قال فريق (منسقو الاستجابة في شمال سورية) يوم الاثنين إن النظام السوري وروسيا شنّا، خلال أسبوع واحد، 321 طلعة جوية، استهدفت إدلب وما حولها، بينها 232 طلعة جوية للطيران الروسي، وحذّر الدفاع المدني من أن استمرار استهداف محافظة إدلب سيؤدي إلى “كارثة إنسانية كبيرة”، ووفق (منسقو الاستجابة) فقد نزح خلال أسبوع أكثر من 31 ألف سوري من المنطقة، 73 بالمئة منهم من النساء.
وأعلنت فصائل المعارضة السورية المسلحة المقربة من تركيا، إضافة إلى (هيئة تحرير الشام)، أنها شنّت هجومًا معاكسًا على قوات النظام السوري، وأنها كبّدتها خسائر بشرية كبيرة في أثناء محاولتها التقدّم للسيطرة على مناطق في ريف إدلب، كما أحبطت محاولات تقدّم لقوات النظام والميليشيات المساندة له.
وقال الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) إن استمرار استهداف محافظة إدلب في شمال سورية سيؤدي إلى كارثة إنسانية كبيرة تهدد المحافظة، وبيّن مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح أن اتفاق وقف إطلاق النار، الموقع بين تركيا وروسيا، وبدأ في منطقة خفض التصعيد بإدلب في 10 كانون الثاني/ يناير الجاري “يبدو أنه انهار”، وأضاف: “كان وقف إطلاق النار جيدًا نسبيًا وسط اطمئنان في المنطقة، ويمكن أن يبدأ الناس بالعودة بعد فترة الهدوء، إلا أن عودة القصف قطعت هذا الاطمئنان”، وأكد أنه “خلال السنوات الماضية لم يلتزم النظام وروسيا باتفاقيات وقف إطلاق النار”، وأن “كل حملة قصف تبدأ بالمنشآت الحيوية والمستشفيات ومحطات المياه والكهرباء، ثم الأسواق والأحياء السكنية، لإخلاء المنطقة من سكانها”، كما أكّد أن 60 بالمئة من الضحايا خلال ثمانية الأشهر الماضية هم من النساء والأطفال.
ونزح من محافظة إدلب في شمال غرب سورية أكثر من مليون إنسان، منذ نيسان/ أبريل الماضي، على إثر حملة عسكرية عنيفة ومستمرة يشنها النظام السوري، بالتعاون مع ميليشيات موالية لإيران وبمساندة دائمة من سلاح الجو الروسي. وتسعى روسيا وقوّات النظام السوري للسيطرة على طريق حلب دمشق (وسط) الدولي الذي يُرمز له بـ M5 ، وطريق حلب اللاذقية (غرب) الدولي.
وقال ناشطون ووسائل إعلام تابعة للمعارضة السورية: إن فصائل المعارضة السورية المسلحة كبّدت الروس “خسائر موجعة” في منطقة إدلب، وأشاروا إلى هجوم تم شنه على غرفة عمليات روسية قرب المدينة، قُتل فيه 6 عسكريين روس على الأقل، بينهم 4 ضباط، وأصيب عدد آخر لم يحدد بجروح، وتم التعرف من بينهم إلى صحفي ميداني روسي، لكن روسيا لم تعترف بالخسائر، وقالت وزارة الدفاع الروسية إن “قوات المعارضة شنت سلسلة هجمات مركزة تصدت لها القوات الحكومية، وتمكنت القوات الروسية من إيقاع خسائر كبيرة في صفوف المهاجمين”، وبلغ حجم القتلى، وفقًا للمصادر الرسمية الروسية 50 شخصًا، في حين قُتل خلال الهجمات 12 عسكريًا سوريًا، وأصيب 24 آخرين.
ويقول الناشطون السوريون إن فصائل المعارضة السورية تستخدم طائرات مسيّرة عن بعد (درون) لشن هجماتها، بينما أكّد مقاتلون تابعون للجيش الثاني (التابع للجيش الحر) لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء، أن لديهم إمدادًا جديدًا من أسلحة أكثر تطورًا وصواريخ مضادة للدبابات والدروع، وهم قادرون على صدّ أي تقدّم لقوات النظام السوري.
تقول روسيا إنها خسرت في سورية، منذ تدخلها العسكري المباشر، نهاية أيلول/ سبتمبر 2015، أقلّ من 120 قتيلًا، ولا يدخل في هذا العدد قتلى ميليشيا (فاغنر) التي تضم مرتزقة قاتلوا إلى جانب النظام السوري والقوات الروسية في مناطق دير الزور وحلب، حول آبار النفط شمال وشمال شرق سورية، سقط منهم أكثر من مئتي عنصر في هجوم أميركي جوي قوي، في أثناء محاولتهم التقدم قرب حقل نفطي في دير الزور، في شباط/ فبراير 2018.
يوجد عسكريًا في محافظة إدلب وريفها “الجيش الوطني” التابع للحكومة المؤقتة (التابعة لائتلاف المعارضة السورية) وأعلن هذا الجيش في أواخر 2019 انضمام كل فصائل المعارضة المسلحة في شمال غرب سورية إليه، ويضم هذا الجيش الفصائل الموجودة في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” التي تنشط فيها تركيا عسكريًا.
في مرحلة لاحقة، انضمت “جبهة تحرير سورية” إلى “الجيش الوطني”، وتتألف الجبهة من فصائل الجيش الحر، ومن ضمنها “الجبهة الشامية” و”فيلق الشام” و”أحرار الشام” وفصائل أخرى، وتختلط أماكن السيطرة مع “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا) التي تُصنف دوليًا على أنها إرهابية، لاتصالها بتنظيم القاعدة.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في ما يُشبه التحدي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “إن بوتين صرّح بأن التعاون بين البلدين حول إدلب لا بد أن يستمر، وهم يقولون إن المعارضة المعتدلة إرهابيون، ويدّعون أن تلك الجماعات تسيء إلى روسيا، لكنني قلت لبوتين إنه بينما ترون أنتم هذه الجماعات كإرهابيين، انظروا إلى الأسد الذي أرهب البلد بأكمله”، وأضاف: “هؤلاء هاربون من الموت… إنّ منظر تلك الأم مع أطفالها الستّة جمّد دماءنا، فكيف تقول عنهم إنّهم إرهابيّون”.
يسكن في إدلب الآن أكثر من ثلاثة ملايين شخص، كثيرٌ منهم من النازحين من مختلف المناطق السورية، غالبيتهم من النساء والأطفال، وأعداد كبيرة منهم يبيتون في العراء، وعلى الرغم من ظروف الشتاء والبرد، لا يجدون الخيم والاحتياجات الإنسانية الأساسية، وهم جميعًا مُهددون بنزوح جديد، لا نهاية له، لأنهم ضحايا تأخر التفاهمات الدولية للوصول إلى حل سياسي في سورية وإنهاء العمل العسكري.