ضمن خيارات محدودة، سواء في الداخل السوري أم لدى الأجسام الممثلة للمعارضة أو على طاولات المفاوضات التي لم يجلس عليها المتفاوضون بعد، لا يوجد حلول مثالية للوضع الراهن تُنقذ المدنيين العزّل من النيران التي تزيد برد الشتاء عليهم. في حوار مع (جيرون) قال نذير الحكيم، عن خيار العودة للاتفاق الذي تم في سوتشي: “إعادة الاستثمار في مذكرة سوتشي لا تشكل حلًا مثاليًا بحال من الأحوال، سواء بالنسبة إلى سكان إدلب المدنيين، أو للنظام السوري الذي يرغب في إعادة فرض سيطرته الكاملة على البلاد، أو لروسيا التي تشاطره ذلك الهدف. لكن في الوقت الراهن، من شبه المؤكد أنه أفضل الخيارات المتاحة”.
وعن الخيارات البديلة التي تمتلكها المعارضة عسكريًا، قال: “أما البديل، المتمثل في هجوم عسكري مشترك بين روسيا والنظام على إدلب، فإنه سيعني موتًا ونزوحًا جماعيًا، وخروج موجات من اللاجئين تزعزع الاستقرار، وظهور شتات جهادي عالمي جديد. بعبارة أخرى: سيكون ذلك أسوأ لجميع الأطراف. على العكس من ذلك، فإن تجدد الهدوء في إدلب سيخدم المصالح التركية والروسية، ويطوّر علاقاتهما الثنائية. والأمر الأكثر أهمية هو أن ذلك سينقذ حياة المدنيين العالقين في منطقة لا مجال للهروب منها”.
وفي ما يخص دور المعارضة السياسية، وبخاصة دور الائتلاف، أكمل الحكيم: “نستطيع القول إن الحالة السياسية والعسكرية في حالة ترهل في أدائها السياسي، وهنا يجب القول إن دور الائتلاف يجب أن يكون منصة للعمل المنظم بشكل أكبر، حيث أدت عملية تهميش دور الائتلاف فيما سبق إلى اختلال موازين القوى، وظهور الفصائلية والاقتتال الداخلي والتحكم الخارجي”.
ورأى الحكيم أن المشهد الفصائلي للمعارضة المسلحة قد تأثر مباشرة بحركة التدخل الروسي منذ عام 2015، حيث إنه ركز على “أولويات تطويع الجغرافية وتغيير الموازين العسكرية، وضرب بنى المعارضة وقوى الثورة العسكرية، لا سيما في إدلب وحلب.” وذكر أن 93 بالمئة من العمليات العسكرية الروسية استهدفت المعارضة وقوى الثورة، بينما أقل من 7 بالمئة فقط استهدفت حواضن (داعش) من دون مقاره.
وأضاف أن ذلك كان السبب “الذي أسهم في إخراج حلب الشرقية من معادلات التأثير العسكري؛ ومحاصرة جيوب المعارضة في محيط دمشق وغوطتيها، ومن ثم العمل على تهجير فواعلها العسكرية والثورية، كداريا ووادي بردى والمعضمية ودوما وحرستا وسواها، فضلًا عن دخول الجبهة الجنوبية والقلمون في مصالحات وتسويات مع النظام”.
وعن الأمور التي يحتاج إليها الائتلاف في المرحلة الحالية، رأى الحكيم أنها تتمثل بثلاث حاجات أساسية وعاجلة هي:
“1 – بناء قواعد تمثيلية حقيقة تجمع الهيئات السياسية والمدنية والعسكرية في الداخل السوري.
2 – تطوير استراتيجية سياسية حاسمة تدير العمل العسكري تجاه التنظيمات المتشددة، وتفعيل استراتيجية مكافحة الإرهاب كي لا تبقي أي ذريعة دولية أو إقليمية.
3 – أن يكون أحد مفاتيح الحل السياسي، وأن يخرج من حالة الهزيمة الاستراتيجية”.
أما بالنسبة إلى الخيار العسكري في سورية، فلا يرى الحكيم أنه هو الحل، والسبب في ذلك “أن موسكو وأنقرة والقوى الدولية متفقون على خريطة طريق سياسي سيكون في سنة 2020، وستحدد موسكو وأنقرة ملامحه خلال الأيام القادمة”.
وعن دور المعارضة، قال: “يكمن دورنا بالتأكيد على ضرورة وقف إطلاق نار شامل في حلب وإدلب، والتشديد على أن الحل السياسي وتشكيل هيئة حكم انتقالي هو الحل لما يجري”.
وقال إن مصادر على الأرض أفادت “أن روسيا لن تتجه نحو الحل العسكري دائمًا، وهي ترغب في توسعة دائرة المفاوضات بشكل أكبر، ولكنها تحتاج إلى أن تتبرأ المعارضة السورية من جميع التنظيمات الجهادية المتمثلة بالقاعدة وجبهة النصرة، وغيرها، فهي من لوثت مسار الثورة السورية”.
وعن توهّم النظام بالانتصار في حلب، قال إن النظام لم ينتصر، وما جرى هو العكس تمامًا، فقد تم إخلاء مدينة حلب من سكانها الأصليين، “إرضاءً لإيران وتنفيذًا لأجندتها”.
وختم الحكيم حديثه بالقول: “نبحث في جميع السيناريوهات المحتملة في حلب، ونضع خطط طوارئ في التوقيت الذي كنا نرى فيه أن بعض التنظيمات السياسة تقف حائرة في البحث عن بديل أو حلول نتيجة رهانها السابق على سقوط الأسد، عندما كانت في حالة من الانقسامات والتجاذبات حتى أوصلتنا إلى ما أوصلتنا إليه اليوم”.
وضمن مشهد واضح، يبيّن أن الملف السوري هو بيد الفاعلين الدوليين أكثر من كونه بيد السوريين، قال الحكيم إن المعارضة تحاول “أن تدير المرحلة الحالية مع القوى الإقليمية الفاعلة في الملف السوري، التي لا يمكنها التخلي عن المعارضة، ويتم ذلك عبر الدبلوماسية، وعن طريق خلق توازنات جديدة بعيدة عن التجاذبات الدولية والإقليمية وحالات التشرذم وعدم التوافق بين بعض الهيئات السياسية”.