تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

عودة (داعش) إلى العراق

لم يكن الطلب من القوات الأميركية الخروج من العراق بحاجة إلى هذه المسرحية الاستعراضية في البرلمان العراقي، فالأمر منوط بكتاب من أسطر قليلة يوجهه رئيس الحكومة العراقية إلى قيادة الجيش الأميركي، ويكون للقوات الأميركية مهلة عام ليكمل انسحابه من العراق، بحسب الاتفاق الموقع بين حكومتي البلدين.

لكن هل هذا الأمر مفيد للعراق حقًا؟ ماذا يعني خروج القوات الأميركية من العراق وبقاء خمس قواعد لها في كردستان خارج هذه الاتفاقية؟ ماذا يعني وجود القاعدة الأميركية على الحدود العراقية وضمن الأراضي السورية؟ وماذا تعني الجغرافيا اليوم للطائرات المسيّرة أو الصواريخ الذكية بعيدة المدى؟

في جلسة البرلمان العراقي، كان ثمة نائب شجاع قال موجهًا كلامه إلى رئيس الحكومة العراقية: “لا مانع لدينا من التصويت لخروج القوات الأميركية، لكن على الحكومة أن تتعهد لنا بالأمن، وتتعهد بإخراج فصائل (الحشد الشعبي) المسيئة من المدن، وأن لا يكون هناك فصيل مسلح أقوى من الدولة”. (انتهى الاقتباس)، وقد أراد النائب العراقي من خلال كلامه أن يقول إن الطلب من القوات الأميركية الخروج من العراق قد يُرضي الجارة إيران، ولكنه سيكون وبالًا على العراق.

كلام النائب العراقي سبق كلام الرئيس الأميركي عن استعداد بلاده للخروج من العراق، بعد أن يدفع العراق تكاليف القواعد الأميركية، وربما تكاليف الحرب على (داعش)، لكن ما قيمة هذه التكاليف؟! إذا علمنا أن الجانب الأميركي قدّر تكلفة الخدوش التي أصابت السور الخارجي لمبنى السفارة الأميركية بمبلغ مئة مليون دولار؛ فستكون تكلفة إخلاء القواعد مليارات الدولارات، تضاف إلى مئة وخمسة وعشرين مليار دولار ديون العراق الخارجية.

خروج القوات الأميركية الجزئي أو الشكلي سترافقه عقوبات عسكرية واقتصادية على العراق، ولن يكون مجانيًا، بل إن العقوبات العسكرية قد بدأت عمليًا، من خلال قرار الجيش الأميركي وقف تدريب القوات العراقية، ووقف المشاركة في العمليات الحربية ضد تنظيم الدولة، الذي أعلنت كل من أميركا وروسيا -كل على حدة- النصر عليه، لكن هذا التنظيم مخابراتي البنية وهو جاهز للظهور عند الحاجة، بمعنى إذا أرادت إيران ظهوره أوعزت إلى عملائها بتنفيذ عمل عسكري ما باسم تنظيم (داعش)، وكذلك روسيا وأميركا والنظام السوري، فكل فريق يمتلك فريقًا داعشيًا خاصًا به يُحرّكه حين الحاجة.

مما لاشك فيه أن العراق مقبل على دوامة دموية جديدة، بعد التوافق الضمني بين كل من إيران والولايات المتحدة بأن يكون العراق هو الساحة التي يتم فيها تبادل الرسائل الدموية، وفي النتيجة الخاسر الأكبر هو الشعب العراقي الذي بات اليوم يشتاق إلى أيام الدكتاتور صدام حسين، بعد الذي ذاقه على يد الميليشيات الطائفية التابعة كليًا للحرس الثوري الإيراني، فقد عاش هذا الشعب ستة عشر عامًا من الجوع والخوف وانعدام الخدمات وفقدان فرص العمل وتردي الوضع الصحي والتربوي وانتشار الفقر على نحو واسع.

العراق اليوم على مفترق طرق خطير جدًا، خاصة في ظل وجود هذا الكم الكبير من الميليشيات القاتلة، واختفاء الشخصيات الوطنية التي تم تهميشها ومحاربتها على مدار سنوات طويلة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق