في خضم الصراعات العسكرية التي تشهدها إدلب بين فصائل المعارضة من جهة، وقوات النظام والميليشيات الروسية والإيرانية من جهة أخرى، شهدت جبهات شرق محافظة إدلب، خلال اليومين الماضيين، معارك عنيفة بين الطرفين، أسفرت عن سيطرة فصائل المعارضة على تلال استراتيجية على محور (أبو ظهور)، وعن مقتل أكثر من 100 عنصر لنظام الأسد، و4 ضبّاط للقوات الروسية.
قال النقيب ناجي المصطفى، المتحدث الرسمي باسم (الجبهة الوطنية للتحرير) لـ (جيرون): إن “قواتنا المرابطة على خطوط التماس مع قوات النظام، في مناطق الشمال السوري، على أهبة الاستعداد للتصدي لمحاولات تقدم قوّات النظام”. وأضاف: “لدينا خطط عسكرية واستراتيجية على جبهات ريفي إدلب وحلب، لاستنزاف قوات النظام والميليشيات المساندة له، ومنع تقدّمها نحو مناطق جديدة، كما حصل في اليومين الماضيين، حيث تمكنت قواتنا -بالتشارك مع العديد من الفصائل العسكرية العاملة في المنطقة- من التقدم نحو قرية (أبو جريف)، و(تلّتي مصطيف وخطرة) الاستراتيجيتين بالقرب من منطقة (أبو ظهور) في ريف إدلب الشرقي، وقتلت أكثر من 150 عنصرًا من قوات النظام وميليشيا (لواء القدس) الإيراني، إضافة إلى 4 ضبّاط من القوات الروسية، على إثر استهداف نقطة تمركزهم بصواريخ غراد، في قرية قطرة جنوب شرق إدلب، فضلًا عن تدمير عشرات الآليات الثقيلة والاستيلاء على عددٍ منها”.
تأتي أهمية التلال الاستراتيجية شرقيّ إدلب -بحسب المصطفى- من كونها “مناطق مرتفعة، تشرف على العديد من قرى وبلدات ريف أبو ظهور الغربي، ومن بينها قرى (الزهبية، والسكرية، إسطبلات، ورسم الورد) الخاضعة لسيطرة قوات النظام والميليشيات المساندة له”.
انتقلت مرحلة فصائل المعارضة، خلال اليومين الماضيين، من الدفاع إلى الهجوم، وذلك عقب خرق روسيا لهدنة (وقف إطلاق النار) في إدلب التي أعلنتها وزارة الدفاع التركية في 10 كانون الثاني/ يناير الجاري، ودخلت حيز التنفيذ في فجر الأحد 12 من كانون الثاني/ يناير الجاري، وسط أنباء عن إلغاء اتفاقات (سوتشي، وأستانا) بين روسيا وتركيا، بالتزامن مع تصريحات لوزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، تحدث فيها عن وجوب قيام المعارضة بحماية نفسها من هجمات النظام، إضافة إلى توارد أنباء أخرى عن نية واشنطن دعم فصائل المعارضة وتزويدهم بالسلاح.
في هذا الشأن، يقول العقيد أحمد حمّادة، لـ (جيرون): “أظهرت فصائل المعارضة على مواقع قوّات النظام في إدلب استراتيجيةً جديدة في التعاطي مع روسيا والنظام السوري، من حيث نوعية السلاح والقدرة على المواجهة، وما حصل خلال الأيام الماضية جاء نتيجة الخلاف المتصاعد بين روسيا وتركيا، بشأن منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب وعدم التزام النظام السوري باتفاقية وقف إطلاق النار”، وأكد أن “المفاوضات الحقيقة لا تجري إلا في الميدان، وهي وحدها من تجبر روسيا على الرضوخ للتفاهمات الدولية بشأن الملف السوري”.
من جانب آخر، يرى العميد أحمد رحّال أن ما يجري في إدلب “لا يندرج ضمن المتغيرات العسكرية لصالح المعارضة وفق خطة استراتيجية جديدة، وإنما هو عبارة عن رسائل سياسية بأدوات عسكرية، لتحقيق مكاسب على الأراضي (السورية والليبية) كون هذين الملفين أصبحا مرتبطين ببعضهما بإدارة روسية – تركية، لذا فإن أي تغييرات جذرية على الأراضي الليبية لمصلحة تركيا، ستزيد التوتر لدى روسيا، وستدفعها إلى القيام بعمل عسكري أو تصعيد جوي على منطقة خفض التصعيد الرابعة، في ريفي حلب وإدلب، بهدف تهجير مزيد من المدنيين نحو الحدود التركية”.
وأضاف رحّال لـ (جيرون) أن “فشل التفاهمات الدولية بين روسيا وتركيا، بشأن منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب، دفع أميركا إلى التدخل في هذا الملف، بأن تكون حليفةً مع تركيا ضد سياسة روسيا في المنطقة، ولا سيما مع تصريحات واشنطن الأخيرة التي توعدت بتسليح فصائل المعارضة في إدلب لمواجهة النظام وحلفائه، وهذا ما يشير إلى أن أميركا لن تسمح في المرحلة المقبلة بأن تصبح محافظة إدلب تحت نفوذ روسيا والنظام السوري، ومن الممكن أن تكون هناك تغيرات جذرية في المنطقة تدفع أميركا باتجاه فصائل المعارضة على المناطق التي خسرتها في الأشهر الماضية، وإبعاد روسيا والنظام السوري عن الطرقات الدولية، بهدف إفشال خطة روسيا بشأن الطرقات الدولية في الشمال السوري والسيطرة عليها”.
على الصعيد الإنساني، شهدت مناطق جنوب وغرب حلب، خلال اليومين الماضيين، موجة نزوح كبيرة إلى مناطق ريف حلب الشمالي وريف إدلب الشمالي بالقرب من الحدود السورية التركية، نتيجة كثافة التصعيد الجوي والمدفعي من قبل النظام السوري وروسيا، تمهيدًا لبدء عمل عسكري جديد على المنطقة.
ووثّق فريق (منسقو الاستجابة في الشمال السوري) في بيان أصدره أمس الأحد، نزوح نحو 4.698 عائلة (26.779) نسمة، معظمهم من النساء والأطفال، إلى مناطق (درع الفرات – غصن الزيتون) في ريف حلب الشمالي، وإلى المناطق الحدودية مع تركيا في ريف إدلب الشمالي.
وناشد الفريق “المنظمات المحلية والدولية العملَ على الاستجابة الطارئة لحركة النزوح”، وحذّر “من إعاقة خروج النازحين من المنطقة”، وطالب بالسماح لهم بحرية الحركة إلى كل المناطق في ريفي إدلب وحلب.