كان من اللافت للنظر أن يُكلِّف المرشد الأعلى في إيران المقاتلَ السابق والقائد اللاحق حسن نصر الله، بالإشراف على ميليشيات الحرس الثوري العراقية، بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني، واللافت هو أن المرشد لم يُكلِّف الجنرال قاآني (خليفة قاسم سليماني في فيلق القدس) وذلك لكون قادة الميليشات في العراق أقرب إلى حسن نصر الله من قاآني الذي لم يكن له دور يُذكر في العراق، وكان يعيش في الظل أثناء وجوده كنائب لقاسم سليماني، ولم يُكلَّف بمهام حقيقية أو عملياتة، ولم يحتك مباشرة بقادة الميليشيات العراقية التي تتبع الحرس الثوري.
هذا التكليف هو تأكيد جديد أن الحرس الثوري الإيراني هو تنظيم أممي، وليس مقصورًا على إيران فحسب، واختيار حسن نصر الله يأتي في لحظة تاريخية فارقة، حيث يرفض الشعب الإيراني اليوم علنًا كل ما هو إيراني أو له ارتباط مع إيران، فلربما ظنت الإدارة الإيرانية أن وجود قائد ميليشيا “حزب الله” سيكون حلًا، ولو بصفة مؤقتة، ريثما يستتب الأمن في العراق لتعود إيران لتعيين قائد آخر إيراني.
عمليًا، قاسم سليماني وحسن نصر الله ينتميان إلى المدرسة العنفية ذاتها التي تؤمن بأن الدماء وحدها هي السبيل لسيطرة إيران المطلقة على كامل المنطقة العربية، ولا يحسبان لذلك أي حساب وطني أو أخلاقي، وولاؤهم الأعمى المطلق للولي الفقيه، وليس لديهما أي مشكلة في عدد الضحايا العرب الذين سيسقطون بسبب تنفيذ هذا المشروع الفارسي عنوة عن أهل المنطقة، بمن فيهم المنتمون إلى المذهب الشيعي، فهم -بالنسبة إلى الولي الفقيه- مجرد وقود لمعاركه في المنطقة.
يعاني حسن نصر الله اليوم أزمة كبرى في لبنان، ومن نافلة القول أن أزمة قائد ميليشيات “حزب الله” هي عدم وجود خصم داخلي مسلح له، وهذا ما يربكه اليوم، ولا يوجد في الأفق، على الرغم من مرور أشهر على الحَراك الثوري في لبنان، أي مؤشر لوجود عدو داخلي لميليشيات حسن نصر الله، وعلى الرغم من أن “حزب الله” اعتمد أكثر من مرة على نشر أخبار من قبيل تسلل بعض عناصر (داعش) إلى مخيم عين الحلوة وغيره من المخيمات، فإنه يبدو قد عجز عن إيجاد كبش يفجر نفسه تحت اسم (داعش) أو غيرها من التنظيمات التكفيرية التي صُنعت لتقديم خدمتها حين الطلب.
عدم وجود عدو داخلي أمرٌ يُحرج قائد ميليشيات “حزب الله” ويقيده، فلا يستطيع فرض الحكومة التي تناسبه بالمطلق، لذلك نراه يلجأ إلى التهديد والوعيد، كشكل من أشكال الضغط على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ليقبل بالتكليف مجددًا، وإشراك الحزب التقدمي الإشتراكي ليحمّلهم مسؤولية دمار لبنان اقتصاديًا.
بالعودة إلى بغداد، نرى حجم الفوضى العارمة في ساحات وشوارع العراق، وبخاصةً في جنوبه حيث كربلاء والنجف التي كانت حجر الزاوية بالنسبة إلى التدخل الإيراني في العراق، ولم يتخيل ملالي طهران يومًا أن تخرج الجموع في هاتين المدينتين ضد الوجود الإيراني، ليجد أن الزخم الشعبي ضد الوجود الإيراني، في هاتين المدينتين تحديدًا، هو أشد من الزخم الشعبي في أي مدينة أخرى، وطبعًا لا ننسى الناصرية والديوانية ومناطق أخرى كانت مساحات طبيعية وآمنة، بالنسبة إلى نفوذ الملالي.
الغريب في كل ما يجري بين بيروت وبغداد والمجازر اليومية التي يتعرض لها الشعب العراقي، والفوضى في لبنان الذي يسير بخطى ثابتة تجاه الهاوية، هو الغياب المطلق للدور العربي، فلا اجتماع، ولو على مستوى المندوبين الدائمين في الجامعة العربية، ولا بيان إدانة لقتل وخطف عشرات المدنيين العراقيين كل يوم، ويتم تركيز كل الأضواء العربية على ما تشهده ليبيا من حروب داخلية طاحنة.