تسببت العمليات العسكرية التي شنّتها قوّات النظام والميليشيات المساندة لها، أمس الاثنين، بغطاء جوّي روسي، على منطقة معرة النعمان والقرى المجاورة لها إضافة إلى منطقة جبل الزاوية ومدينتي أريحا وسراقب في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، في نزوح آلاف العائلات باتجاه مناطق شمال إدلب على الحدود السورية التركية التي تُعدّ مناطق آمنة نسبيًا مقارنة بغيرها.
تداول ناشطون في إدلب مقاطع فيديو وصورًا على طريق (حزانو – سرمدا) حتى معبر (باب الهوى الحدودي) مع تركيا، والطرقات التي تؤدي إلى مدن (كفرتخاريم، وسلقين، وحارم، ودركوش) شمالي إدلب، تُظهر حالة ازدحام كبيرة للسيارات والشاحنات والجرارات الزراعية التي تنقل الأهالي إلى المناطق الآمنة شمالًا.
قال الناشط نذير أبو عمر من إدلب، لـ (جيرون): “إن الطرقات التي تربط بلدة حزانو بسرمدا، وصولًا إلى (معبر باب الهوى) حتى بلدة أطمة المحاذية للحدود التركية، والطرقات التي تؤدي إلى مدينتي سلقين وحارم شمال غرب إدلب، جميعها مغلقة بالكامل، نتيجة موجة النزوح الكبيرة والازدحام الذي نتج عنها، واصفًا إياها بأنها أكبر موجة نزوح منذ اندلاع الثورة السورية حتى الآن”.
وأشار أبو عمر إلى أن “المنطقة الشمالية من محافظة إدلب أصبحت مكتظة بالسكّان، وأن جميع السيارات ما زالت على الطرقات الرئيسية، وليس هناك مكان يلجؤون إليه، حيث إن المخيمات الحدودية ممتلئة بالعائلات بسبب حالات النزوح الماضية، ولا يوجد هناك مراكز للإيواء المؤقت تستوعب هذا العدد الكبير من العائلات”.
في السياق ذاته، قال محمد حلّاج، مدير منسقو الاستجابة في الشمال السوري، لـ (جيرون): “إن أعداد النازحين من مدن (سراقب، أريحا، جبل الزاوية) جنوبي إدلب إلى مناطق شمال إدلب، بلغت أكثر من 10445 عائلة ما يعادل (60377) نسمة، حتى مساء أمس الاثنين”، مؤكدًا أنها “سوف تتضاعف بكثرة خلال الساعة القريبة، لوجود آلاف العائلات التي ما زالت في مناطقها”.
وأشار حلّاج إلى أن “هناك قسمًا من النازحين ذهب باتجاه مناطق سيطرة (درع الفرات – غصن الزيتون) شماليّ حلب، بينما اتجه القسم الأكبر نحو المجهول في مناطق شمال إدلب، ويقطنون في العراء دون مأوى”.
وطالب حلّاج “المنظمات الإغاثية، بالتحرك العاجل لإنقاذ السكان المحليين في إدلب، وتوفير الاحتياجات الإنسانية اللازمة، بما في ذلك إمدادات الغذاء والدواء، وضمان توفير أماكن إيواء آمنة للنازحين، وإيجاد ممرات آمنة لحركة تنقل السكان من المناطق التي تستهدفها روسيا وقوات النظام”. وناشد أيضًا “الجهات والفعاليات المحلية تأمين مراكز إيواء وفتح المدارس والمخيمات بأقصى سرعة، لاستيعاب الكتلة البشرية الهائلة التي تستمر في النزوح باتجاه مناطق الشمال السوري”.
وتسعى المنظمات المحلية وفرق الدفاع المدني بكامل طاقاتها، منذ ساعات صباح أمس الاثنين، إلى إخراج المدنيين من مدينتي أريحا وسراقب، اللتين أصبحتا عرضة للتصعيد الجوي الروسي، بسبب موقعهما الاستراتيجي قرب الطريق الدولي (حلب – دمشق)، وذلك خوفًا من ارتكاب المجازر.
وفي ذلك، قال مصطفى الأحمد، ناشط إنساني في إدلب، لـ (جيرون): “إن معظم المنظمات المحلية في إدلب، مع مؤسسة الدفاع المدني، تعمل منذ صباح أمس على نقل الأهالي وحوائجهم عبر سياراتهم، من مدينتي أريحا وسراقب باتجاه المناطق القريبة من الحدود التركية شماليّ إدلب، وسط صعوبات عدّة واجهتهم في أثناء عملية الإجلاء، أهمها حملة التصعيد الجوي على المدن، وخوف الأهالي من التجمع، كي لا ترصدهم الطائرات الروسية وتستهدفهم بشكل مباشر”.
وأشار الأحمد إلى أن “هناك الآلاف من العائلات ما زالت في مدنها وغير قادرة على الخروج، لعدم امتلاكها آليات، ويحتاج هذا الأمر إلى شاحنات كبيرة تنقل كل من تبقى في المدن بأسرع وقت، خوفًا من القصف وارتفاع عدد الضحايا المدنيين”.
عسكريًا، تأتي موجة النزوح الكبيرة، من المناطق التي ذُكرت آنفًا، في وقت تواصل فيه قوّات النظام والميليشيات المساندة له، بدعم من الطيران الروسي، عملياتها العسكرية في ريف معرة النعمان الشرقي المحاذية للطريق الدولي (حلب – دمشق)، بهدف السيطرة على مدينة معرة النعمان جنوبيّ إدلب.
وقال مصدر عسكري لـ (جيرون): “إن قوّات النظام وميليشيا (الفيلق الخامس) سيطرت، أمس الاثنين، على بلدات (بابولين، كفرباسين، تقانة، الدير الغربي، صهيان، العامودية، معراتة، الحامدية، بسيدا) في ريف معرة النعمان الجنوبي الشرقي، بعد معارك عنيفة مع فصائل المعارضة المنضوية في عمليات (الفتح المبين)، وقصف مكثف من الطائرات الروسية على مواقع الفصائل، أجبرها على الانسحاب إلى الخلف”.
وأشار المصدر إلى أن “قوّات النظام، بعد سيطرتها على الحامدية، تسعى للتقدم نحو بلدة كفروما لأهميتها الاستراتيجية؛ حيث إنها تكشف مدينة معرة النعمان من الجهة الغربية، وفي حال أحكمت سيطرتها على البلدة، تكون قد أطبقت الحصار بالكامل على معرة النعمان، لتصبح محاصرة من جهة قريتي معرشمارين ومعرشمشة شرقًا، ومن جهة قريتي الدانا وحنتوتين شمالًا، وجهة كفروما غربًا، والحامدية جنوبًا، وتُجبر فصائل المعارضة على الانسحاب نحو مدينة سراقب ومناطق جبل الزاوية”، لافتًا النظر إلى أن “قوات النظام وروسيا تتبع سياسة التطويق للمدن الكبيرة، كي تتجنب خوض حرب شوارع”.
وسيطرت قوّات النظام، خلال الأيّام الماضية، على قرى وبلدات (الدير الشرقي، معرشمارين، تلمنس، الغدفة، معرشورين، معصران، الزعلانة، الدانا، وبابيلا)، وأخيرًا على بلدات (بابولين، كفرباسين، تقانة، الدير الغربي، صهيان، العامودية، معراتة، الحامدية، وبسيدا)، في ريف معرة النعمان الشرقي، لتتمكن بذلك من رصد الطريق الدولي (حلب – دمشق) الواصل بين مدينتي معرة النعمان جنوب إدلب، وسراقب شرق إدلب، وقطع طريق إمداد فصائل المعارضة الواصل، بين مدينة معرة النعمان ومناطق جبل الزاوية جنوبيّ إدلب.