخطر من ذلك كله هو استغلال المحتل الروسي لهشاشة وضعف الأسد، برهن مزيدٍ من الإملاءات والشروط، وربطها بسيطرة الأسد الأمنية والوحشية على المجتمع السوري، لتوفير مساحة آمنة وهادئة للاستثمارات الروسية في المجالين الاقتصادي والعسكري في سورية، ولعل المدقق في ما تم إنجازه على هذا الصعيد، يجد صعوبة أو استحالة في الانتقال إلى مرحلة أخرى، تحرر السوريين من هذه الإملاءات من دون إسقاط النظام.

في كل الأحوال، يحق لنا أن ننظر إلى مشهد جلب الأسد للقاء بوتين، في سياق حال السيادة السورية في عهد بشار الأسد، نظرة تساؤل من واقع صاحب الدعوة، لندرك كنه الدلالة، بوتين الذي حَمل براميل الأسد وذخر طائراته وصواريخه لقتل السوريين لوأد ثورتهم ليس كرمى لعيون الأسد أو حفاظًا على سيادة سورية، بل حفاظًا على جلادها من الانهيار الذي يحمل في جوفه دلالات الخطر على مصالح موسكو التي ترعى من خلفها مصالح المحتل الإسرائيلي.

لا سيادة ولا كيان لسورية في عهد الأسد، وصورته المستولدة من حقائق يعرفها كل السوريين عن أزلام السيادة وأقزامها، أمام المحتلين، ليست بحاجة إلى قرائن وأدلة، هكذا تتضح الصورة في حضرة بوتين، بينما تمتد الظلال إلى أماكن أخرى، وهي تعكس حقيقة ما يحاك لثورة السوريين ولما تبقى من شمال بلادهم.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق