أجرت تركيا اجتماعًا طارئًا في العاصمة أنقرة، مع وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، إضافة إلى قادة الفيالق وفصائل الجبهة الوطنية للتحرير، التابعين للجيش الوطني السوري المعارض، وبحسب المصادر السورية، فإن الاجتماع ترأسه من الجانب التركي رئيس الاستخبارات حقان فيدان، كما حضره المسؤولون الأتراك عن الملف السوري، وشارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جانب من الاجتماع، عبر اتصال مرئي، وقال للفصائل: “استعدّوا للمعركة الكبرى”.
كان الجانب التركي قد أبلغ قيادات فصائل الجيش الوطني السوري المعارض بأن المباحثات التركية مع روسيا لم تصل إلى نتائج إيجابية، وأن الأخيرة ستستمر في العمل العسكري، وبأن على فصائل المعارضة السورية الدفاع عن نفسها ومواجهة قوات الروس والنظام، وذكر أن أنقرة ستقدم مزيدًا من الدعم للجيش الوطني.
تزامن هذا اللقاء مع التصعيد المكثّف للقصف من قبل قوات النظام السوري وبغطاء جوي روسي، على كل من ريف حلب وريف إدلب، بعد الخروقات وفشل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير الذي تم الاتفاق عليه في أنقرة في 10 كانون الثاني/ يناير، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.
بات من الواضح أن المرحلة المقبلة ستشهد عمليات عسكرية مكثفة من قبل النظام وداعمه الروسي من جهة، وفصائل المعارضة السورية المسلحة من جهة ثانية، إذ إن المفاوضات الروسية – التركية لم تصل إلى نتائج نحو اتفاق سياسي يوقف العمل العسكري. لكن فصائل المعارضة السورية، وعلى غير المتوقع، تقول إنها جاهزة للمعارك، وإنها أحرزت تقدمًا في الجبهات مع النظام، وكبّدته خسائر بشرية كبيرة، وهو ما لم يعترف به النظام لكن المراصد الحقوقية تؤكده.
حول قدرة هذه القوات المعارضة على الصمود في وجه هجمات النظام السوري وداعمه الروسي، قال الرائد جميل الصالح، قائد جيش العزة التابع للجيش الوطني المعارض، لـ (جيرون): “لقد دخل سلاح نوعي جديد إلى أرض المعركة، بدعم من الفصائل الكبرى، ونحن جاهزون لقلب الطاولة، من حال الدفاع إلى الهجوم، عند الحاجة”.
ومما يدلل على النية الروسية بالتصعيد في إدلب، ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، للمبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، خلال اللقاء الذي جمعهما آخر الأسبوع الفائت: “إن العمل سيستمر للتغلب على فلول الجماعات الإرهابية، في منطقة إدلب شمال شرق سورية”. وتقول روسيا إنها تريد “تطهير” المنطقة من مقاتلي (هيئة تحرير الشام – جبهة النصرة سابقًا) الموجودين بالفعل في إدلب وريفها، ولا تستطيع المعارضة السورية الرد على الحجّة الروسية؛ لأن هؤلاء موجودون في المنطقة بالفعل، وهيئتهم مُصنّفة منظمة إرهابية لاتصالها بتنظيم القاعدة، لكن السكّان يؤكدون أن هؤلاء لا يتعدون 1 بالمئة من إجمالي المقاتلين في المنطقة، أي أن كل مقاتل إرهابي يقابله 99 مقاتل غير مُصنّف بإرهابي، وينتمي إلى فصائل مُنظّمة لديها ميثاق عسكري يحترم الحد الأدنى من حقوق الإنسان في حالات الحرب.
خلال المفاوضات التركية – الروسية، حول الوضع في إدلب، بقيت روسيا متمسكة بعودة النظام بمؤسساته إلى إدلب، حيث إن الخيار الذي قدّمته هو أن يتم إجراء تسوية شاملة في إدلب، على غرار التسوية التي تمت في درعا جنوب سورية، أي تسوية سلمية شبه استسلامية تُتيح لمقاتلي المعارضة الانتقال نحو مناطق حدودية قريبة من تركيا، مقابل تسليمهم مناطق سيطرتهم سلميًا، وهو ما يرفضه نهائيًا مقاتلو آخر معقل للمعارضة السورية المسلحة.
كانت المفاوضات بين الروس والأتراك تهدف إلى فتح الطريقين الدوليين: حلب – دمشق، وحلب – اللاذقية، المعروفين باسم (M4 – M5) ويبدو أن روسيا لم تعد مهتمة حاليًا بفتح الطرقات الدولية، على الرغم من الاستعداد التركي للاتفاق مع الفصائل من أجل التوصل إلى صيغة يتم فيها فتح تلك الطرق.
تستعد قوات النظام، بحسب مصادر عسكرية سورية في المعارضة، لشن هجوم على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب، من محاور ثلاثة في آن معًا، وقالت هذه المصادر للأسبوعي: “إن أهداف النظام هي معرة النعمان، وسراقب، والريف الغربي لمدينة حلب، وقد نقل النظام تعزيزات من أكثر من مدينة سورية، ضمن الاستعدادات للتقدم في آخر معاقل المعارضة السورية المسلحة، وستشهد المنطقة معارك ساخنة لن توقفها كثافة المدنيين في المنطقة”.
في حدث غير مسبوق للقوات الروسية في سورية، والتي تتمثل بقاعدة حميميم، أعلنت روسيا مقتل 40 عنصرًا من قوات النظام، في هجمات نفذتها فصائل المعارضة في ريف إدلب، وعلقت الجبهة الوطنية للتحرير، المكونة من تجمع الفصائل الموجودة حاليًا في ريف إدلب، على البيان الروسي، بلسان الناطق الرسمي للجبهة ناجي المصطفى: “لم تتوقف عمليات النظام وروسيا، لكن الثوار صامدون، بل إنهم مستعدون لاسترجاع أي منطقة يخسرونها”.
يتلخص المشهد العسكري في المناطق التي بقيت في قبضة فصائل المعارضة السورية المسلحة، بانضواء الفصائل كافة تحت مظلة الجيش الوطني التابع لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، إلا المناطق في الشمال الغربي من سورية، ويمكن تقسيمها إلى منطقتين: الأولى منطقة درع الفرات ونبع السلام وغصن الزيتون، وتشرف عليها القوات العسكرية التركية بشكل مباشر، وهي في ريف حلب الشمالي بشكل أساسي، والثانية المناطق التي تسيطر عليها الجبهة الوطنية للتحرير، التي انضمت إلى الجيش الوطني أواخر 2019، إلا أنها تسيطر على مناطق ريف إدلب الغربي، وتوجد في هذه المناطق هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) التي لها صلة بتنظيم القاعدة.
يزداد الوضع الإنساني في إدلب وريف حلب سوءًا، مع استمرار العمل العسكري واستهداف مناطق المدنيين، ويزيد برد الشتاء المعاناة، وقالت منظمة “منسقو الاستجابة السورية” إن نحو 27 ألف مدني نزحوا من بلداتهم في ريف حلب باتجاه الحدود مع تركيا خلال أسبوع، بسبب القصف المكثف لقوات النظام وروسيا.
هل تطلب تركيا من المعارضة السورية المسلحة الاستسلام في اللحظة الحرجة؟ أم هل تقبل روسيا بوقف هجماتها وهجمات النظام لتجنيب المنطقة المزيد من القتل والموت؟ أم هل تستطيع المعارضة السورية المسلحة الصمود بالفعل أمام قوة الروس والنظام؟ كلها تساؤلات قد تتحقق، وقد لا يتحقق منها شيء، وعندها سترتفع أرقام “الخوذ البيضاء” إلى مستوى قد لا يستطيع أحد التكهن بكارثيته.