تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

التيه العربي

من صنعاء إلى طرابلس، ومن دمشق إلى بيروت وبغداد، تبحث الشعوب العربية عن الموقف العربي الرسمي، ففي حال وضوح مواقف دول الإقليم: تركيا وإيران وإسرائيل، بشكل جليّ، من مجمل أزمات المنطقة وحروبها، نجد المواقف العربية ضعيفة مترددة وهزيلة، ومع كل المرارة والقهر الذي يصبّه الشارع العربي ضد التدخلات الإقليمية والدولية، فإن هذا القهر يتضاعف بسبب انعدام البديل العربي للتدخل الإقليمي.

ماذا تريد الحكومات العربية على وجه التحديد، حين تحجم عن التدخل وفي الوقت ذاته تدين تدخل دول الإقليم؟ وما هي الأزمة التي اتخذت منها الحكومات العربية موقفًا واحدًا موحدًا؟! اليمن؟ العراق؟ لبنان؟ دمشق؟ ليبيا؟ أم القدس؟

إذا كانت هذه الحكومات عاجزة عن مقاربة وجهات نظرها، والخروج برؤية مشتركة لكل أزمة على حدة، فليس يحق لها لوم دول الإقليم التي لا تفوّت فرصة لإشغال الفراغ الذي يخلفه الانسحاب العربي من الساحات.

يضاف إلى ما سبق عدم التوازن والاتزان واختلاف المكاييل، عند مواجهة كل أزمة على حدة، وتختلف قوة هذه المواقف وجديتها من مكان إلى آخر، فموقف مصر من الأزمة اليمنية لم يكن بقوة موقفها من الأزمة الليبية، حيث لم يكن لها الموقف العربي المرجو في الشأن اليمني، بينما في الشأن الليبي وجدنا أنها تولي المسألة الليبية كل الاهتمام، وكذلك موقفها من الوجود الإيراني في سورية، حيث لم تُدِن مصر مرة واحدة الوجود الإيراني في سورية، بينما دانت التدخل التركي في ليبيا، في حين كان من المفترض بالشقيقة الكبرى أن تكون مواقفها رافضة لكل أشكال التدخل الخارجي، في اليمن وسورية وليبيا على حد سواء، واستخدام المكيال ذاته في معالجة كل الملفات، وهو المكيال العربي الرافض للتدخلات الخارجية، أيًا كان مصدرها.

ماذا كان الموقف العربي من نقل السفارة الأميركية إلى القدس؟ ماذا كان الموقف العربي من ضم هضبة الجولان من طرف “إسرائيل”؟

أما موقف الجامعة العربية الرافض لما سُمِّي “صفقة القرن” فهو أقل الواجب وأضعف الإيمان، لعدم منح شرعية عربية لاغتصاب كامل فلسطين، وتحويل شعبها إلى قبائل تعيش عصر “الأبارتايد”. وأما مواقف الحكومات العربية المتناقضة، تجاه ما يجري في ليبيا، فهو أمرٌ يدعو إلى الاستغراب، فهناك لا يوجد إيران ولا “إسرائيل”، فلماذا هذا الموقف العربي المتناقض بين بعض الأطراف العربية والمتّسم باللا مبالاة من أطراف عربية أخرى؟

بعد ما جرى في العراق وسورية من هيمنة إيران شبه الكاملة عليهما، وعلى الأقل هيمنتها على السياسة الخارجية في هذين البلدين، يصبح الحمل أكبر بالنسبة إلى الدول العربية الأخرى، كدول لديها الإمكانات المادية والبشرية للتأسيس لمشروع عربي يبدأ بإنهاء كل أشكال الخلاف العربي العربي، ووضع استراتيجيات حقيقية وراسخة وقابلة للتنفيذ، ربما ليس بمقدورنا الحلم اليوم بوحدة عربية على غرار الوحدة الأوروبية، ولكن من حق شعوب المنطقة أن تتطلع إلى موقف عربي موحّد تجاه ما يُهدد اليوم استقرارها وحياتها، لأن السياسات المنفردة لكل دولة على حدة ستحصد نتائجها شعوب المنطقة بشكل مباشر، ولن يكون دفع الثمن للبعض وإنما للجميع، دولة تلو دولة، وشعبًا تلو شعب.

إن إدانة التدخلات الخارجية هنا وهناك، سواء كانت إقليمية أم دولية، هي مجرد بيانات فارغة دون موقف عربي موحد تجاه كل القضايا العربية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق